يجد الأمين العام الجديد للمركزية النقابية القوية في تونس، والمكتب التنفيذي الجديد الذي انتُخب يوم الجمعة، أنفسهم أمام ملفات معقدة تنتظر حلولا، لعل أبرزها ملفات الصحة والتعليم العموميين، والصناديق الإجتماعية التي صارت قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس.


مجدي الورفلي من تونس: تسلّم يوم الجمعة الماضي رسميّا، نور الدين الطبوبي، الامين العام الجديد للمنظمة النقابية الأكبر، الإتحاد العام التونسي للشغل، مهامّه بعد إنتهاء مؤتمر النقابة العمالية الحائزة على جائزة نوبل للسلام لسنة 2015 بعد إدارتها لحوار وطني بين الفرقاء السياسيّين في تونس وتجنيب البلاد السقوط في ما ذهبت اليه بعض الثورات العربية سواء في ليبيا او سوريا وحتى مصر.

افرز المؤتمر الثالث والعشرون للمنظمة النقابية، الذي إنتظم من 22 الى 26 جانفي/كانون الثاني، الاكثر تأثيرا في تونس عن إنتخاب أمين عام جديد لها، ومكتب تنفيذي يضمّ 12 عضوا من بينهم 8 أعضاء كانوا متواجدين في المكتب التنفيذي المتخلّي، لفترة نيابية جديدة تمتد على 5 سنوات.

كما وقع لثاني مرّة في تاريخ المنظمة النقابيّة إنتخاب إمرأة في المكتب التنفيذي الوطني وقد وقع تكليفها بمهمّة العلاقات العربيّة والخارجية، خاصة انه ومنذ حصول المنظمة على جائزة نوبل اصبحت تواجه إنتقادات من المجتمع الدولي لغياب إمرأة في المناصب العليا.

وبالإضافة الى صعود إمرأة في المكتب التنفيذي للمنظمة ولتدارك ذلك النقص الذي مثّل نقطة تحفّظ من المجتمع الدولي، اقرّ إتحاد الشغل التونسي خلال تعديل قانونه الأساسي فصلا ينصّ على تخصيص "كوتا" للمرأة لضمان تواجدها في كل الهياكل النقابيّة وهيآت الرقابة التابعة للمنظمة الشغيلة في تونس.

دور وطني وسياسي

تجدر الإشارة الى ان الإتحاد العام التونسي للشغل، نظّم مع ثلاث منظمات من المجتمع المدني التونسي، في سنة 2013 حوارا سياسيا وطنيا بين الحكومة الانتقالية التي تمثّل حركة النهضة الإسلامية مركز ثقلها، وجبهة أحزاب المعارضة التي خرجت للشارع في تلك الفترة بعد إغتيال زعيمين معارضين هما اليساري شكري بلعيد والقومي محمّد البراهمي وحمّلت النهضة المسؤولية وطالبت بخروجها من الحكم.

وقد أدى الحوار الوطني الذي كان إتحاد الشغل أبرز المنظمات التي دعت اليه وأدارته بين الفرقاء السياسيين إلى وفاق شامل تلخّص في خروج النهضة من الحكم والاتفاق على حكومة تكنوقراط للإمساك بدواليب البلاد التنفيذيّة الى حين إجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية، التي وقع الإتفاق على تاريخها كذلك خلال الحوار الوطني.

كما وقع خلال ذات الحوار التوافق على النقاط الخلافيّة بين حركة النهضة الإسلامية والمعارضة الليبرالية في دستور البلاد، الذي كان قيد الصياغة آنذاك، وكل تلك التوافقات التي حصلت بين الفرقاء السياسيين خلال الحوار الوطني جنب البلاد الدخول في حرب أهلية وشيكة حسب متابعين. ونتج عن الدور الذي قام به إتحاد الشغل والثلاث المنظمات الأخرى في تأمين المرحلة اللإنتقالية حصولها على جائزة نوبل للسلام عام 2015.

أهم الملفات المطروحة

الخبير السابق لدى إتحاد الشغل حسين الديماسي إعتبر في تصريح لـ"إيلاف" ان اهم الملّفات المطروحة امام القيادات الجديدة لإتحاد الشغل سيكون ملف هيكلة وإصلاح الصناديق الإجتماعية التي تعاني أزمة خانقة منذ حوالي 10 سنوات واليوم أصبحت على ابواب الإفلاس مما سيجعل حوالي 8 ملايين تونسي ينتفعون من جرايات التقاعد والتأمين على المرض والتعويض مهدّدين بفقدان تلك الجرايات.

وبالإضافة الى ملفّ ازمة الصناديق الإجتماعية التي قدّر الديماسي أنها اهم المفات التي ستُطرح على القيادة الجديدة لإتحاد الشغل، فقد رأى في الصحة العمومية والتعليم العمومي ملفيّن هامين ينتظران المنظمة النقابية التي تدافع أساسا عن حقوق العمال الإجتماعية والإقصادية وترفض توجه الدولة نحو التفريط في القطاعات العمومية للمستثمرين الخواص.

يُذكر ان إتحاد الشغل يؤثّر بصفة كبيرة في الخيارات الحكومية والسياسات العامة التي تريد الدولة إتباعها حتى منذ حكم الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وقد حدثت صدامات عنيفة بين المنظمة والسلطة في عديد الفترات بسبب الخلافات بخصوص السياسات العامة التي يجب ان تتبعها الدولة.

ومن أبرز تلك الصدامات ما يُعرف في تونس بـ"الخميس الأسود" إثر إعلان اتحاد الشغل إضرابا عاما في البلاد، إذ شهد يوم الخميس 26 جانفي/كانون الثاني 1978 مواجهات وصدامات عنيفة في الشارع بين الجيش والشرطة من جهة والمتظاهرين من جهة أخرى مما ادى الى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى وإلقاء القبض على القيادات النقابية.

شموليّة الصحّة والدخل

ولم يكن الخبير الإقتصادي السابق لدى إتحاد الشغل على خطأ في تقديره لأهم الملفّات المطروحة على المنظمة خلال الفترة المقبلة، فعضو المكتب التنفيذي الجديد لإتحاد الشغل عبد الكريم الجراد أكّد في تصريح لـ"إيلاف" انه خلال الفترة النيابية السابقة قامت المنظمة بإعداد دراسة بخصوص وضعيّة الصناديق الإجتماعية لمعرفة أسباب ازمتها المالية التي تدفعها تدريجيا نحو الإفلاس.

وخلال الفترة المقبلة ستعكف المنظمة على إيجاد الحلول الماليّة والهيكليّة للصناديق الإجتماعية الثلاث (احدها للقطاع الخاص وآخر للقطاع العمومي والثالث للتامين على المرض للقطاعين) لطرحها فيما بعد على الحكومة، إذ ان الحكومات المتعاقبة على تونس تشرّك الإتحاد في مناقشة وإيجاد الحلول في أغلب الملفّات.

كما أكّد القيادي في إتحاد الشغل ان المنظمة ستعمل أساسا خلال الخمس سنوات المقبلة على تطبيق مبدأ شموليّة حقّ الصحّة والحياة وتوفير دخل لكل مواطن تونسي، سواء جراية للعاطلين عن العمل او للعمال الذين فقدوا عملهم، بالاضافة الى انها ستدافع على الإبقاء على التعليم العمومي المجاني في تونس وستدعم إستقلالية الجامعة العمومية وعدم خوصصة قطاع التعليم وخاصة قطاع التعليم العالي والبحث العلمي.

الاتحاد العام التونسي للشغل هو أكبر منظمة نقابية تونسية وتأسس في 20 جانفي/كانون الثاني 1946 وذلك بعد فشل محاولتين سابقتين في عشرينات و ثلاثينات القرن الماضي لتأسيس منظمة نقابية تونسيّة خلال الحقبة الإستعماريّة، تحمل إسم جامعة عموم العملة.

وساهم إتحاد الشغل مع الحزب الحر الدستوري الجديد في إستقلال تونس عن فرنسا في سنة 1956. وقد تولى مؤسسه فرحات حشاد خلال فترة المقاومة المسلّحة قيادة الحركة الوطنية كما انه أول من أرسل التونسيين لمقاومة الإحتلال الصهيوني لفلسطين في تلك الفترة، وهو ما جعل "عصابة اليد الحمراء" الاستعمارية تقوم بإغتياله في 5 ديسمبر/كانون الأول 1952.