تعتقد نسبة عالية (أكثر من 90 في المائة) من المغاربة أن مصالح الدولة مقصّرة إلى حد كبير في استخلاص وجباية الضرائب المستحقة على شرائح من المواطنين، تبعًا لحجم ثرواتهم ومقدار الأرباح العائدة إليهم من مختلف الأنشطة التي يزاولونها، وتدرّ مبالغ مهمة، لا يشملها التصريح بالمداخيل؛ وبالتالي تحرم الخزينة العامة من مبالغ نافعة وداعمة للميزانية وضرورية لتمويل المشاريع التنموية.

إيلاف من الرباط: ليس كل المغاربة، كما هو معروف، معفيين من أداء الضرائب. ويمكن القول إجمالًا إن العدالة الضريبية ضعيفة، ولا تطبق على جميع الملزمين بالتساوي.

التهم موجّهة أساسًا إلى الميسورين، لكونهم يتملصون ويمارسون الغش الضريبي، من خلال تصريح غير دقيق بما تيسر لهم من أرباح على أرباح.

وتقف الدولة شبه عاجزة حيال أولئك، بعدما كوّنوا منظومة فساد، يستفيدون من عناصر في مفاصل الإدارة لا يريدون "إغضاب" عدد من المتملصين بسبب ضعف في أجهزة المراقبة وانعدام الفعالية في عمليات استخلاص الواجبات. وقد يكون السبب انعدام الوازع الوطني والأخلاقي.

وغير مستبعد وجود تواطؤ بين المصرحين أو الملزمين وبين بعض المكلفين تلقي التصريحات، حيث لا يتحرون فيها، ولا يدققون في المبالغ المصرح بها، لقاء "إكراميات" يتلقونها من "الملزمين"؛ بل يصل الأمر إلى أن بعض المستخدمين يرشدون الملزمين إلى حيل وتقنيات التملص والغش.

تعكس النسبة المرتفعة من المستجوبين المغاربة الذين يلومون السلطات الحكومية، جراء تقاعسها عن استخلاص المستحقات الضريبية؛ أشياء عدة في طليعتها تنامي شكوى فئات عريضة من المواطنين، وخاصة الموظفون والأجراء الذين يحسون بالحيف والظلم، حيث تخصم الضرائب من أجورهم ومرتباتهم مباشرة من المنبع، قبل أن يتسلموها، بينما آخرون أغنياء لا يؤدون ما يفترض أنه بذمتهم لمصلحة الدولة.

أولئك خاضعون للمراقبة المنتظمة، ولا يمكنهم التملص أو إخفاء ما يتقاضونه بشفافية؛ في حين يلجأ غيرهم من ممارسي المهن والأنشطة الحرة، إلى التحايل والالتفاف على الحسابات، عبر تقنيات وأساليب تدليس تدربوا عليها، وتشكل جزءًا من ثقافة الغش والتملص. 

تجدر الإشارة، في هذا السياق، وعلى سبيل المثال إلى أن القطاع الصحي الخاص الذي تطور في المغرب، يرتكب مخالفات ضريبية على مرأى ومسمع من المواطنين المرضى، الذين يفرض عليهم أداء فواتير العلاج نقدًا ويدًا في يد، بل ترفض بعض المصحات جهارًا استلام الشيكات إلا إذا كانت خالية من اسم الجهة المستفيدة كي لا تسجل المبالغ ضمن مداخيل المصحة أو الطبيب الذي يجري العمليات.

الممارسة نفسها منتشرة في المعاملات العقارية، وخاصة في السكن الاقتصادي، حيث يستفيد بعض المنعشين مرتين: من السماح الضريبي ومن مبالغ إضافية تسلم تحت الطاولة. 

ولطالما احتج المغاربة على ممارسات مخالفة للقانون تحدث في مرافق يفترض أن تشكل القدوة في الحكامة والشفافية، ويتساءلون لماذا لا يراقب القطاع الصحي الخصوصي بصرامة والتدخل إن سجلت مصالحها انحرافًا، على اعتبار أن الأمر يتعلق بصحة الناس وأرواحهم.

أمام هذا الوضع غير الطبيعي، لا يملك المغاربة سوى التظلم عندما يحسون بالغلو الضريبي. يرفعون الشكاوى والملتمسات للمصالح المختصة، طالبين الإنصاف والمراجعة الضريبية على الأقل والإعفاء من الغرامات المتأتية من التأخير في الأداء.

ولا تقبل التظلمات دائمًا؛ إما لأن الحق ليس في جانبها أو لكونها لا تستوفي شروط المراجعة، فيتم اللجوء في حالة عدم التسديد إلى العدالة وتطبيق مسطرة الإكراه. وأحيانًا يصدم صغار الملزمين بارتفاع مبلغ الغرامات، إذ يتجاوز حجم الضريبة الأصلية. 

لا بد من الاعتراف بأن الوعي الضريبي في المغرب، لم يرسخ بعد كسلوك تلقائي، بل يمكن القول بوجود نزوع متأصل عند فئات واسعة تعتقد أن الدولة ظالمة كلما لجأت إلى استخلاص حقوقها. 

ولا ينفع العفو الضريبي الشامل، الذي تلجأ إليه الدولة في بعض الأحيان، لاستخلاص أكبر قدر من الضرائب، في توعية كل الملزمين بأداء الواجب الضريبي. 

في هذا السياق، اتفق الدارسون والمحللون الاقتصاديون الذين اشتغلوا على تجارب الانتقال الديمقراطي والتحول السياسي في بعض المجتمعات؛ على أن العدالة الضريبية هي أساس وشرط العدالة الاجتماعية.

أي مواطن يحس أن مصالح الدولة تُمارس التمييز في المجال الضريبي يتجه تلقائيًا إلى البحث عن سبل الخداع للإفلات من الواجب، ما يضيع على الدولة مبالغ كبيرة. الأخطر أن المواطن نفسه يتحول إلى مساعد ومشجع على انتشار ثقافة الغش والفساد والمحسوبية والتستر. باختصار تخليه عن أداء الواجب الوطني على أي صعيد كان.

بذلك تصبح الخسارة مضاعفة: عجز الدولة من جهة عن استخلاص مجموع الضرائب من القطاعات الاقتصادية غير المهيكلة التي تتاجر وتنشط بكيفية فوضوية وغير منظمة تنعدم فيها المحاسبة والمراقبة، كما إن القطاع المهيكل، وفيه مستويات، لا يخلو بدوره من مشاكل ضريبية.

من بين المفارقات الاقتصادية في المغرب، أن الأطراف المعنية بسن العدالة الضريبية وكذا المنظمات السياسية والاقتصادية، تتهرب من فتح هذا الملف الضخم والورش الكبير. وتظل الإجراءات المتخذة غير كافية أو إنها غير منصفة للجميع.

لقد أخفقت محاولات إصلاح مدونة الضرائب في اتجاه العدل والأنصاف ومعاقبة المتملصين والكشف عنخفايا هذا الملف الأسود. 
صحيح أن علاج هذا الخلل الكبير ليس من مسؤولية الدولة وحدها، بل هو أيضًا واجب الأحزاب والنقابات ورجال المال والأعمال وهيئات المجتمع المدني، خاصة تلك التي تتغنى بالشفافية والحكامة والغيرة على المال العام.

بديهي أن ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة الذي يشكو منه محدودو الدخل، له ارتباط بالضرائب من بعض الأوجه، فالزيادة فيها لتغطية العجز في الميزانية تنعكس سلبًا على القدرة الشرائية.

عمومًا، لا يدعي المشاركون في استطلاع "إيلاف المغرب" أن بلادهم تسودها فوضى ضريبية شاملة، لكنهم يشددون على مبدأ مهم هو المساواة بين الأغنياء ومتوسطي الدخل، لتصبح العدالة الضريبية حقيقة قائمة لما لها من انعكاس إيجابي على بنية وحركية الاقتصاد، ما يساهم في خلق فرص العمل، وهي الكفيلة بمحاربة البطالة والفقر، وهما السماد الطبيعي للأمراض الاجتماعية من قبيل الرشوة والفساد المالي وهضم حقوق الغير.

لا بد في الختام من الإشارة إلى أن الخانة الثالثة المخصصة في الاستطلاع، للأجوبة "لا أدري" لم تتجاوز 5 في المائة، ما يعني أن غالبية المستجوبين شاعرة بالمشكل.

صحيح أن الدولة المغربية عمدت في السنوات الأخيرة إلى إحداث هيئات رقابة ذات سلطة إلى جانب آليات موازية للحكامة المالية ومحاربة الفساد؛ استطاع بعضها فضح ممارسات وتجاوزات خطيرة وتعدّ منهجي على المال العام. 

كما إن المجلس الأعلى للحسابات يقوم بدوره الدستوري بمساءلة القطاعات الحكومية وشبه العمومية، حيث يدقق قضاته حساباتها، لكن الرأي العام، يلاحظ أن تقارير الإدانة الصادرة منه، لا تأخذ طريقها بسرعة إلى العدالة على أساس أن مهمته تنتهي عند إصدار التقارير.