بمناسبة حلول العام الجديد وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلمة كانت بمثابة رقصة نصر، شكر فيها بلاده في أعقاب نجاح كبير في 2016، حيث شهد العام زعيم الكرملين يدعم مكانة روسيا في الخارج وينشئ صداقات جيوسياسية قوية.

قائمة الانتصارات
اتّجه بوتين بشكل جيد نحو العام 2017، بعدما توسط لوقف إطلاق النار في سوريا مهمّشًا الولايات المتحدة، وتلقّى مدح الرئيس المنتخب دونالد ترامب لرفضه الرد على قرار إدارة أوباما القاضي بمعاقبة موسكو على تدخلها المزعوم في الانتخابات الأميركية.

في تهنئته لبلده قال: "نحن نعمل، ونعمل بنجاح، وننجز الكثير. أود أن أشكركم على النصر والإنجازات، وعلى التفهم والثقة، وعلى الاهتمام الحقيقي والعميق بروسيا".

ازدادت شعبية بوتين أكثر من أي وقت مضى في موطنه، وساهم في تعزيز مكانته في الخارج، الدور الريادي لروسيا في عملية السلام السورية، وظهور القوميين الذين يفضلون إقامة علاقات أفضل مع موسكو في بلدان التحالف الغربي، والانطباع بأن الكرملين قادر على قلب الانتخابات من خلال القرصنة السيبرانية ورسائل الاصطياد الإلكترونية الزائفة وخبراء المراوغات السياسية.

حتى في ذروة قوة الاتحاد السوفييتي، ففكرة أن موسكو يمكنها التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لمحاولة التأثير على النتيجة كانت أمرًا يقتصر على تخيّلات الحرب الباردة وأوهامها. والآن، صرّحت وكالة المخابرات المركزية بأنّها حدثت فعلًا.

روسيا لا تزال ضعيفة
قد يكون من المغري أن ننظر إلى قائمة الانتصارات في دفتر حسابات بوتين خلال الأشهرالـ 12 الماضية، ونفترض أن لا شيء يمكن أن يقف في وجه الكرملين.

لكن روسيا ليست الاتحاد السوفياتي، وهذه ليست الحرب الباردة، وموسكو لا تسعى إلى الهيمنة على العالم. ويقتصر هدف بوتين على الحدّ من نفوذ الولايات المتحدة، مؤكّدًا أنّ المصالح الحيوية لروسيا، والسلطة التي يمكن إبرازها، ما زالت محدودة بسبب ضعف الاقتصاد، وتضاؤل الامتداد العالمي مقارنة مع الولايات المتحدة.

في الواقع، لايمكنه التصرّف في أي مكان يريده، ولايمكنه فعل ذلك وحده، وما زال الكثير يعتمد على مدى تماشي الرئيس المنتخب دونالد ترامب معه.

في الوقت الحالي، يتصرّف ترامب كصديق، أكثر من عدو لروسيا كسلفه من خلال المؤسسة السياسية التي سيترأسها قريبًا في واشنطن، وتؤكّد ذلك التغريدة التي أرسلها الرئيس المنتخب ليعبّر عن موافقته على الطريقة التي تعامل بها بوتين مع عقوبات إدارة أوباما.

في هذا السياق أشار أندريه كوليسنيكوف، باحث بارز في مركز كارنيغي في موسكو، إلى أنّ "بوتين يسعى إلى توضيح القواعد الجديدة للعالم مع القليل من المساعدة من مثيري الشغب الغربيين. ولكن من الناحية الاقتصادية، روسيا لاتزال ضعيفة جدًا، كما أنّها هشّة سياسيًا".

بالفعل، روسيا هي بلد أكثر فقرًا مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات، عندما نشأ خصام بين بوتين والغرب بسبب الصراع القائم في أوكرانيا. ووفقًا للأرقام المنشورة في موسكو تايمز، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي لروسيا ذروته محققًا 2.2 تريليون دولار في العام 2013 وانخفض منذ ذلك الحين إلى 1.3 تريليون دولار، أي أقل من إيطاليا، والبرازيل، وكندا، في حين أن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد وصل إلى أقل من 9000 دولار، وفقًا لصندوق النقد الدولي.&

ولاتزال البلاد تعتمد على تصدير الموارد الطبيعية؛ بينما توقف الإصلاح الهيكلي للاقتصاد وخصخصة صناعة الدولة. أما الروس الذين يملكون حسابات إدخار فقد انخفضت نسبتهم من 72 % في العام 2013 إلى 27 % في العام 2016، بحسب تحليل نهاية العام الذي نشره موقع gazeta.ru. وللمرة الأولى منذ سبع سنوات، ينفق الروس أكثر من نصف أموالهم في محال البقالة.

وحده صاحب القرار
علّق أليكسي غوساروف، الذي يستضيف برنامجًا حواريًا على إذاعة إيكو موسكفي، قائلًا: "لبوتين روسيا معيّنة، ولغيره من الروس روسياهم المختلفة. والاثنتان لا تلتقيان".

لماذا يعتبر هذا مهمًا؟، لأن جميع تحركات السلطة في روسيا، في الوقت الراهن، تعتمد كليًا على بوتين، لأن الرئيس الروسي قد عزز السلطة بشكل&فعال.

وفي هذا الإطار، لفت فلاديمير فرولوف، وهو محلل سياسي يقيم في موسكو، قائلًا: "في روسيا، فرد واحد فقط يقرر ما الذي يصبّ أو لا يصبّ في المصلحة الوطنية لروسيا. لا تؤخذ أي مساهمة مؤسسية أوعامة في الاعتبار".

وساهم اتخاذ بوتين للقرارات في الحفاظ لأشهر متتالية على معدل شعبية يوازي 80 % تقريبًا، وذلك وفق المركز ليفادا. لكن 53 % لا غير من الروس يعتقدون أنّ البلاد تسلك الاتجاه الصحيح. ويبدو أنّ بوتين على وشك الفوز مجددًا في انتخابات العام 2018، إذا قرّر الترشّح، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كانت زيادة الألم الاقتصادي سوف تؤدي إلى إضعاف هذا اليقين.

في الوقت نفسه، تبحر سفينة دولة بوتين بحجم أصغر من العادة، وعلى غرار حاملة الطائرات التي غيّرت ميزان القوى في سوريا، فإنّ نجاحها يعتمد على سماح بلدان أخرى لها بأن تكون ناجحة.

وصرّح سيمون ساردزهيان، المدير المؤسس لمشروع مسائل روسيا Russia Matters Project في مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة هارفارد، أنّ بوتين نجح لأنه يختار المعارك مع الولايات المتحدة عندما تكون المصالح الحيوية الروسية على المحك، ولروسيا فرصة معقولة للسيطرة.

يقول ساردزهيان إن الاعتبار الرئيس هنا هو ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لوضع قوتها كاملة: في أوكرانيا، لم تكن المصالح الحيوية الأميركية في خطر، وفي نهاية المطاف، قررت إدارة أوباما أنها لم تكن على المحك في سوريا أيضًا. أضاف: "سعى القادة السوفيات إلى مواجهة الولايات المتحدة في كل مكان وفي أي مكان. ولدى بوتين توقعات أكثر محدودية رسمتها قدرات اقتصاد بلاده والتركيبة السكانية وغيرها من عناصر القوة الوطنية".

هذا ما ذكره بوتين في مؤتمره الصحافي السنوي الذي تمّ بثه على الصعيد الوطني، عندما ردّ على دعوة ترامب لتوسيع الترسانة النووية الأميركية بالقول إن ترقيات روسيا كانت تهدف إلى التغلب على أي معتد، وليس إلى الدخول في سباق تسلح "لا يمكننا تحمله".

تفادي إزعاج ترامب
منذ وقت ليس ببعيد، طرح مسؤولو وزارة الدفاع الروسية فكرة استعادة قواعد الحقبة السوفياتية في كوبا وفييتنام للتماشي مع موطئ القدم المكتسب حديثًا في سوريا. ولكن لم يتمّ إحراز أي تقدم في ذلك.

حتى لو كان بوتين يندفع في ذروة قوته نحو العام 2017، فالسؤال هو ماذا سيحدث لموقف روسيا حين يتولى ترامب قيادة أقوى دولة في العالم. في حين من المرجح أن تستمر موسكو في الضغط لتوسيع نفوذها حيث يمكنها ذلك على حساب الولايات المتحدة، مسيطرة على الإدارة الجديدة - على سبيل المثال، في مجال مكافحة الإرهاب - حيثما يكون ذلك ممكنًا، فمن غير المرجح أن يتصرف بوتين بطريقة تتحدى الرئيس الأميركي الجديد علنًا.

ويشير فرولوف قائلًا: "أعتقد أنّ ما تتوقعه موسكو من ترامب هو أنه سيوجّه ردًّا قويًا بما فيه الكفاية لإيذاء روسيا، وبالتالي فمن الأفضل عدم التسبب بإزعاج لا داعي له".


أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرّف نقلًا عن "واشنطن بوست". المادة الأصلية منشورة على الرابط التالي: & &

https://www.washingtonpost.com/world/europe/putin-won-2016-but-russia-has-its-limits-as-a-superpower/2016/12/31/51c607a2-cec3-11e6-85cd-e66532e35a44_story.html?utm_term=.c199d6b073d7


&