الرباط: حظرت السلطات المغربية تسويق «البرقع» وإنتاجه. وأثار القرار موجة من ردود الفعل بين مؤيد للقرار ومعارض له انطلاقا من كونه يمس بحرية اللباس، ويتدخل في خيارات المواطنين.

حضور نسبي

«إيلاف المغرب» تجولت داخل أسوار المدينة القديمة بسلا أمس، ولاحظت أن البرقع بالكاد يحضر في أوساط المغربيات. ومن الملاحظ أن لباس البرقع ليس طاغيا في شوارع المدن المغربية، لكن هذا لا يعني انعدامه، الأمر الذي يعني أن قرار حظره لا يعني شرائح واسعة من المجتمع المغربي.&

ورغم ذلك، تبقى للقرار تبعات اجتماعية واقتصادية مهمة، تلخصها حالة فاطمة الزهراء، وهي شابة في العشرينيات من العمر، تشتغل بمحل لبيع هذا النوع من الثياب والألبسة، رغم أنها لا ترتديه، قالت لـ"إيلاف المغرب"، ردًا على سؤال بشأن القرار الذي أصدرته السلطات، "إننا لم نتوصل حتى الآن بأي قرار يخص هذا الموضوع، لكننا علمنا أن هناك شيئًا من هذا القبيل، وان عددًا من أصحاب المحلات المشابهة بمدن مختلفة توصلوا بالقرار".

قطع للرزق

أفادت فاطمة الزهراء التي تنحدر من مدينة تارودانت (جنوب المغرب) بأن عددًا من &النساء اللواتي يترددن على المحل لشراء "البرقع"، زارها واستفسرها عن حقيقة الأمر، وأعرب عن رغبته في اقتناء عدد كبير من هذه المنتجات قبل أن يتم تفعيل قرار حظر بيعها، الذي حددته السلطات في مدة يومين.

واعتبرت الشابة التي تبيع هذه الألبسة، أن قرار السلطات سيقطع أرزاق العديد من الأسر المغربية، مؤكدة أنها قدمت من جنوب المغرب لتشتغل في هذه الحرفة وتعيل أسرتها من هذا العمل، كما أن صاحبة المحل تعيش هي الأخرى وأسرتها من مداخيله، وأوضحت بنبرة غاضبة "لدينا كمية مهمة من هذه الألبسة تبلغ قيمتها حوالي 40 ألف درهم حوالي (4 آلاف دولار)، كيف لنا أن نبيعها في هذا الوقت الوجيز( 48 ساعة ) وماذا سنفعل في المستقبل، هذا أمر غير مقبول"، تعلق الشابة وعلامات الحسرة بادية على محياها.

واحدة من بين النسوة اللواتي يرتدين "البرقع"، قالت إن "منع هذا اللباس لن يتم، لأننا نعيش في دولة إسلامية وأمير المؤمنين الملك محمد السادس لن يسمح بقرار من هذا النوع"، معتبرة أنها لن تتخلى عن لباسها لأنه يمثل بالنسبة لها حقًا مشروعًا وحرية في الاختيار كباقي المغربيات اللواتي يرتدين أشكالاً متنوعة من الألبسة.

قرار مناقض للشرع والقانون

وفي تصريح لـ"إيلاف المغرب"، قال الشيخ حسن الكتاني، أحد رموز التيار السلفي بالمغرب، إن قرار وزارة الداخلية "لا أساس شرعياً&أو قانونياً له"، لافتًا أن من شأنه أن يحدث "بلبلة في البلاد"، ومشددًا على أن القرار "مناقض للشريعة والقانون والحريات الشخصية التي ينادي بها الجميع".

وحول ما يقال عن هذا الشكل من اللباس من كونه دخيلاً على الثقافة المغربية، رد الكتاني، بأن هذه الحجة "واهية لأن اللباس المغربي تطور ويتغيّر من زمن لآخر"، مسجلاً أنه "لا يمكن أن نطالب الناس بارتداء لباس انقرض والعودة إلى قرون خلت ولم يعد له وجود"، ولفت الوجه السلفي المعروف، إلى أنه إذا ألزم مرتدو اللباس الأوروبي &بارتداء اللباس المغربي، فإن لكل حديث مقالاً، وأضاف قائلا "أما أن يحاصر فقط المتدينون فهذا كيل بمكيالين&وتمييز ديني عنصري لا معنى له"، على حد تعبيره.

وزاد الكتاني مبينًا "نحن لا نتحدث بأننا تيار سلفي وإنما نتحدث بأننا مغاربة لنا الحق في أن نعيش حياتنا بما نعتقد وليس من حق أحد أن يحجر علينا في هذا البلاد من دون بقية الشعب"، مؤكدًا "لسنا فئة دخيلة على المجتمع وإنما نحن امتداد لآبائنا وأجدادنا على مر العصور"، معتبراً أن كل من أراد أن "يحاصرنا بهذه الطريقة سنسلك في مواجهته سائر الوسائل المشروعة لكي ندافع عن حقنا".

لباس دَخيل

وفي تعليقه على الموضوع، اعتبر منتصر حمادة، الباحث المختص في شؤون الجماعات الإسلامية، أن القرار الصادر عن وزارة الداخلية يتحدث عن "منع بيع البرقع، وليس عن منع البرقع"، لكنه عاد وأكد أنه من الواضح أن القرار "مقدمة أو إشارة عن رؤية السلطة لهذا اللباس الذي يعتبر دخيلاً على الثقافة المغربية".

وأضاف حمادة في تصريح لـ"إيلاف المغرب"، أن الأمر لا يقتصر فقط على البرقع، على قلة من يرتديه، و"يهم على الخصوص النقاب، أي اللباس الخاص بالتيار السلفي بشكل عام، والذي يختلف عن لباس "الحايك" السائد في مجالنا التداولي المغربي منذ قرون"، لافتًا الى أن هناك عدة اعتبارات تقف وراء صدور هذا القرار، حيث زعم أن "بعض هذه الاعتبارات، نجدها في الخارج، وليس في المغرب ابتداءً من تاريخ أمس، أي الاعتبار الأمني"، موضحًا أن لدينا "العديد من الحالات ذات الصلة بوقائع أمنية مرتبطة بعدم الكشف عن هوية المرأة التي ترتدي البرقع (وفي حالات كان الأمر يتعلق بالرجال وليس النساء)".

وحول تداعيات القرار، قال حمادة في التصريح ذاته "إن صدور هذا القرار "سيكشف مواقف العديد من الفاعلين، وفي مقدمتهم الفاعلون السلفيون، بل هو اختبار مادي صريح لبعض الفاعلين السلفيين من الشباب السلفي الحركي، الذي يُصطلح عليه إعلامياً بـ"المشايخ"، لتقييم ما اصطلح عليها بالمراجعات، ولو أن العديد من بوادر تفاعل السلفيين في مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تتضح مباشرة بعد صدور القرار".

مس بالحرية

وعمّا إذا كان هذا القرار سيمس بالحرية الفردية للمغربيات اللواتي يفضلن ارتداء هذا الشكل من اللباس، أفاد حمادة، أن موضوع الحريات الفردية "معضلة تواجه المجتمع برمته، بين من يدافع عنها أو ينتقدها، وبين من يتعامل معها بحسب الظروف والملابسات"، مؤكداً أنها "معضلة قائمة حتى في الخارج، وليس في المغرب، ولو أنها في موضوع منع بيع لباس البرقع، ذات صلة بالتدين السلفي على الخصوص".

أما محمد زهاري، الرئيس السابق للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، فوصف قرار السلطات القاضي بمنع إنتاج وتسويق النقاب أو البرقع بـ"الارتجالي"، معتبرًا أنه "يمس الحياة الخاصة للأفراد، ولا يستند الى نص قانوني يتعلق ببيع وتداول مثل هذا اللباس".

وحذر الفاعل الحقوقي في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، من أن "تنفيذ هذا القرار الارتجالي التعسفي، يمكن أن يكرس لسلطة الاستبداد والظلم، والمس بحرية العقيدة"، وأضاف موجهًا نداءه لوزير الداخلية، محمد حصاد "يا سلطات الداخلية إن كل ممنوع مرغوب فيه، وما هكذا تورد الإبل يا حصاد"، وذلك في دعوة صريحة لمراجعة القرار.