قال تقرير حقوقي إن قانون التظاهر الذي يحاكم بموجبه المصريون، وسجن بسببه الآلاف، ملغى منذ نحو 89 سنة.

إيلاف من القاهرة: كشف التقرير الصادر اليوم الثلاثاء من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بعنوان: "نحو الإفراج عن مصر"، أن قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914، الذي يطبّق جنبًا إلى جنب مع قانون التظاهر الساري في مصر منذ نوفمبر 2013، هو قانون ساقط، ملغى بإجماع أعضاء البرلمان المصري، منذ 89 عامًا، وتحديدًا في 30 يناير 1928.

تقدم المركز اليوم بطعن أمام محكمة القضاء الإداري، يطالب بنشر قانون إلغاء قانون التجمهر في الجريدة الرسمية، ووقف العمل بقانون التظاهر، الذي يشكل السند القانوني الأساسي في توقيع عقوبات جماعية بالسجن على آلاف المتظاهرين السلميين من مختلف التيارات السياسية منذ نوفمبر 2013.

الاعتذار والتعويض واجبان
وقال بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة: "لقد آن الآوان لأن يبادر رئيس الجمهورية فورًا بإزالة هذا العار التاريخي والقانوني، وتفعيل إلغاء قانون الاحتلال البريطاني، الذي كان هدفه قمع حق المصريين في الاحتجاج ضد الاحتلال، كما يتعيّن الإفراج الفوري عن كل المُصادرة حريتهم بمقتضى هذا القانون الجائر والميت، والاعتذار لهم وتعويض أسرهم".

وأوضح التقرير الحقوقي، أن المذكرة الإيضاحية لقانون إلغاء قانون التجمهر، والتي تقدم بها عام 1926 النائب محمد يوسف بك عضو مجلس النواب عن كفر الدوار، تكشف عن السبب الأساسي لرفض البرلمان المصري لقانون التجمهر، ذلك السبب الذي مازال قائمًا حتى يومنا هذا، والذي يكمن – حسب نص المذكرة - "في كونه قانونًا استثنائيًا أقرب إلى الأحكام العرفية، يفتش في النوايا، تم القضاء عليه بموجب الدستور (عام 1923) الذي أقر حرية الاجتماع، فضلًا عن أن الأفراد أحرار في الغدو والرواح فرادى أو مجتمعين".&

أضاف "بل إن سلطة الاحتلال نفسها أقرت في 1928 (بعد 14 سنة من صدور القانون) بحسب إحدى المراسلات الرسمية الملحقة بالتقرير أن القانون: كتب بروح استبدادية، ولا يمكن تبريره للجمهور الإنكليزي الديمقراطي!".

هدية منقحة
وأوضح محمد زارع مدير برنامج مصر في مركز القاهرة: "رحل الاستعمار، لكن الحكومات الوطنية المتعاقبة وجدت في قانون التجمهر – الذي رفضه البرلمان المصري منذ 89 عامًا - سلاحًا قمعيًا فعالًا، واعتبرته هدية من العهد الذي وصفه الحكام الوطنيون "بالبائد"، وأضافت إلى القانون مواد جديدة تشدد من أحكامه، واستندت إليه كمرجع لتشريعات قمعية مكملة، قننت للمرة الأولى استخدام الأسلحة النارية القاتلة ضد المتظاهرين السلميين".

وحسب التقرير، "سنّت السلطات الوطنية "المتعاقبة" تشريعات تبيح استخدام القوة المميتة لقمع المتظاهرين، مثل قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971 وقرار وزير الداخلية رقم 156 لسنة 1964، والذي أجاز استخدام حتى الرصاص لتفريق أي تجمهر مكون من خمسة أشخاص". &

تابع: "وفي عام 2013 لم يخجل واضعو قانون التظاهر من الإشارة إلى قانون التجمهر في الديباجة، باعتبار أن القانونين متكاملان". وفي ذلك يضيف زارع: "لم يستطع البريطانيون تبرير استمرار سريان هذا القانون أمام شعبهم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي، بينما فرضه الحكام المصريون بعد الاستقلال على مواطنيهم بكل خفة ويسر، ولا يزالون يتمسكون به رغم مرور 103 أعوام على صدوره، و89 عامًا على إلغائه".

تكاسل قانوني
وبحسب محمد الأنصاري، الباحث القانوني في مركز القاهرة، فإن: "توظيف قانون التجمهر يوفر على المحاكم مشقة البحث في المسؤولية الجنائية لكل شخص – الأمر الذي يعدّ من صميم عملها لتحقيق العدالة - فيكفي إثبات حدوث "تجمهر" لتطبيق المسؤولية الجنائية على كل المشاركين فيه والداعين إليه - حتى لو لم يشاركوا - ومن ثم يصبح بإمكانها إصدار أحكام جماعية على جميع المحتجين بلا تمييز، على نحو يضرب بمبدأ شخصية العقوبة عرض الحائط".

جاء نشر التقرير تزامنًا مع الذكرى الـ89 لإلغاء هذا القانون، واستند إلى أكثر من 20 وثيقة تاريخية، فضلًا عن المخاطبات الرسمية ومضابط البرلمان المصري بغرفتيه (النواب والشيوخ)، والتي حصل على بعضها من مقر الأرشيف الوطني البريطاني في لندن.

مشروعية مفقودة
وقال حسن: "بصرف النظر عن المماحكة الشكلية حول عدم نشر قانون "إلغاء قانون التجمهر" الذي أقره البرلمان المصري في الجريدة الرسمية، تبقى حقيقة تاريخية صلبة لا جدال فيها. وهي أن هذا القانون ولد باطلًا علي أيدي سلطة الاحتلال البريطاني من دون مسوغ شرعي، ولمواجهة ظرف شديد الاستثنائية - حرب عالمية انتهت منذ مائة عام – فقد ألغت السلطة التشريعية المصرية المنتخبة هذا القانون منذ 89 عامًا، بل إن سلطة الاحتلال أعلنت تبرؤها منه، واعتبرت استمرار العمل فيه عارًا لا يليق بعشرينات القرن الماضي. وبهذا المعنى فقد هذا القانون كل مشروعية تاريخية أو سياسية أو أخلاقية".

أضاف حسن أن "التقرير كان من المفترض أن ينشره مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في العام الماضي، ولكنه تأخر بسبب الملاحقات الأمنية المتواصلة للمركز، التي ترتدي ثوبًا قضائيًا، والتي شملت تهديد مديره بالقتل، ومنع أعضاء آخرين من السفر وملاحقتهم أمنيًا، ثم اعتماد محكمة لطلب أمني بالتحفظ على أموال المركز ومديره، من دون أدنى مسوّغ قانوني أو مراعاة للشكليات الإجرائية القضائية، وذلك في إطار ما تسمى قضية "التمويل الأجنبي لمنظمات حقوق الإنسان" على حد قوله.
&