إسماعيل دبارة من تونس: تجددت المواجهات بين الشرطة التونسية ومتظاهرين غاضبين في جنوب البلاد تزامنا مع احياء تونس للذكرى السادسة للثورة على نظام زين العابدين بن علي.

وأكد نشطاء في بن قردان لمراسل "إيلاف" تجدد الاشتباكات لليوم الثالث على التوالي بعد فشل وفد حكومية زار المدينة يوم الجمعة، في ايجاد حلول لمطالب المتظاهرين.

ورشق متظاهرون غاضبون قوات الأمن صباح السبت بالحجارة في بن قردان، وتدور المواجهات منذ أيام بين مئات الشبان في المدينة التي تقع على الحدود مع ليبيا والشرطة، وذلك للمطالبة برفع رسوم ضريبية فرضها المشرفون على الجانب الليبي من المعبر الذي يفصل البلدين.

ويطالب المحتجون وأغلبهم من التجار الصغار الذين تضرروا من القيود التي فرضها الجانب الليبي على حركة السلع بين البلدين الحكومة التونسية بالتدخل العاجل لحل المشكلة مع السلطات الليبية، مهددين بتصعيد تحركاتهم الاحتجاجية.

وعادة ما تتخلل هذه الاحتجاجات مناوشات مع القوى الأمنية التي استعملت الغاز المدمع لتفريق عشرات المحتجين، ولم ترد تقارير عن اصابات أو ضحايا، لكن صورا ومقاطع فيديو نشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي تشير بوضوح إلى أضرار مادية مسّت منشآت عامة وخاصة.

وتشكل التجارة البينية مع ليبيا أهم شريان اقتصادي لأهالي بن قردان وكامل مناطق الجنوب التونسي، وقد تسببت القرارات التي اتخذتها الأطراف المسيطرة على الجانب الليبي من المعبر في كساد الحركة التجارية وتفاقم البطالة بالمنطقة.

ومع احياء تونس للذكرى السادسة لثورة 14 يناير 2011، شهد بعض المحافظات على غرار تونس العاصمة وسيدي بوزيد والقصرين ومدنين، حالة من الاحتقان والغضب في صفوف العاطلين الذين خرجوا في مسيرات احتجاجا للتنديد بالوضع الاجتماعي المتردي وللمطالبة بـ"حق الجهات الداخلية في التنمية".

وأمس الجمعة، قام وفد حكومي يضمّ وزير الوظيفة العمومية عبيد البريكي ووزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، مهدي بن غربية، بزيارة رسمية إلى بن قرادن.

لكن الزيارة لم تطفئ شرارة الاحتجاجات ولم تؤد الى قرارات ترضي المحتجين.

وفي هذا السياق، أفاد الكاتب العام المساعد المكلّف بالوظيفة العمومية في الاتحاد المحلي للشغل ببن قردان صالح صميدة، في تصريح لحقائق أون لاين، بأنه لم يتمّ اتخاذ أي قرارات من قبل الوزيرين خلال الجلسة العمل التي عقدت.

وأبدى فرع المركزية النقابية (الاتحاد العام التونسي للشغل) في بن قردان مساندته للتحركات الاحتجاجية شريطة التزامها بالسلمية ونبذ العنف في التعبير عن المطالب.

الأحزاب تساند

عبرت أحزاب ومنظمات تونسية في بيانات اطلعت "إيلاف" على نسخ منها، عن مساندتها للتحركات الاحتجاجية التي تشهدها جهات كثيرة في تونس.

وعبرت تلك الاحزاب والمنظمات عن "مساندتها للمبادئ التي قامت من أجلها الثورة، ووقوفها إلى جانب التحركات الشعبية المشروعة في عديد المناطق في البلاد"، وحثت الحكومة على "إيلاء الاولوية المطلقة في التنمية والتشغيل للمناطق المهمشة".

أكدت "الجبهة الشعبية" وهو ائتلاف لقوى يسارية وقومية، "التزامها بالدفاع عن مطالب الشعب التونسي في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية، باعتبارها مقوّمات الجمهورية الديمقراطية الاجتماعية"، مشددة على انها "ستواصل الدفاع عن منوال تنمية عادل كبديل للسياسات الاقتصادية الليبرالية، ورد الاعتبار لدور الدولة ومؤسّسات القطاع العام كضامن لتحقيق العدل بين الفئات والجهات، وإعطاء الأولوية المطلقة للمناطق المهمشة".

وأعلن الحزب الجمهوري، عن مساندته التامة لكل التحركات السلمية التي عمّت مدن المكناسي وبوزيان وبن قردان وتالة، وغيرها من المدن التي طالب ابناؤها بحقهم المشروع في التنمية والشغل والكرامة الوطنية، مؤكدا أنه "لا استقرار ولا أمن ما دامت جهات بأسرها تعاني الحرمان والتهميش، وما دام اليأس يسيطر على شبابها الذي فقد الثقة في المستقبل، وفي إمكانية تغيير أوضاعه دون تفجير غضبه في وجه الجميع".

كما طالب الحكومة، التي قال إنها قد أقرت بمشروعية هذه التحركات، الى تغيير أسلوب التعاطي مع استحقاقات التنمية والتشغيل، ووضع برنامج استثنائي يحول الدولة الى قاطرة التنمية في هذه الجهات، فضلا عن تنفيذ مشاريع تنموية تعمل على تغيير أوجه الحياة البائسة فيها، وتعيد بناء الثقة المفقودة بين الدولة والمواطن.

أما "حزب المبادرة الوطنية الدستورية"، فقد لاحظ أن إحياء هذه الذكرى التاريخية، يتنزل هذه السنة “في ظروف خاصة تبعث على الانشغال"، حسب تقديره، لاسيما أمام تردي الوضع الاقتصادي، وتنامي ظاهرة التهرب الجبائي، وما يحمله كل ذلك من مخاطر التأزم الاجتماعي التي يزيدها التهديد الارهابي حدة، حسب نص البيان.

وعبّر الحزب عن "انشغاله الكبير من عودة الإرهابيين من بؤر القتال، مؤكدا ضرورة التعامل مع هذه الوضعية الخطيرة بتطبيق قانون التصدي للإرهاب بكل جرأة، والمعالجة الأمنية بالحرفية العالية".

من جانبها، دعت منظمة "اتحاد عمال تونس"، الحكومة، إلى التسريع باقرار الإصلاحات والإجراءات المساعدة على التشغيل ومحاربة الفساد والمفسدين ومقاومة الفقر، واعطاء الاولوية للجهات الاقل حظا والحد من غلاء المعيشة، مذكرة الحكومة بدورها المتمثل في تنظيم الحياة العامة وتطبيق القوانين، خاصة بالنسبة الى التعددية النقابية، وما يتطلبه ذلك من التعامل مع مختلف الأطراف دون انحياز، ودون حسابات سياسية احتراما لدستور البلاد.

من جانبه، حذر الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي بدوره، من تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلاده ومن "فشل" السلطة الحالية.

وقال المرزوقي في اول مؤتمر صحافي له عام 2017 إن "المؤشرات (الاقتصادية والاجتماعية) تثير الخوف (...) ما يقلقني هو أن السلطة بعد أكثر من سنتين لم نر شيئا" من إنجازاتها.&

وأوضح "نسمع جعجعة ولا نرى طحينا"، مضيفا "اليوم يقول هذا الرجل (الرئيس الباجي قائد السبسي) إن 2017 ستكون سنة الإقلاع، وهذا الإقلاع كان يجب أن يكون عام 2015".

وبالنسبة الى المرزوقي فإن الدليل على "فشل" السلطات هو تجدد الاحتجاجات في المناطق، وهو ما يظهر أن "صبر الناس بدأ ينفد" على حد قوله.

واندلعت اشتباكات الخميس لليوم الثالث على التوالي بين متظاهرين وشرطة بن قردان في جنوب شرق تونس وهي منطقة تشهد توترات اجتماعية على خلفية مطالبات بالتنمية ومرور حر للبضائع مع ليبيا المجاورة.
&