أثار رجل دين (شيعي)، وصف طلبة الجامعات العراقيين بـ (المخنثين) موجة استياء واسعة على المستويين الجامعي والشعبي، وجاءت ردود الفعل غاضبة ومنددة بما قاله، ومشددة على أنه ترك الفساد والقتل اليومي، وجاء ليتشدق بكلام لا قيمة له.

إيلاف من بغداد: أعرب طلبة جامعيون عراقيون وناشطون مدنيون عن غضبهم تجاه ما تفوّه به رجل الدين محمد الفضلي، الذي وصف طلبة الجامعات العراقية بـ (المخانيث)، مؤكدين أن هذه التصريحات تعدّ تحريضًا ضد المجتمع، يجب اتخاذ إجراءات لردعها.&

فيما طالب البعض بزجّ من أسموه بـ (الموتور) في السجن أو في مصحة عقلية، كما طالب البعض وزارة التعليم العالي برفع دعوى قضائية ضد هذا الشيخ، بتهمة السب والقذف والتحريض على الفوضى، وهي جرائم وفقًا للقانون العراقي!.&

آخرون ذهبوا إلى أن الشيخ، الذي وصف طلبة الجامعات بالمخنثين، مصاب بما وصفه، وبالفعل تقدم عدد من طلبة الجامعات العراقية في جامعة محافظة الديوانية الجنوبية بدعوى قضائية لدى قاضي تمييز المحافظة، مطالبين باتخاذ إجراءات قانونية عقابية ضده.
&
وكان الشيخ محمد الفضلي الذي ينتمي إلى حزب الفضيلة الإسلامية، بزعامة المرجع الشيعي الشيخ محمد اليعقوبي، قد وصف في خطبة الجمعة الماضية طلبة الجامعات بالمخانيث، وطالب وزير التعليم العالي بتطبيق نظام الشريعة الإسلامية في الجامعات، بقوله: (أطالب من هنا وزير التربية والتعليم العالي بإقالة جميع من لا يلتزم بالتطبيق الشرعي داخل المدرسة والجامعة)!.

وزارة التعليم: الإساءة مرفوضة
من جهتها، رفضت وزارة التعليم العالي الإساءة إلى الطلبة الجامعيين. وقالت في بيان لها "دعمًا لطلبتها وملاكاتها التدريسية وانطلاقًا من المسؤولية الأكاديمية والقيم الجامعية العريقة، تعلن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رفضها ما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي من خطاب يسيء إلى الطلبة الجامعيين، ويغفل أهمية هذه الشريحة في صناعة المستقبل".

طلاب جامعيون في العراق

أضافت: "وتعرب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن أسفها لصدور مثل هذا الخطاب الأحادي المأزوم، وتدعو إلى تفهم خصوصية المرحلة التي يخوض فيها العراقيون جميعًا حربًا ضد أعداء الإنسانية من مروّجي التطرف والظلام والتخلف".

رجل دين: الأساتذة يذمّون الطلبة
إلى ذلك قال الشيخ أبو القاسم الحمداني: "الكثير جدًا من أساتذة الجامعات عندما نلتقي بهم يذمّون الطلبة، ويصفونهم بالجيل التعبان، على حد تعبيرهم، الذي ليس همّه سوى تقضية الوقت والجنس والعلاقات وتدني المستوى العلمي لديهم - حسب تعبيرهم - مما يجعلنا ننصدم بما يصفون".

أضاف: "لكننا عندما نرى الشباب العقائديين حقًا والمقاتلين الشجعان، والذين لا يمسون الدين ورجال الدين حقدًا وجهلًا بسوء، نشعر بأن هذا البلد ما زال بخير، لأن فيه شبابًا واعيًا، ولكن عندما نرى شبابًا جلّ همّه الحب والحبيبة والكلمات الرخيصة والفكر المتستر تحت غطاء التحرر والتقدم، وهم عكس ذلك، نقول صدق الأكاديميون بوصفهم لطلابهم".

أحزاب إسلامية
وقد ندد علي شاكر علي، طالب في جامعة بغداد، بكلام هذا الشيخ. وقال: "لم يتبقَ أمام رجال الدين إلا الجامعة للتدخل في شؤونها، عيونهم عليها دائمًا، والظاهر أنهم حينما يمرون منها يكرهون أنفسهم، لأنهم لم يدخلوا الجامعة، ولم يعيشوا أجمل أيامهم فيها، فجاء غضبهم على الطلبة، وهم يعلمون أن طلبة الجامعة ليسوا مخانيث، لكنه تعبير عن غيظ في أنفسهم".

أضاف: "اللعنة على كل رجل دين يكيل الاتهامات جزافًا للآخرين، ولكن لا ألوم البعض منهم، فهم شيوخ ما بعد 2003 الذين وضعوا العمامة من لا شيء، وأعطتهم الأحزاب الإسلامية الفرصة للخروج على الناس، باعتبارهم من مؤيّديها، لأن الأحزاب الإسلامية تحتاجهم في الانتخابات وفي تخويف الشعب ليبقوا في السلطة".

لا يستحق الرد
أما إسراء عبد السلام، طالبة من جامعة بغداد، فقالت: "والله هؤلاء لا يستحقون الرد عليهم، وأعتقد أنهم لا يعرفون الله ولا الإسلام، البلد كله فساد وإرهاب، وهو جاء يسخر من الطلبة، هل أوصاك الإسلام بأن تسكت عن الباطل، والناس تموت كل يوم بالعشرات، كنت أتمنى أن أسمعه يتحدث عن الفساد، بدلًا من أن يتحدث عن الطلبة، ولكن ماذا نفعل هذا زمنهم".

أضافت: "هل يعلم هذا الشيخ معاناتنا اليومية ابتداء من الزحام في شوارع بغداد إلى الخوف من التفجيرات إلى أن العديد من الطلاب هم أبناء أرامل ويتامى، ويريدون أن يحققوا أمنيات أهلهم بالنجاح وتبوء مكانة جيدة، لكن للأسف هذا الشيخ يعيش في أمان وسلام، والدولة تعطيه راتبًا ممتازًا، وليس عنده شهيد ولا أخته أرملة".

نحارب داعش
فيما أكد فارس حسن محمد، طالب في الجامعة المستنصرية، أن "الشيخ لا يعلم أن الكثير من الطلبة يحاربون داعش في العطلة مع الحشد الشعبي".&

وقال: "هذه تصريحات مسمومة، الغرض منها التغطية على فشل الأحزاب الإسلامية في قيادة البلد إلى بر الأمان، ونحن نعلم مثلما هذا الشيخ يعلم أن فساد الأحزاب الحاكمة، وتحديدًا الإسلامية، بلغ الزبى، كما يقول المثل، ومثل هذا الشيخ لا يمكنه أن يتكلم عن الفساد، لأنه جزء منه بالتأكيد، أليس من أولويات رجل الدين فضح الفساد والفاسدين؟".

أضاف: "على الحكومة إن كانت رشيدة أن تزجّ بهذا الشيخ وأمثاله في مصحة نفسية، لأنهم يحرّضون على العنف، وأعتقد أنه لا فرق بينه وبين الإرهابي".

تحريض ضد المجتمع
من جانبه، أكد فارس حرام، رئيس اتحاد أدباء النجف السابق والناشط المدني، أن كلام الشيخ تحريض على المجتمع. وقال إن "هذا الشيخ الذي "عمّم" فيه الوصف على طلاب الجامعات العراقية بأنهم "مخانيث" ومطالبته رؤساء الجامعات بتطبيق "الشرع" في حقّهم.. كلامه يرقى إلى مستوى التحريض ضد المجتمع ويعتبر تهديدًا للأمن الأهلي، فضلًا عن أنه كلام لا يستحقه مئات الآلاف من الطلاب المملوئين إحباطًا من البلد، والمنتظرين أن يفتح مستقبل العراق أمامهم، بعدما حطّمه الفاسدون من الساسة ومن المتاجرين بالدين".

أضاف: "هو أيضًا كلام يدلّ على شعور مرّ بانحسار قدرة تأثير رجل الدين (بصورة عامة) في أوساط الشباب، وطبعًا هذا ليس بسبب الدين نفسه، ولا رجال الدين الحقيقيين المحترمين (وهم قلة ونادرون)، وإنما لأنّ الشباب كرهوا المتاجرين بالدين وبالفضيلة وبالقيم، كرهوا أشكالهم، وكلامهم، وبيوتهم، وسياراتهم، وكذبهم، وفسادهم، وقتالهم في ما بينهم، وإرهابهم، وإدعاءهم بأنهم ضدّ الإرهاب.. كرهوا منهم كلّ شيء.. كلّ شيء".

دمار الأجيال&
الإعلامي أحمد الشيخ ماجد رأى أن "المخنث لم يُدمر الدولة، ولم تتآكل الحدود بسببه، ولم تقضم أراضي العراق بوجوده".. وأضاف: "عندما تغرق الناس بالدماء، وحين تكون دولتهم مهدّدة، وأراضيهم مثل جثّة هامدة يريد أن ينهشها الكلاب، ينبغي أن يكون الكلام الذي يعتبر من صناعة الرأي، هو المطالبة بحفظ حياة الناس، وبناء دولة تصون كرامتهم المسحوقة من قبل "منتجاتكم" السياسية.. وكذلك وسط كل هذه التحدّيات، عندما تجد شبابًا يدرسون ويجتهدون بين الانفجارات، فالأجدر أن تدعمهم، لا أن تتهمهم زورًا وبهتانًا وكذبًا.
&
وتابع: "أي جيل سيخرج من كلام هذا الشيخ وأفكاره، ورميه الناس بالباطل!؟... جيل يسرق، ويقتل، ويدمّر بلاده، ليكون رجلًا.. والكارثة أن الناس صلّوا على محمد وآله فرحين بكلمته.. هذا هو دمار الأجيال بالفعل!".

كلنا مخانيث!&
أما الكتبي ياسر المتنبي فقال: "أود أن أقول لشيخنا العزيز إنني واحد من المخنثين من طلاب الجامعات الذين وصفتهم.. أقول لك كيف أنا مخنث، ففي المرحلة الأولى، وبعد شهرين من دخولي إلى الكلية، استشهد والدي بسيارة مفخخة تفجرت بسبب خلافاتكم السياسية، وبسبب خططكم الأمنية الفاشلة. استشهد والدي، واحترقت المكتبة والمخازن والسيارة، وأنا عمري أقل من 20 عامًا، وحكومتكم الرشيدة ما قدمت إلينا أي شيء، ولكنني رجعت، وبنيت المكتبة، وأسست دار نشر، وأرجعتها أفضل مما كانت".

أضاف: "والمخنث أنا أكبر إخوتي، وعندي أخوة صغار، ولكنهم بعد ليسوا بمخانيث، المهم أكملت الكلية، ونجحت، وأنا بنصف الظروف الحالية، وأنا الآن طالب ماجستير، يعني مخنثًا كبيرًا، لقد صرت وأوصلت أخوتي الصغار إلى الكلية، وصاروا مخانيث أيضًا حسب وصفك.. هل ترى أي مخنث بطل أنا؟!".

الجامعة خط أحمر!
بدوره، أكد الدكتور محمد فلحي، رئيس قسم الصحافة في كلية الإعلام في جامعة بغداد، أن الجامعة خط أحمر، مشددًا على أن "آخر قلعة يمكن إسقاطها في المجتمع هي الجامعة.. ومن بعدها يكون اﻻنهيار شاملًا.. ﻻ سمح الله!".

وقال: "لم تسلم جامعات العراق من هجمات وتدخلات السياسيين خلال العهود الماضية، لكنها صمدت وتعافت ونهضت من ركام الحروب والحصار!، المجتمع الأكاديمي الجامعي العراقي يمثل النخبة العلمية والفكرية التي ينبغي أن تحترم وتصان كرامتها أمام هجمات الجهلاء.. وإذا كانت هناك ظواهر سيئة وسلوكيات مرفوضة، فإنها تعالج من خلال قوانين الجامعة، وليس من خارجها، كما يحرّض هذا الشيخ، الذي ﻻ يعرف أحد ما هي مؤهلاته العلمية وشهاداته وتاريخه!".

أضاف: "عايشت الوسط الأكاديمي منذ نحو ثلاثين عامًا.. وما زلت أتذكر مواقف كثيرة عن استقلال الجامعات وهيبتها.. مثلًا &أتذكر أن خير الله طلفاح خال صدام حضر بنفسه إلى وزارة التعليم العالي عام 1991، وهو جالس على كرسي متحرك، ليتوسط لدى وزير التعليم الدكتور عبد الرزاق الهاشمي حول قبول طالبة، معدلها ضعيف، في كلية الطب.. فأجابه الوزير: "يمكن أن أقبلها في الطب في حالة واحدة، وهي صدور قرار بتوقيع الرئيس نفسه.. لا وليس من صلاحياتي قبول طالب بدون شرط المعدل.. فغضب طلفاح، وخرج وهو يشتم الرئيس والوزير"!".

تابع: "في ظل الدكتاتورية صمدت الجامعة أمام اﻻختراق، ودفع الكثير من الأساتذة والطلبة حياتهم ثمنًا للحرية والكرامة والرصانة العلمية.. واليوم في ظل الديمقراطية ينبغي أن تحافظ الجامعة على ريادتها ودورها التنويري في المجتمع!، الدول المتقدمة صنعت نهضتها العلمية والتقنية من خلال الجامعات، وحافظت على هيبتها، ومنعت المؤسسات السياسية والدينية من التدخل في شؤونها أو التأثير في تقاليدها وقراراتها".

واقترح على وزير التعليم العالي "رفع دعوى قضائية ضد هذا الشيخ، بتهمة السب والقذف والتحريض على الفوضى، وهي جرائم وفقًا للقانون العراقي".

ختم بالقول: "ﻻ أشجّع على التظاهر واﻻستنكار من قبل الأساتذة والطلبة، أن وقت الجامعة ثمين، وﻻ ينبغي إهداره أمام مثل هذه الترهات التي أفرزتها مرحلة ضعف الدولة وغياب القيادة الحازمة التي تحفظ كرامة الإنسان، وخاصة العلماء في المجتمع!".

رابط كلمة الشيخ محمد الفضلي: