أثارت تحركات وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنغر، من وراء الكواليس، تكهنات عن الخدمات الكبيرة التي&يقدمها الى الرئيس المنتخب ترامب، خاصة في ما يتعلق بدوره في عدد من التعيينات التي تم الإعلان عنها.


لندن: ما زال هنري كيسنغر يمارس في سن الثالثة والتسعين لعبة النفوذ مع سياسيين لم يولدوا بعد حين كان وزير خارجية ريتشارد نيكسون.

وقال مسؤولون في الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب دونالد ترامب إن كسينغر كان يمضي ساعات في تقديم نصائحه الى مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي مايكل فلين وفريقه.

وأوصى كسينغر بأن يكون مساعده السابق كي. تي. ماكفارلين نائب فلين، وهو الذي دعا ترامب الى تعيين ريكس تيلرسون، رئيس اكسون موبل، وزيرًا للخارجية.

ونقلت شبكة بلومبرغ الاخبارية عن مستشار للفريق الانتقالي قوله إن كسينغر من القلائل الذين يستطيعون التحادث هاتفياً مع ترامب في أي وقت. &

واثارت تحركات كسينغر من وراء الكواليس تكهنات عن الخدمات الكبيرة التي يمكن ان يقدمها الى ترامب في التعامل العلني.

ويلاحظ مراقبون أن كسينغر دافع عن اختيار تيلرسون لوزارة الخارجية، حين اعترض جمهوريون بسبب علاقاته القوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وخفف كسينغر من تداعيات الاتصال الذي اجراه ترامب برئيسة تايوان امام لجنة المئة، التي تدعو الى علاقات متينة بين الولايات المتحدة والصين.

وقبل ذلك، طار كسينغر الى اوسلو لحث نظرائه من الفائزين بجائزة نوبل على اعطاء الرئيس المقبل فرصة في مجال السياسة الخارجية.

وكان جميع الرؤساء ووزراء الخارجية الاميركيين يتصلون بكسينغر طالبين مشورته، ولكنه لم يكن بهذا القدر من النفوذ في سنوات اوباما.

ويبقى من الغريب رغم ذلك ان تكون لكسينغر كلمة مسموعة عند ترامب. فهو مهندس سياسات عديدة لمح ترامب الى انه سيلغيها، ومنها اتفاقيات خفض الأسلحة التي اشار ترامب في تغريدات أخيرة الى انها قد تكون مهددة.

وقال جيم نفتالي، المدير السابق لمكتب ومتحف ريتشارد نيكسون، "إن كسينغر مستعد على ما يبدو لتقديم استشارته الى شخص شكك علناً في اللبنات الأساسية لصرح النظام الدولي الذي ساعد كسينغر نفسه على بنائه".

وتقدم شركة كسينغر استشارات للحكومات الأجنبية والشركات الكبيرة منذ عام 1982، وبنظر مؤيدي كسينغر فإنه "مترنيخ الاميركي" مشبيهن اياه بالدبلوماسي النمساوي الذي حدد شكل السياسة الدولية في القرن التاسع عشر. ولم يكن مصادفة أن مترنيخ كان موضوع اول كتاب نشره كسينغر في عام 1957.&

يرى المؤرخ نيال فيرغسون، كاتب سيرة كسينغر، أن سبب توجه ترامب الى كسينغر هو "انه يعتبره المنظر الجيوسياسي والدبلوماسي الألمع والأوسع خبرة في الولايات المتحدة اليوم، وهو يدرك أن بامكانه أن يستخدم مشورة كسينغر لتنظيم اولوياته الاستراتيجية". &

ولا شك في ان مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن ونيويورك ترحب بمثل هذا التوجه. ولكن كسينغر رغم نجاحه في مجال السياسة الخارجية مسؤول ايضاً عن فصول سوداء في حقبة الحرب الباردة.

فهو ضالع في انقلاب 1973 الذي اسقط الرئيس التشيلي المنتخب سلفادور اليندي، وهو مهندس استراتيجية قصف مواقع جيش فيتنام الشمالية في كمبوديا دون اطلاع الكونغرس.

ولكن كسينغر ليس بعبع اليسار فقط، بل اصطدم مع المحافظين الجدد حين كان مستشار الامن القومي في ادارة نيكسون بمعارضته فرض عقوبات ضد الاتحاد السوفيتي ترتبط مباشرة بمعاملته المعارضين اليهود لأن مثل هذه العقوبات كانت تهدد سياسة كسينغر في الانفراج مع موسكو.

ودأب كسينغر في السنوات الأخيرة على الدعوة الى ايجاد سبل للعمل بصورة اوثق مع بوتين.

وقال في كلمة القاها في مؤسسة غورباتشوف في موسكو، إنه "في النظام ثنائي القطبية الناشئ يجب النظر الى روسيا على انها عنصر اساسي في أي توازن عالمي جديد، وليست تهديداً للولايات المتحدة في المقام الأول".

وينسجم هذا الموقف مع رأي ترامب الذي يقول ان بالامكان التفاهم مع بوتين.

وقال فيرغسون كاتب سيرة كسينغر لشبكة بلومبرغ إن من اسباب انجذاب ترامب الى كسينغر، ابتعاد هذا الأخير عن السياسة الخارجية التي انتهجها جورج بوش ثم باراك اوباما.

واضاف ان ترامب "يقدّر ايضًا شبكة العلاقات الفريدة التي يمكن ان يقدمها كسينغر"، منوهاً باللقاءت المنتظمة التي يعقدها كسينغر مع الرئيسين الروسي والصيني.

اللافت في ذلك كله أن الرئيس المنتخب الذي خاض حملة ضد النخب الدولية يطلب مشورة رجل يعرف غالبية افراد هذه النخب معرفة حميمة.

وهي مفارقة من المرجح أن تلقى تقدير مَنْ استعانوا في السابق بخدمات هنري كسينغر. &

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "بلومبرغ". الأصل منشور على الرابط التالي:

https://www.bloomberg.com/view/articles/2017-01-04/kissinger-s-washington-is-coming-back-around