مع اقتراب عرض مشروع قانون المخدّرات الجديد على البرلمان التونسي للمصادقة عليه، تتصاعد الدعوات لإلغاء العقوبة السالبة للحرّية، سنة سجنا، التي يسلّطها قانون المخدّرات القديم المعمول به إلى اليوم، وتشير إحصاءات رسمية إلى أنّ غالبيّة ضحايا ذلك القانون "الجائر" هم من الشّباب والمراهقين من الجنسين.


مجدي الورفلي من تونس: بالتزامن مع مناقشة مشروع قانون المخدّرات الجديد داخل لجنة البرلمان التونسي ترتفع الاصوات الحقوقيّة والسياسيّة للمطالبة بوضع حدّ للعقوبات السالبة للحريّة لمتعاطي المخدّرات، خاصّة مادة القنب الهندي التي تعرف محليا باسم "الزطلة"، والتي يتضمّنها القانون المعمول به حاليّا والمعروف في تونس بالقانون 52.

تعتبر منظمات حقوقية ان القانون القديم (القانون 52) لا تتوفّر فيه ادنى الضمانات للمشتبه في استهلاكه المخدّرات، خاصّة ان الشرطة في تونس تستعمله لابتزاز الشباب نظرا لتضمّنه فصلا يبيح لهم إخضاع المشتبه فيه ل"اختبار البول" حتى ان لم يكن في حالة تلبّس باستهلاك المخدّرات، وخاصة القنب الهندي الاكثر شعبية في تونس.

رسالة للبرلمان

أواخر الاسبوع الماضي وجّهت 3 من اكبر المنظمات الحقوقية في تونس رسالة للبرلمان، تلقّت "إيلاف" نسخة منها، تطالب من خلالها بتعديل مشروع قانون المخدرات وإلغاء عقوبة السجن للمتعاطين المتنافية مع أحكام حقوق الإنسان.

وشدّدت كل من "هيومن رايتس ووتش" و"محامون بلا حدود" و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" (الحائزة على جائزة نوبل للسلام) في رسالة مشتركة إلى البرلمان على ضرورة أن يقع إلغاء جميع العقوبات بالسجن لمتعاطي المخدرات أو حيازتها للتعاطي الشخصي.

ووفق نصّ الرسالة، وضعت المنظمات الحقوقيّة الثلاث على لائحة مطالبها بخصوص مشروع قانون المخدّرات الجديد إلغاء العقوبة الصارمة المقترحة لمن يرفض الخضوع لاختبار البول لاستهلاك المخدرات، بالاضافة الى إلغاء الجريمة الجديدة التي تضمّنها مشروع القانون وهي "التحريض" على تعاطي المخدرات، والتي يمكن استخدامها ضد جماعات تدافع عن عدم تجريم المخدرات من مغنّي الراب الذين يتناولون مواضيع تعاطي المخدرات وغيرها.

ويفرض القانون الحالي المتعلّق بالمخدّرات في تونس عقوبة تتراوح بين سنة و5 سنوات سجن&على مستهلكي المواد المخدرة وغرامة ماليّة بين ألف و3 آلاف دينار (بين 500 و1500 دولار)، بالإضافة الى منحه صلاحيّات واسعة للشرطة بعلّة مكافحة المخّدرات.

ويُذكر ان البرلمان التونسي قام في 2015 بتنقيح مجلة الإجراءات الجزائية (القانون الجزائي) تجاه التنصيص على حق الموقوف في استدعاء محام وإمكان التزام الصمت الى حين قدومه، بعد ان كان حضور المحامي من عدمه يخضع للسلطة التقديرية لرئيس مخفر الشرطة فقط.

التعديل يتضمّن إنتهاكات

فيما كان الجميع ينتظر ان يقع تجاوز الانتهاكات التي يتضمّنها القانون القديم المتعلّق بالمخدّرات اوردت وزارة العدل نسخة لا تبتعد كثيرا عن القانون القديم ومخالفة للنسخة التي صادق عليها مجلس وزاري في موفى 2015 بحضور الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الذي قدّم وعودا للشباب خلال حملته الانتخابيّة بتعديل كل القوانين التي تنتهك حقوقهم وعلى رأسها قانون المخدّرات الذي دمّر مستقبل الآلاف منهم، بحسب نشطاء.

وقالت المنظمات الحقوقيّة الثلاث في الرسالة&ذاتها إن مشروع قانون المخدرات المعدّل والمعروض امام لجنة التشريع العام في البرلمان، يتضمن أحكاما قد تنتهك الحق في حرية التعبير والخصوصية ويوسّع المشروع صلاحيات الشرطة في إجراءات المراقبة والتنصت على الهواتف واعتراض الاتصالات خلال عمليات مكافحة المخدرات، بالإضافة إلى اعتبار "التحريض العلني" جريمةً.

أسوأ من القانون القديم

غازي مرابط أحد المحامين المعروفين في تونس بدفاعهم عن إلغاء العقوبة السالبة للحريّة بالنسبة إلى مستهلكي المخدّرات ويقوم بمرافعات مجانية للموقوفين بتهمة الاستهلاك، أكّد في تصريح لـ"إيلاف" ان مشروع قانون المخدرات الذي ورد على البرلمان تضمن عقوبة السجن بالنسبة إلى متعاطي المواد المخدرة لأول مرة، على عكس ما تضمنه مشروع قانون ديسمبر 2015 الذي صادق عليه مجلس وزاري ترأسه قائد السبسي.

وعبر مرابط عن استغرابه من هذه التغييرات المفاجئة الجديدة التي تمت على مشروع القانون، مؤكدا رفضه ومكونات المجتمع المدني للنسخة التي تتم مناقشتها حاليا في البرلمان خاصة انه تضمّن عقوبة السجن بالنسبة إلى المستهلكين لأول مرة وللرافضين القيام بالتحليل، كما شدد العقوبة على المروجين واستنتج أن المشروع التعديل أسوأ من القانون القديم.

ووفق ما افاد به وزير العدل التونسي غازي الجريبي خلال تواجده في البرلمان في 3 يناير الجاري يقبع أكثر من 6.700 شخص في سجون تونس لتعاطيهم المخدرات عام 2016، من مجموع 23.553 سجينا.

البرلمان لإلغاء عقوبة السجن

رئيس لجنة التشريع العام (الموكول لها مناقشة مشروع القانون قبل عرضه على المصادقة) الطيب المدني أوضح لـ"إيلاف" ان النواب طلبوا من وزارة العدل، باعتبارها الجهة المبادرة بمشروع القانون، إدخال تحسينات عليه وملاءمته أحكام حقوق الإنسان وقد سحبته فعلا لتعيده بعد أسبوع الى اللجنة مع اضافة عقوبات بالسجن للاستهلاك الأول والثاني للمخدرات.

لكنّ في المقابل شدّد رئيس لجنة التشريع العام، المنتمي لحركة "نداء تونس" التي أسسها الرئيس&الباجي قائد السبسي، ان النوّاب سيعملون على أن لا يفرض مشروع القانون الجديد المتعلق بالمخدرات عقوبات سجنيّة بالنسبة إلى المتعاطين للمرّة الاولى خاصّة في ما سيقع تشديد العقوبات على تجار المخدرات والمروجين وشبكات الترويج.

يُذكر ان الرئيس التونسي يمتّع في كل مناسبة رسميّة متعاطي المخدّرات القابعين في السجون بعفو خاص وفي 14 يناير الجاري المتزامن مع الاحتفالات الرسميّة بالذكرى السادسة للثورة التونسية، وقّع على مرسوم رئاسي بالإفراج حوالى 727 سجينا من مستهلكي القنب الهندي لأوّل مرة.

وتقول الاحصائيّات الرسمية في تونس ان عدد مستهلكي المخدّرات وخاصة القنب الهندي (الزطلة) تزايد بعد ثورة 14 يناير وبلغ سنة 2013 نحو 54% من جملة السجناء في تونس، اغلبهم من الشاب، وهم محتجزون مع موقوفين بجرائم خطيرة ومشبته بهم في الانتماء إلى تنظيمات إرهابيّة ما يجعلهم عرضة للتأثرّ بهم او استقطابهم من طرف متشددين.