يصرّ مسؤولون في الإدارة الأميركية على أنّ التصعيد الأخير ضد داعش والقاعدة في سوريا والعراق كان جزءًا من خطة مكافحة الإرهاب، ولا علاقة له بإرث الرئيس. مؤكدين أن هذه الضربات هي نتيجة استثمارات مخابراتية منفّذة قبل أشهر وبدأت تثمر الآن.

إيلاف: كانت لحظة لا تنسى حين قال أوباما يوم الأحد 1 مايو 2011 بعد منتصف الليل: "أستطيع هذه الليلة أن أعلم الشعب الأميركي والعالم أن الولايات المتحدة قد نفّذت عملية قتلت فيها أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة".. لحظة مهمة في تاريخ مواجهة إدارة أوباما للتطرف.

إدارة أوباما تعكس المعادلة
سيخلّف الرئيس وراءه ذكرى مختلطة. فهو يغادر البيت الأبيض مع خطر أوسع وأكثر تنوعًا مما كان عليه حين استلم منصبه. ففي خلال فترة حكمه التي دامت 8 سنوات، اكتسبت الحركة "الجهادية" مزيدًا من النفوذ والأتباع والأسلحة والمال. وربما لن يتخطّى أوباما مطلقًا لحظة وصفه للدولة الإسلامية في العام 2014 بأنّها "فريق هواة" متورط في "صراعات محلية متنوعة على السلطة".&

لكن، في الوقت نفسه، نجحت الإدارة في تغيير مجرى الأحداث في السنتين الماضيتين. فجعلت حركتي داعش والقاعدة تتخذان وضعية دفاعية. وحين سيغادر أوباما مكتبه في الأسبوع المقبل، سيكون حجم الخلافة الإسلامية في العراق وسوريا قد بلغ نصف ما كان عليه، بعدما خسرت داعش معظم مقاتليها (حوالى 50.000) بحسب بعض المسؤولين الأميركيين، ولم يبقَ منهم في ساحة المعركة سوى 15 إلى 18 ألف مقاتل.&

كذلك، تلقّت المجموعات المتطرّفة الأخرى، من نيجيريا إلى ليبيا ومن اليمن إلى أفغانستان، ضربات كبيرة خلال العام الماضي. وفي الشهرالفائت، اضطر تنظيم الدولة الإسلامية إلى الخروج من أول "مستعمرة" له، في سرت الليبية، التي شكّلت معقلًا له على البحر الأبيض المتوسط، في منتصف الطريق بين طرابلس وبنغازي.

ضربات متعددة في آن&
ووفقًا لمسؤول كبير في وزارة الدفاع، "فالدولة الإسلامية ليست في حالة يرثى لها، وهي لم تنكسر بعد، ونحن لا يمكننا إعلان انتصارنا عليها بعد"، لكنّ الجهود المتواصلة في كل أنحاء العالم ضد القاعدة، وأخيرًا ضد الدولة الإسلامية، قد أعاقت قدرة المتطرّفين على تنفيذ عمليات تآمرية واسعة النطاق، "هم يحاولون الوقوف مجددًا، لكنّنا نستمرّ في ضرب أقدامهم".&

ويلفت إلى أنّ الفعالية في محاربتهم تكمن في ممارسة الضغط في أماكن مختلفة في الوقت عينه، فهم الآن "لا يملكون مكانًا يلجأون إليه للاختباء أو الاستراحة".&

في أواخر العام الماضي، أُجبر زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، على الفرار من الموصل في العراق، إلى محافظة الرقة في سوريا، حيث أنشأ داعش عاصمة زائفة. لقد كانت الموصل والرقة مركزي عمليات لداعش، ويعتقد أن البغدادي وغيره يبحثون الآن عن ملاذات أبعد. والرسالة من ذلك هي: "لا يمكن أن تكون للدولة الإسلامية مقار كبرى. ونحن نصب تركيزنا على المنطقة الحدودية، أي ذاك الوادي غير المأهول تقريبًا بين سوريا والعراق. فنحن نظنّ أنّ معظم الداعشيين يحاولون الانتقال إلى هناك".

تصعيد في أواخر العهد
بالنسبة إلى الرئيس، لم تصدر بطاقة الأداء النهائية بعد، ففي الأيام الأخيرة لإدارة أوباما، وجّهت الولايات المتحدة ضربة مهمة إلى القاعدة: غارات جوية ثلاثية شكّلت على الأرجح أغلى ثمن يدفعه التنظيم منذ أسامة بن لادن.&

ففي الأيام الثلاثة الأولى من العام الجديد، قتلت طائرات حربية أميركية أكثر من عشرين عنصرًا من كبار ناشطي القاعدة في سوريا - 15 على الأقل في الغارة الجوية الأخيرة التي نفذتها القاذفة الأميركية B-52.

وفي محاولة للعودة، كان تنظيم القاعدة يسعى إلى إعادة تجميع صفوفه في سوريا والحلول مكان الدولة الإسلامية كحركة "جهادية" عالمية رئيسة. وقام ورثة بن لادن سرًا بنقل كبار الناشطين من أفغانستان وباكستان وأعادوا تشكيل قواهم مجددًا في محافظة إدلب، في شمال غرب سوريا، وذلك جزئيًا ليكونوا أقرب إلى الغرب. لكنّ الغارات الجوية قضت على مقار تنظيم القاعدة، وهي عبارة عن مجمع مبانٍ بالقرب من سرمدا، مدينة من العصر الروماني تبعد مسافة نصف ساعة بالسيارة عن الحدود مع تركيا.&

في هذا السياق، قال السكرتيرالصحافي للبنتاغون، بيتر كوك، في إعلان مقتضب عن الغارة: "كان قادتهم يديرون العمليات الإرهابية من هذا الموقع"، وعبّر لاحقًا عن سعادته بتوجيه هذه الضربة.

وفي الأسابيع الأخيرة لأوباما، سرّعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الحملة ضد الدولة الإسلامية. ففي سوريا، &قصفت قوات العمليات الخاصة الأميركية سيارات تقلّ مقاتلين قياديين من داعش عبر الصحراء قرب دير الزور، ولم ينجُ أحد. أما في العراق، فقد ضاعف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، عدد قواته في الجيش العراقي، لكنّها من الناحية الفنية، ليست في القتال، بل تركّز على تقديم المشورة إلى الجيش العراقي داخل الموصل، أكبر مدينة تحت سيطرة داعش.&

وفي الأيام القليلة الماضية، اقتربت القوات العراقية من ضفة نهر دجلة، الذي يقسم الموصل إلى قسمين، علمًا أنّ الطائرات الحربية الأميركية سبق ودمّرت آخر جسر هناك، ما أدّى إلى عزل مقاتلي داعش في غرب الموصل، وقطع الإمدادات عنهم. كذلك، ارتفع عدد الغارات الجوية، حيث أعلنت القيادة المركزية الأميركية، منذ رأس السنة، قيامها بـ263 غارة على داعش في سوريا والعراق (من بينها 38 غارة يوم الجمعة الماضي).&

تجدر الإشارة إلى أنّ الرئيس أوباما اضطرّ إلى تغيير مساره للوصول إلى هذه المرحلة، لا سيما بعد فوزه بجائزة نوبل للسلام لتعهّده بإنهاء الحرب في العراق، إضافة إلى أمور أخرى، وسحب القوات الأميركية في العام 2011. لقد صعّد باطراد إعادة تعبئة القوات الأميركية منذ العام 2014. فالعراق يتضمن اليوم حوالى 5000 عنصر، بينما تحتوي سوريا على مئات عدة من قوات العمليات الخاصة.

تكتيكٌ لا إرث
ويصرّ المسؤولون في الإدارة على أنّ التصعيد النهائي لطالما كان جزءًا من الخطة، ولا علاقة له بإرث الرئيس. "إنّه تكتيك لا تقوده الروزنامة السياسية".
&
وأفاد المسؤول في إدارة أوباما أنّ "تحذيرات المخابرات عن التهديد المتجدد من تنظيم القاعدة في سوريا، بما في ذلك المؤامرات لمهاجمة مصالح الولايات المتحدة، قد دفعت الإدارة إلى تحويل "الأصول" في الصيف الماضي من أجل "القضاء على عدد من قادة تنظيم القاعدة الذين انتقلوا إلى سوريا".

وأشار إلى أنّ هذه الضربات ضدّ الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، هي نتيجة للاستثمارات المخابراتية المنفّذة قبل أشهر، لكنّها بدأت تثمر الآن. وأضاف أنّهم حتى اللحظة الأخيرة سيدرسون بحذر خطواتهم في وجه تهديد المتطرّفين، آملين أنّهم يسلكون الاتجاه الصحيح في ما يتعلّق بالتمويل والقدرة القتالية، وحريصين على تسليم الإدارة التالية مجموعة من الأدوات القوية.

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرّف نقلًا عن "نيويوركر". المادة الأصلية منشورة على الرابط الآتي: &
http://www.newyorker.com/news/news-desk/the-obama-legacy-on-jihadism?mbid=social_facebook
&