الموصل: يسارع مدنيون عراقيون خائفون الى الهروب في طريق موحلة داخل مدينة الموصل في وقت ترتفع حولهم اصوات طلقات نارية، وتحوم فوقهم مروحية وهي تطلق النار باتجاه مواقع الجهاديين.

اما الخيار الاخر امامهم فهو البقاء ورفع رايات بيضاء فوق منازلهم، واختلاس النظر الى المعارك التي تخوضها القوات العراقية ضد الجهاديين الذين يسيطرون على مدينة الموصل ثاني اكبر المدن في العراق. يحمل بعض الاطفال اكياسا بلاستيكية تحوي حاجياتهم على اكتافهم، وبين الفارين امرأة تبكي.

يتجه عشرات من السكان من جنوب شرق الموصل الى اطراف المدينة حيث يستقلون حافلات عسكرية تنقلهم الى مخيمات النازحين. ويقول المقدم هاشم عبد الكريم وهو ضابط في قوات الرد السريع وضمن وحدة ترشد المدنيين الى مخيمات النازحين لفرانس برس "كانت حركة العائلات اكثر يوم الجمعة".

صحيح ان السيناريو الاسوأ المتمثل بنزوح مليون شخص خلال معارك استعادة الموصل لم يحصل حتى الان، الا ان اكثر من 120 الف شخص نزحوا منذ بدء العملية في 17 اكتوبر 2016. يتصاعد ازيز الرصاص ودوي الانفجارات بينما تشق قوات الرد السريع طريقها في اتجاه شمال المدينة مع وحدات من قوات اخرى.

وتجري عمليات التقدم بسرعة لكن بحذر اذ جهزت سيارات همفي العسكرية بصواريخ مضادة للدروع وقاذفات قنابل لمواجهة السيارات المفخخة، اضافة الى وجود جرافات تفتح الحواجز والطرق المغلقة. وتمنح سيارات همفي الغطاء للمقاتلين الذين يتقدمون مع اسلحتهم الخفيفة والمتوسطة.

وتحوم مروحيات فوق القوات البرية المتقدمة وتطلق صواريخها على اهداف، بينما يرد الجهاديون باسلحتهم عليها. ويفتح بعض المدنيين ابواب منازلهم لرؤية ما يحدث، لكن تحذير القوات العراقية دائما هو "ابقوا في الداخل واغلقوا الابواب". فالمخاطر لا تعد ولا تحصى، والجهاديون لا يتورعون عن تعريض حياة المدنيين للخطر، فيما تستهدف الغارات الجوية والقصف المدفعي والصواريخ غير الموجهة اهدافا لهم داخل المدينة.

من الخوف الى الراحة
يقول احد عناصر الشرطة الاتحادية ناسبا معلوماته لاحد السكان "هناك سيارة مفخخة خلف المسجد" الذي يبعد فقط حوالى مئتي متر ويمكن مشاهدته من سطح احدى البنايات. يرصد الجندي السيارة المفخخة من خلال منظار سيارة همفي يستخدم عادة لاطلاق الصواريخ، ولكن ثمة ساتر ترابي يقطع الطريق المؤدية اليها.

يتدفق مزيد من المدنيين من المناطق القريبة، معظمهم سيرا، بينما تصل امرأة وعدد من الاطفال في سيارة. وتقول كرامة عطية بملابسها السوداء والذهول على وجهها وبطانية على كتفها ان تنظيم الدولة الاسلامية "اجبرنا على الخروج".

وتضيف "انهم يختبئون امام منزلنا" قبل ان ترشد قوات الرد السريع الى مبنى وضعت رايات بيضاء امام مدخله. وبعد تقدم سريع ووسط اطلاق نار متواصل، تتمكن القوة العراقية في النهاية من بلوغ هدفها في اطراف الحي الشمالية.

وسرعان ما يتحول خوف المدنيين الذي طال الى راحة واطمئنان، ويبداون بالخروج من منازلهم وخصوصا انهم لم يتلقوا اوامر بالبقاء في الداخل. ويعبر الاطفال عن سرورهم رافعين علامة النصر امام الجنود العراقيين الذين يبادرونهم بالتحية نفسها.

لا يزال سكان هذه المنطقة يقيمون في مدينة هي ساحة معارك، والتحقيقات قد تطاول بعض الرجال للاشتباه بارتباطهم بتنظيم الدولة الاسلامية، لكن المخاطر الامنية زالت. وتقول حسنة ياسين وهي تقف امام باب منزلها "هذه المرة الاولى اقف امام باب المنزل منذ ثلاثة ايام (...) اشعر بانني ولدت مجددا".