انعقد الخميس منتدى الاتحاد السنوي الثاني عشر بعنوان "دول مجلس التعاون الخليجي ومكافحة الإرهاب"، فناقش المشاركون فيه مسائل التصدي للإرهاب، ودور قطر في تأجيج هذا الارهاب، وتفضيلها الأعداء على الأشقاء.

إيلاف - الإمارات: تحت عنوان "دول مجلس التعاون الخليجي ومكافحة الإرهاب"، انطلقت الخميس فاعليات منتدى الاتحاد السنوي بنسخته الثانية عشرة. وتضمن اليوم الأول أربع جلسات طرح خلالها المشاركون 11 ورقة عمل، استهلها الدكتور علي بن تميم، مدير عام أبوظبي للإعلام، بكلمة أكد فيها أن مجلس التعاون الخليجي يقف اليوم أمام لحظة الحقيقة، "فالأطر القانونية والمواثيق الناظمة للتنسيق والتعاون والتكامل داخل المجلس لم تمنع النظام القطري عن التغريد خارج السرب الخليجي، فهذا النظام يواصل سياساته الضارة بدول المجلس وبالأمن القومي العربي، فمن تكريس الإعلام الأيديولوجي الكاذب إلى دعم الميليشيات الإرهابية وتيارات الفكر الظلامي إلى الارتماء في حضن الطامعين والمتآمرين؛ إذ يعصف نظام الحمدين بمواثيق التضامن الخليجي، ويقف بسلوكه وتوجهاته بعيدًا عن المظلة الخليجية، بل يقترب من معسكر الخصوم والأعداء".

ليس وجهة نظر

وبحسب تقرير نشرته "الاتحاد" عن أعمال الجلسة الأولى في المنتدى، أكد بن تميم أنه منذ أكثر من عشرين عامًا والمساعي الخليجية لإقناع النظام القطري بالتوقف عن ممارساته في نشر الفوضى ودعم الإرهاب لم تتوقف، "لكن هذا النظام آثر الاستخفاف والمماطلة وتمترس بلغة التحدي الفارغة. 20 عامًا من الصبر والمناشدات والاتفاقيات، لكن لم يلتزم النظام القطري، وما حدث من قطع العلاقات مع النظام القطري كان متوقعًا، والرسالة المطلوب توصيلها عبر الموقف الإماراتي السعودي البحريني المصري واضحة وصريحة، مفادها: انتهى وقت اللعب يا قطر... اللعب بالعلاقات مع الأشقاء، واللعب بأمن وأمان الدول العربية، واللعب بالدم العربي والمستقبل العربي".

وشدد على أنه لم يعد مقبولًا السكوت على دعم الإرهاب أو تمويله، أو استغلال الدين لتبريره وتمويله عبر جمعيات زائفة ودعاةٍ مزيفين، "ولم يعد مسموحًا أن يتقنّع الإرهاب بالخطاب الديني، أو أن يمارس الإرهابيون أنشطتهم باسم القضايا العادلة، ولم تعد هذه الازدواجية مقبولة، ولم يعد مقبولًا أيضًا أن تسعى ماكينة الإعلام والمال القطرية إلى جعل الإرهاب وجهة نظر عبر دكاكين الإعلام التي راكم من خلالها نظام الحمدين جبلًا من الأكاذيب والأوهام، يضر أولًا وأخيرًا بأمن دول الخليج، ويلحق الضرر بشعوبها ويعطّل مسيرتها التنموية الرائدة، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولية أخذ زمام المبادرة واتخاذ خطوات ملموسة في الحرب على الإرهاب ومموليه وداعميه".

باع الأشقاء

بحسب بن تميم، باع نظام الحمدين الأشقاء من أجل الغرباء، "ودخل في رهانات خاسرة، والولايات المتحدة الآن تراجع الاتفاق النووي الإيراني، بعدما تأكد لها أن الاتفاق منقوصٌ، ولا يتعامل مع سلوك طهران التخريبي في المنطقة، ولا مع وقوفها ودعمها الميليشيات المتطرفة، وللأسف يراهن هذا النظام على علاقاته بإيران، ولم يخجل من وصفها بالشريفة".

ختم بن علي كلمته: "اكتشف العالم خدعة ما يسمى الإسلام المعتدل التي يروج لها نظام الحمدين، ويدافع من خلالها عن تنظيم الإخوان الإرهابي، وها هو العالم يكتشف فساد ملف قطر في استضافة كأس العالم 2022، وبدا واضحًا أن ما يهم نظام الحمدين هو جمع الألقاب والأدوار العالمية، لا لصون قيم إنسانية سامية أو دعم رسائل الخير والإيجابية والحوار، بل لعرضها على جدار أوهامه وخزانة مقتنياته، وأتمنى أن تسفرَ المساهمات الرصينة خلال جلسات المنتدى عن توضيح الكثير من أدوات مكافحة الإرهاب في دول مجلس التعاون الخليجي، وكشف حقائق مهمة تعيننا على درء خطر التطرف والإرهاب ومن يدعمهما بعيدًا عن مجتمعاتنا المتجانسة التي قطعت أشواطًا كبيرة على مسيرة التنمية والتقدم".

تكتل للمواجهة

الدكتور علي بن تميم خلال المنتدى

 

في كلمته، سأل محمد الحمادي، المدير التنفيذي للتحرير والنشر رئيس تحرير الاتحاد: لماذا تتخذ 4 دول عربية قرارًا بمقاطعة دولة عربية عضو في مجلس التعاون الخليجي؟ مجيبًا بالقول إن الثورة الإيرانية التي سبقت تدشين مجلس التعاون الخليجي كان من المهم التصدي لمشروعها، ومواجهتها، "وكان مطلوبًا وجود تكتل لمواجهة هذه الثورة كي تحمي دول مجلس التعاون الخليجي نفسها من هذا الخطر، واليوم نحن بحاجة إلى أن نتحاور لأن هناك دولة خليجية هي قطر التي أصبحت شريكًا للنظام الإيراني، ولم تستح من وصف إيران بالدولة الشريفة، ولطالما طالبت قطر دول المجلس بالحوار مع طهران، علمًا بأن الأخيرة هي التي تغلق نوافذ وأبواب الحوار في وجه دول الخليج".
لخص الحمادي أهداف المقاطعة في نقطتين: "أولاهما أن الدول الأربع تريد من قطر التوقف عن دعم الإرهاب وايواء الإرهابيين، وثانيتهما التوقف عن التدخل في شؤون الدول العربية"، مؤكدًا أن مصر عانت تدخلات قطر منذ عهد مبارك، "واستمر الأمر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وكل القيادات الخليجية والدول الأربع يريدون نهاية لهذه الأزمة، لكن لا بد من وضع النقاط فوق الحروف، وكنت أتمنى أن نجتمع اليوم والأزمة القطرية قد انتهت، لكن الأزمة ربما تحتاج وقتًا أطول، خصوصًا في ظل وجود من يراهن على تفكيك مجلس التعاون الخليجي، وهناك أيضًا من يعتبر الأزمة الراهنة سحابة صيف ستنتهي، لكن من الواضح أنها أحدثت شرخًا بين دول الخليج، ومن المأمول ألا تتأثر الشعوب الخليجية بها".

التحدي الإيراني

كان عنوان الجلسة الأولى "مجلس التعاون الخليجي... وقفة مع ظروف النشأة"، أدارها الأكاديمي الإماراتي الدكتور سلطان محمد النعيمي الذي أشار إلى أن المجلس تم تدشينه في عام 1981 من أجل قراءة مشتركة للتحديات الخليجية، "لكن الأمور تغيرت خاصة عندما تقوم قطر، وهي دولة عضو في المجلس، بدعم الإرهاب".

ألقى الدكتور رضوان السيد، أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية، ورقة بعنوان "نشأة المجلس تزامنت مع مواجهة نفوذ إيران بعد ثورة الخميني"، استهلها بالقول إنه منذ أعلنت بريطانيا عن نيتها الانسحاب من شرق السويس في عام 1967، "انهمك المسؤولون في الخليج في التهيئة لشؤون استقلالهم ومنعة بلدانهم؛ بمعزل عن الحماية البريطانية".

أشار السيد إلى أن المخاوف الخليجية يمكن تصنيفها إلى شقين: "استغلال إيران للانسحاب البريطاني من أجل بسط نفوذها وسيطرتها، ونشوب نزاعات داخلية على الحدود. ومن بين مشاورات ومقترحات التجمع والاتحاد نجح التقارب بين أبوظبي ودبي، والإمارات الخمس الأخرى، والذي أقيمت بنتيجته دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971. لكن ذلك لم ينه الحديث عن الفراغ الذي أحدثه الانسحاب البريطاني، ثم حدثت الثورة الإسلامية في إيران (1978-1979)، وجاء في دستورها الطموح إلى تصدير الثورة إلى دول الجوار، ويتمثل في اتجاه الجمهورية الجديدة إلى استثارة الأقليات الشيعية في الخليج ضد السلطات".

التكامل

وبسب السيد، شملت مسيرة التكامل الاقتصادي في المجلس أربعة ملفات: "السوق الحرة، والاتحاد الجمركي، والاتحاد النقدي، والسوق الخليجية المشتركة، وهناك ملفات شهدت تقدمًا في بعضها مثل الاتحاد الجمركي، والأسواق الحرة، والسوق المشتركة. لم يحدث تقدم في ملف الاتحاد النقدي، وهناك أسباب بعضها موضوعي مثل التفاوت في النظم والقوانين والمعايير والمقاييس مما يصعب معها الوصول إلى توحد اقتصادي معتبر. وهناك أسباب يتعلق بعضها بتمسك كل دولةٍ بسيادتها على مواردها وصادراتها، وإصرار كل دولة على عقد اتفاقياتٍ ثنائية مع دول العالم أو الإقليم دون العودة لنظم مجلس التعاون وضوابطه. وهناك الأسباب السياسية والاستراتيجية للدول الخليجية المنوية في المجلس، والتي تختلف تقديراتها لمصالحها الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية؛ مثلما يحصل الآن في حالة قطر".
أضاف: "التهديد الأكبر لدول الخليج بل وللدول العربية الأخرى يأتي بالطبع وبعد عام 2003 بالذات من إيران، من حرسها الثوري والميليشيات الموالية لها مثل حزب الله وميليشيات طائفية أخرى تنتشر في العراق وسورية ولبنان. ولديها تنظيمات سرية وظاهرة تابعة لها في البحرين والكويت واليمن. وهناك القوة الصاروخية الإيرانية، والتهديد البحري في مضيق هرمز، وما وراءه والخطر النووي الكامن. وهناك الخطر الأمني المتمثل في الأيديولوجيا الثورية والطائفية والمذهبية التي تنتجها إيران وتغلغلت في بعض المجتمعات العربية، وتهدد الدول بالانقسام والتشرذم مثلما يحصل في لبنان والبحرين واليمن والعراق وسورية".

خلص السيد إلى أن تجربة مجلس التعاون الخليجي حققت نجاحات اجتماعية وثقافية واقتصادية لا يمكن نكرانها، "لكن المجلس لم يحقق نجاحًا مهمًا في المجال العسكري والأمني. هناك جيشان قويان ولله الحمد في السعودية والإمارات، لكن مؤسسة المجلس لم تصنع شيئًا يذكر بعد الإعلان عن درع الجزيرة في عام 1983. ويرجع ذلك إلى عدم اقتناع بعض دول المجلس وعدم سعيها إلى الوصول إلى مفهومٍ مشتركٍ للأمن والتعاون؛ وتعاظم الأخطار على هذه الواحة من الاستقرار والرفاه؛ وارتباط مصالح عالمية بها بحيث وجدت الدول الخليجية نفسها".

عناد استراتيجي

قدم الكاتب والباحث السعودي عبد الله بن بجاد العتيبي ورقة بعنوان "قطر تتحالف مع إيران لاختراق المجلس وتقويض دعائمه"، قال فيها إن المقاطعة التي أعلنتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر كان المفترض منها أن تدفع قطر نحو حل في اتجاه العودة إلى الفضاء الخليجي، "لكن يبدو أن النظام القطري يتحرك وفق منطق العناد الاستراتيجي، المشكلة في سياسات النظام القطري التي دفعت الدول الأربع إلى التحرك لردعه، القمة الأميركية – العربية – الإسلامية التي شارك فيها أكثر من 50 دولة أسفرت عن قرارات مهمة ضد الإرهاب، وأكدت استراتيجية جديدة ضده، لكن قطر لا تريد ذلك، فهي تدعم ميليشيات شيعية إرهابية في العراق وسوريا بالاتفاق مع النظام الإيراني. وهناك ثلاثة مشاريع كبرى في المنطقة: مشروع طائفي إيراني بسياسات معلنة وميليشيات وأحزاب، ومشروع أصولي إخواني تركي قطري من أجل تسليم الحكم لجماعات الإسلام السياسي، والمشروع العربي المعتدل تقوده السعودية والإمارات ومصر، وهي مشاريع متضادة لا يمكن الجمع بينها، وقد انحازت قطر بكل وضوحٍ للمشروعين المعاديين، الطائفي والأصولي، والأدلة على ذلك لا تحصى"، ساردًا محطات مهمة في تاريخ عداء النظام القطري لدول مجلس التعاون. وفي الربيع العربي، أشار العتيبي إلى أن السعودية والإمارات دعمت الاستقرار في المنطقة العربية، "لكن الدوحة دعمت استمرار الفوضى والدمار والخراب في أكثر من مكان: في لبنان وتونس ومصر واليمن. وهاجمت عمان والكويت، لم تترك بلدًا إلا ودعمت التخريب فيه".
تساءل العتيبي: "أين اتجه النظام القطري بعد المقاطعة؟ اتجه نحو العناد الاستراتيجي، ورفض التعاون مع دول الخليج، ورفض التوقف عن الغدر. أما في الداخل القطري، فقد اتجه نظام الحمدين إلى سجن العشرات وتجميد أموال الشيخ عبدالله آل ثاني والشيخ سلطان بن سحيم، وسحب الجنسيات عن عدد كبير من القطريين ومن القبائل، وسبق أن هجر كثيرين قسرًا. والسؤال: هل يسعى النظام القطري إلى تغيير الشعب القطري؟ فالنظام القطري يلعب على المتناقضات: استضافة قاعدة عسكرية أميركية وفي الوقت نفسه التعاون مع الحرس الثوري"، مشبهًا ذلك بـ"أخلاق المستعمر الذي يستعين بالأجنبي ضد أبناء شعبه".

المأسسة ضرورة

عقب الأكاديمي المغربي عبد الحق عزوزي على ورقتي الجلسة الأولى، فقال إن من الصعب الوصول إلى طفرة تنموية من دون الانضواء في تكتلات إقليمية، وينبغي وضع إطار مـؤسسي للتكتلات من أجل احتواء المشكلات، مركزًا على أنموذج الاتحاد الأوروبي كتكتل إقليمي استطاع التغلب على كثير من المشكلات، ومؤكدًا أن الإمارات والسعودية من الدول المحورية، "سواء في إطار مجلس التعاون الخليجي أو جامعة الدول العربية، ودول الخليج لا يمكن أن تحقق القوة العسكرية الاستراتيجية إلا بالاستناد إلى دول عربية أخرى كما حاولت القيام به في مسألة التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي أعلنت عنه المملكة العربية السعودية، وهو يختلف عن تشكيل القوة العربية المشتركة، فالأول يستهدف مكافحة الإرهاب، أما القوة العربية المشتركة فتتعامل مع التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي بمختلف أشكالها، وفي نطاق الدول العربية، ويجب مأسسة تلك المنظومات لتكون ناجعة".
وقدم الأكاديمي الموريتاني السيد ولد أباه مداخلة قال فيها: "مجلس التعاون الخليجي ارتبط وجوده بالخطر الإيراني، لكن هناك دولًا من داخل المجلس تحالفت مع إيران وهناك دول معادية لإيران وأخرى محايدة في هذه المسألة، فهل هناك مجلس تعاون خليجي جديد غير المجلس القائم الآن؟".

وتساءل بهجت قرني، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية بالقاهرة: "بعد مرور 36 سنة من تدشين المجلس نجد أن إنجازات متواضعة، لماذا؟ إذا كان الجزء الأكبر لنجاح أي تكتل هو استمراره وهذا يعتمد على وجود أجهزة لتسوية النزاع، فما هي الوسائل المنيعة في مجلس التعاون لتسوية النزاعات؟"

وقال إبراهيم البحراوي، أستاذ الدراسات العبرية بجامعة عين شمس: "يبدو أن تنظيمات الإرهاب السنية وجماعات الإرهاب الشيعية يتنافسان على المنطقة، فكيف تجمع قطر بين متناقضات التعاون مع هذين الطرفين؟ والولايات المتحدة وأوروبا الغربية لم تأخدا موقفًا صريحًا مع الدول الأربع، والسبب هو الاستثمارات القطرية في الغرب، فلماذا لا يتم استخدام سلاح الاستثمارات للضغط على الغرب كي يدرك حقيقة السياسات القطرية؟"

ورأى الكاتب والصحفي الجزائري خالد عمر بن ققه أن لا بد من التعمق في القراءة الخليجية – الخليجية لمجلس التعاون، "فهل هناك تفكير في المستقبل لايجاد أطر سياسية جديدة للشكل في مجلس التعاون الخليجي؟"

إسلام بديل للدولة

تحت عنوان "الدور القطري في نشر الفوضى ومحاولة تمزيق وحدة الصف الخليجي"، انعقدت الجلسة الثانية وأدارتها الكاتبة أماني محمد العمران، وقدم خلالها الكاتب الجزائري خالد عمر بن ققه، والباحث المصري في العلوم السياسية عمار علي حسن، والكاتبة والباحثة الإماراتية عائشة المري ثلاث أوراق عمل، عقّب عليها عبدالله المدني، أستاذ العلاقات الدولية والكاتب المتخصص في الشؤون الآسيوية.

قدم خالد عمر بن ققه ورقة عنوانها "دعم الدوحة لتنظيم الإخوان وتأجيج نار الربيع العربي"، سرد فيها متابعته تغطية قناة الجزيرة في فترة معاناة الجزائر عنف الجماعات الإرهابية، وأشار إلى أنه من 1997 إلى 1999 كان التركيز الإعلامي في الجزائر يصب في خدمة الجماعات الإرهابية.

وأكد ابن ققه أن قطر تدعم الإسلام السياسي "من خلال التركيز على الآخر العدو، والبحث عن أعداء جدد في المنطقة، وهذا العدو يتجسد من وجهة نظر النظام القطري في الدولة القائمة في هذا البلد العربي أو ذاك، أي إيجاد دول أخرى بديلة عن النظام القائم".
ولفت الانتباه إلى أن استضافة شخصيات إسرائيلية في الجزيرة كانوا يبررونه بأنه يأتي ضمن حرية الإعلام، كما سعى النظام القطري إلى توفير حضور إعلامي لإسرائيل في المنطقة من خلال استضافة عناصر إسرائيلية في الجزيرة واستضافة المكتب التجاري الإسرائيلي.

أضاف: "أن النظام القطري يدعم نشر الفوضى في الوطن العربي من خلال تكسير كل التابوهات الموجودة في المجتمع، بما في ذلك تاريخ الزعماء. كما سعى نظام الدوحة إلى تقديم الإسلام السياسي ليكون بديلاً للدولة".

دعم مستمر

قدم عمار علي حسن ورقة بعنوان "دعم قطر تنظيمات إرهابية في البحرين ومصر واليمن وسوريا وليبيا"، أكد فيها أن من يتتبع السياسة القطرية في العقدين الأخيرين يستطيع رصد أدلة على علاقة قطر بتنظيمات إرهابية، "بدءاً من القاعدة وانتهاء بداعش، وهي مسألة اعترف بها رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جبر بن جاسم آل ثاني في حوار شهير مع شبكة سي إن إن في الأيام الأولى للأزمة القطرية الراهنة، حين قال إن بلاده اتصلت بالقاعدة بناء على ترتيب مع الولايات المتحدة الأميركية".

أضاف: "أخذ هذا الاتصال ستة أشكال: التمويل والتأمين والترويج والتخطيط والتوسط والتوظيف. وبالنسبة إلى التمويل، قدمت الدوحة مالاً سخياً للتنظيمات الإرهابية على مدار عقدين من الزمن على الأقل، سواء من خلال الحكومة الرسمية أو الموسرين والجمعيات الدينية التي تعمل تحت غطاء خيري. وقد توجه قسم كبير من التمويل القطري، الرسمي والشعبي، في السنوات إلى الأخيرة إلى جبهة النصرة وتنظيم داعش، كما تم تقديم الفدى المالية بما يصل لعشرات الملايين من الدولارات، لهذه الجماعات، التي كانت تعتمد على الخطف والارتهان وسيلة لتمويلها، من أجل الإفراج عن المختطفين. ويقوم النظام القطري بتأمين هذه التنظيمات، وتستضيف قطر 12 شخصاً يجمعون مئات الملايين من أجل الإرهابيين".

وتابع علي حسن: "تحتضن قطر أكثر من مئة شخصية متطرفة منهم مقاتلون أفغان. وفي هذا الإطار، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قدمت الدوحة بيتًا آمنًا لأبي مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق في أثناء سفره بين كابول والدوحة، وأمدته ومن معه بجوازات سفر قطرية، علاوة على مليون دولار دعمًا أوليًا لجماعته".

يتطرق علي حسن إلى ثلاثة احتمالات بشأن الأزمة القطرية الراهنة: "أولاً، سيناريو الرجوع إلى الخلف بمعنى أن يتمادى النظام القطري في موقفه الداعم للتنظيمات الإرهابية؛ وسيناريو التحرك إلى الأمام أي الاستجابة إلى مطالب الدول الأربع؛ والسيناريو الثالث هو الوقوف في المكان، أي أن قطر تُعطي للعالم العربي من طرف اللسان حلاوة وتروغ منه كما يروغ الثعلب".

قطر في اليمن

تحت عنوان "الدور القطري في دعم الحوثيين وحركة الإصلاح اليمنية"، قدمت الباحثة الإماراتية عائشة أحمد المري ورقة أشارت فيها إلى أن بداية التدخل القطري باليمن تمثل في قيامها بالوساطة في حروب صعدة الستة بين الدولة اليمنية والحوثيين المتمردين بين عامي 2004 و2010، وتمكنها من نسج علاقات قوية بين أطراف الصراع في اليمن.

أكدت المري أن تدخل قطر جعل الحوثيين قادرين على خوض الحرب الخامسة في ظروف أفضل كثيرًا، "وظهرت نتيجة الدعم القطري سريعاً على الأرض حيث تمكّن الحوثيون من السيطرة على نحو 90 بالمئة من مناطق صعدة في أقل من شهرين، فقطر زرعت صعدة بالأسلحة والمتفجرات والأموال الطائلة، كما اشترطت أن يكون الحوثيون شركاء في صندوق إعمار صعدة، وتم إعمار مناطق الحوثيين فحسب، وتم استلام الأموال القطرية في مران وفي حيدان وبني معاذ، وبعد استلام هذه المبالغ والتي تقدر بـ3 مليارات ريال يمني، عاد الحوثيون إلى إعلان الحرب من جديد".

تابعت: "بعد الثورة اليمنية في فبراير 2011، قام النظام القطري بدعم إخوان اليمن، ولعبت قناة الجزيرة دوراً في دعم الثورة. وحتى عندما وفرت المبادرة الخليجية مخرجاً لعلي عبد الله صالح بدعم من مجلس الأمن، وقفت السياسة القطرية ضد هذا المسار، حيث انسحبت قطر من المبادرة الخليجية ودخلت جماعة الحوثي كجزء من المشهد السياسي القطري".

رد الفعل الخليجي

كان عنوان الجلسة الثالثة "رد الفعل الخليجي على الممارسات القطرية"، جاءت لترصد الخطوات العملية التي اتخذتها الدول العربية المتضررة من سياسات النظام القطري. أدارها الأكاديمي الكويتي علي الطراح، وقدم أوراقها أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أحمد يوسف أحمد، والكاتب السعودي منصور النقيدان والباحث والكاتب الإماراتي سالم سالمين النعيمي.

وفي ورقته المعنونة "اتفاق الرياض عام 2014 لمنع الدوحة من التدخل في الشؤون الداخلية للدول ومخرجات القمة العربية الإسلامية الأميركية"، قال أحمد يوسف أحمد إن اتفاق الرياض الأول وقع في نوفمبر 2013، أي بعد الربيع العربي بأقل من 3 سنوات، بعدما اكتسب مشروع الإخوان زخماً، وانفرد التنظيم بحكم مصر وزادت أنشطته التخريبية. وعقب انهيار الإخوان في مصر، أصيبت الدوحة وأنقرة بحالة من الهستيريا.

بحسب يوسف، لم ينص الاتفاق على توجيه اتهامات للنظام القطري في ما يتعلق بمسؤوليته عن تعكير صفو العلاقات الخليجية، "لكن بنوده لا تدع مجالاً لشك في أنها موجهة لسياسات هذا النظام في محاولة للجم تصرفاته التي تلحق الضرر باستقرار دول الخليج وأمنها، وهو ما يتضح من مضامين الاتفاق الذي يشير إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر وعدم إيواء أو تجنيس أي من مواطني دول المجلس ممن لهم نشاط يتعارض مع دولهم، وعدم دعم الفئات المارقة المعارضة لدولها، وعدم دعم الإعلام المعادي، وعدم دعم الإخوان، أو أي من المنظمات أو التنظيمات أو الأفراد الذين يهددون أمن دول المجلس واستقرارها، ويطالب الاتفاق بعدم قيام أي من دول مجلس التعاون بتقديم الدعم لأي فئة كانت في اليمن، ممن تشكل خطراً على الدول المجاورة لها. ويرى يوسف أن الاتفاق يُعد سجلاً خليجياً مبكراً لرصد الأنشطة التخريبية للنظام القطري وللأدوات التي يلجأ إليها لتفعيل سياسته: العمل الأمني المباشر، دعم الفئات المعارضة لنظم الحكم في دولها، الإعلام المعادي".

رأي عام متأرجح

في ورقته "حشد الرأي العام الدولي ضد الدور القطري"، يرى الكاتب والباحث الإماراتي سالم سالمين النعيمي أن الرأي العام العالمي متأرجح في رأيه ولا يعتبر القضية القطرية محورية بالنسبة إليه واذا ما تم ربطها بالاستقرار والاقتصاد العالمي وارتفاع تكلفة المعيشة وفق حملات منسقة طويلة الأمد، فقد تتحرك المياه الراكدة لتشكل ضغطاً كبيراً على الجانب القطري.

قناعة النعيمي مفادها أن تكون على حق وأن تملك كل الأدلة الدامغة لا يكفي أحياناً في جعل الرأي العالم العالمي في صفك دون جعل جهودك منهجية وعلمية من خلال الوصول لمراكز التأثير في العالم، و"الأمر يتطلب جعل الجماهير المحرك الرئيس لدعم ملفك وإدارة ضغط ناجع على الحكومات ووسائل الإعلام ناهيك عن الاستثمار الأمثل في تعزيز الدبلوماسية العامة والشعبية من خلال وسائل الإعلام الحديثة، وجعل الشارع هو المحرك الرئيسي للرأي العام والمرسل والمتلقي في الوقت نفسه، ويشير النعيمي إلى ضرورة التفكير والعمل خارج المربع لكسب الرأي العام العالمي من خلال استغلال أقوى قوة محركة وهي طاقة الشباب في الجامعات والمدارس ومواقع التواصل الاجتماعي في العالم الغربي والشرقي لإيصال الرسالة، وتشكيل لوبي ضاغط ومؤثر، يمتد سنوات طويلة ناهيك عن أهمية تفعيل الصحف الإلكترونية التي يكون القارئ هو من يحررها".

تعريف الإرهاب

علق الدكتور بهجت قرني، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، على أوراق الجلسة الثالثة، وقال إن أي متخصص في العلاقات الدولية يستطيع الخروج باستنتاج مفاده أن الدول الأربع تستطيع كسب هذه الأزمة في وقت قصير، "حيث لدينا أربع دول كبيرة مقابل دولة صغيرة مارقة وخارجة عن المنظمة الإقليمية التي تنتمي إليها والمتمثلة في مجلس التعاون الخليجي. وهناك فجوة في الإمكانيات بين طرفي الأزمة، ومع ذلك لم يحسم أي طرف حتى الآن المواجهة لصالحه. وطرح قرني ثلاثة تساؤلات: من الذي يخطط للإرهاب داخل قطر؟ هل الحكومة أم الشعب؟ وهل يوجد بين النخبة السياسية القطرية من يفكر بطريقة مختلفة عن تلك التي يفكر بها النظام القائم حالياً في الدوحة؟

وقال مدير مركز الأهرام للدراسات والبحوث الاستراتيجية وحيد عبدالمجيد إن تداعيات كثيرة طالت النظام الحالي في قطر، وإن من المهم مناقشة المواقف الدولية تجاه الأزمة القطرية خاصة الولايات المتحدة، وعلاقة قطر وباكستان. أو وجه الشبه بين الدولتين ما يتعلق بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية، والسياسة الأميركية تجاه قطر وباكستان تثير جدلاً منذ سنوات طويلة، قطر وباكستان تدعمان الإرهاب بطرائق مختلفة.

تساءل الكاتب والمحلل السياسي عبدالوهاب بدرخان: لماذا بدأت الأزمة إعلامية ولم تبدأ سياسياً، خصوصًا في ظل وجود خلفيات سابقة مثل اتفاقية الرياض في 2014، وفي ظل حدوث خلافات أثناء قمة الرياض التي كانت قمة عربية إسلامية أميركية حضرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب؟ ألم يكن من الأجدى عقد قمة مصغرة سواء بين قطر والدول الأربع، أو من دون قطر، لإعطاء الرأي العام العربي والخليجي إشارة إلى أن هناك مهلة قد انتهت بالنسبة إلى قطر؟

وقال الدكتور حسن حنفي، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة: "لو كان في ذهني المجتمع المصري أو التونسي، أو حتى المجتمع الغربي، لقلت إن الإرهاب في حقيقة الأمر، ظاهرة عربية، لكن الظاهرة الأساسية تتمثل في الاستبداد الذي هو الجذر والطين والأصل الذي منه نبتت الشجرة، ثم يأتي من يحاول قطف الثمار". ودعا إلى تحليل ظاهرة الإرهاب بطريقة معمقة، وعدم الاكتفاء بالتنديد والإدانة، محذراً من أن مواجهة الإرهاب تبدو أحياناً كما لو أنها عملية ثأرية.

وتناول عمار علي حسن في مداخلته علاقة الاستبداد بالإرهاب متسائلًا إن كان ينبغي وضع الاستبداد الديني إلى جانب الاستبداد السياسي؟ وإذا كان الأمر يتعلق بالاستبداد كدافع نحو الإرهاب، فلماذا ينظم الأوروبيون إلى تنظيمات ارهابية.