الرباط: ألف مغربي أو يزيد قليلا هم من توجهوا للمحاكم الإبتدائية بكبريات المدن المغربية لتسجيل أنفسهم ضمن المتبرعين بالأعضاء بعد الوفاة، طيلة السنوات الخمس الماضية، بحسب الإحصائيات المقدمة من طرف الجمعيات المهتمة بهذا الشأن. 

قد يبدو الرقم ضعيفا بالنظر لانتظارات المهتمين بقضية التبرع بالأعضاء و كذا تزايد الطلب على الأعضاء، خاصة و أن أكثر من 85 في المائة من المتبرعين هم من مدينة الدار البيضاء، في حين يسجل غياب تام لثقافة التبرع في باقي مدن المملكة، اللهم إذا استثنينا بعض المدن الكبيرة مثل الرباط ومراكش و فاس لكن بنسب قليلة جدا. 

غياب السجلات بالمحاكم

تقول البروفيسور أمل بورقية رئيسة الجمعية المغربية لمحاربة أمراض الكلي، و أستاذة متخصصة في أمراض الكلي، بشأن ضعف النسبة ل »إيلاف المغرب، إنه للأسف لا يتوجه الناس لتسجيل أنفسهم من أجل التبرع بالأعضاء، علما أنه كلما تم تنظيم لقاء تواصلي أو تحسيسي بهذا الشأن تجد الناس كلهم متطوعون، من خلال تصريحاتهم، من أجل التبرع وليست لهم أدنى مشكلة، لكن بالنظر للعدد اليسير الذي يتوجه للمحاكم، الملاحظ أن الناس لاتولي الموضوع أية أهمية، علما أن العملية برمتها لا تكلف أكثر من عشر دقائق للتوقيع على الطلب، أي طلب التبرع بعضو أو أكثر بحضور نائب الرئيس الأول للمحكمة.

وتضيف بورقية أنه أثناء الحملات التحسيسية التي قامت بها الجمعية طيلة السنوات الماضية، وقفت هذه الأخيرة على غياب السجلات المتعلقة بالتبرع بالأعضاء في مختلف محاكم المملكة، مما يشير الى غياب ثقافة التبرع حتى لدى المسؤولين أنفسهم. 

وتقول المتحدثة انه إلى حدود 2010 لم يكن الناس يسجلون أنفسهم في المحاكم، و أن الحملات في المؤسسات التعليمية و في أوساط المواطنين لم تنطلق إلا قبل 5 سنوات تقريبا، حيث أن أغلب المواطنين يجهلون الموضوع، وهو ما يفسر تخوفهم منه بهذا الشكل ونفورهم منه، تضيف بورقية ، التي تؤكد أن الجمعية التي ترأسها تقود حملات مكثفة بعدد من المدن المغربية، من خلال عرض أفلام و توزيع مطويات وعبر شبكات مواقع التواصل الإجتماعي من أجل التحسيس بضرورة التبرع بالأعضاء و الأنسجة، و التي لم تعد في دول كثيرة (منها دول الجوار) تتطلب كل هذا الجهد، لأنها أضحت من البديهيات.

أرقام هزيلة 

بحسب وزارة الصحة المغربية فإن 0،4 متبرع من بين كل مليون مواطن مغربي، وجلهم من متبرعين بالكلي و النخاع العظمي و قرنية العين، ولم تسجل وزارة الصحة إلا 820 متبرعا بالأعضاء بعد وفاة أصحابها. 

والحقيقة أنه مع إنشاء المراكز الإستشفائية الجامعية بكل من الرباط والدار البيضاء، ثم بعد ذلك فاس ومراكش، انتعشت نسبيا زراعة الأعضاء، و أصبح أشخاص يتبرعون بقرنيات ذويهم من المصابين في حوادث السير وغيرها. 

وتبقى الأرقام المسجلة ضعيفة جدا، حيث يغلب الطلب على العرض في الحاجة للأعضاء. وما فتئت وزراة الصحة المغربية تطلق حملات متتالية من أجل حث المواطنين على التبرع بالدم، بالنظر للطلب المتزايد على هذه المادة، سيما مع ارتفاع نسبة حوادث السير، حيث يسجل نقص مهول في الدم لدى مراكز تحاقن الدم التابعة للوزارة. 

وبحسب وزارة الصحة فإن كل متبرع ينقذ حياة شخصين أو ثلاثة، وهو عنوان ظل معتمدا في الوصلات التحسيسية التي تطلقها الوزارة عبر القنوات التلفزيونية و الإذاعات، ومع ذلك فإن توجه المتبرعين يبقى باهتا ولا يرقى لاحتياجات المصابين. 

في سياق ذلك ، دعت البروفيسور بورقية التي تشتغل في المجال على مدى ثلاثة عقود إلى جعل التبرع مسألة حتمية، أي أن كل شخص توفي يجوز نقل أعضائه لشخص آخر هو في أمس حاجة إليها، في حين يبقى التسجيل في سجلات المحاكم محصورا على الأشخاص الذين لا يرغبون في التبرع لأسباب تخصهم، وذلك عملا بالنص القانوني الذي يقول « "يعبر كل شخص يريد وهو على قيد الحياة أن يعترض على أخذ عضو من أعضائه بعد مماته عن رفضه الأخذ بواسطة تصريح يتلقاه رئيس المحكمة المختصة التابع لها محل إقامته أو القاضي المعين لهذا الغرض… »، مما يجعل أعضاء المتوفي متاحة الإستعمال في حال وفاته، اللهم إذا أقر، قيد حياته، على أخذها بعد مماته. 

الحفاظ على السرية و المجانية

تقول حسناء سومان المسؤولة عن وحدة التنسيق الإستشفائي وتشجيع ثقافة التبرع بالأعضاء بالمركز الإستشفائي محمد السادس بمراكش ل »إيلاف المغرب »، إنه ينبغي الحفاظ على سرية العملية و مجانيتها، أثناء زرع عضو لشخص من شخص متبرع في حالة وفاة دماغية، حيث لا يؤدي الشخص المستفيد إلا تكاليف التحاليل و العملية فقط. 

وتكمن الصعوبة، تقول سومان، في إقناع العائلة التي يوجد ابنها في حالة وفاة، حيث يفقد أغلب المواطنين الثقة في المؤسسات الإستشفائية، مما يجعل من المهمة صعبة للغاية، ذلك أن 30 أو 40 في المائة من الأشخاص الرافضين، يكون بسبب اعتراضهم صعوبة أخذ القرار مكان الشخص المتوفي، بالأضافة لكونهم يكونون في حالة نفسية سيئة بسبب فقدان ابن أو شخص عزيز، مما لا يدع لهم فرصة التفكير بغيره، وقد يكون العكس تماما، حيث يسجل تعاطف كبير مع شخص في حاجة لعضو، كما لو أن زراعة عضو الشخص المتوفي لشخص آخر سوف تعيد له الحياة نسبيا. 

وتشير سومان إلى أنه ينبغي إجراء تحاليل قبل نقل عضو من شخص لآخر، وهي تحاليل ضرورية في الكشف عن أمراض مثل التهاب الكبد الفيروسي « س » و « ب » و مرض فقدان المناعة المكتسبة و « السيفيليس ». 

ضعف الوعي بثقافة التبرع

منذ 2011 عندما أحدث بنك للعيون بمراكش، و عدد المتبرعين بالقرنية في تزايد، فقد شهد المركز الإستشفائي محمد السادس 156 عملية زراعة قرنية مستوردة و 56 قرنية محلية، أي من مواطنين مغاربة إلى غاية الآن. الرقم بحسب المهتمين بهذا الشأن ضعيف جدا، بالنظر للطلب المتزايد على زراعة الأعضاء، لكنه يبقى بالنسبة لمدينة كمراكش رقما مهما مقارنة بمدن أخرى تغيب فيها ثقافة التبرع بالأعضاء بشكل كلي. 

وبحسب سومان، فإن هذا الضعف ناتج عن كون أغلب المواطنين الذين يلجون المؤسسات الإستشفائية رفقة ذويهم، لا يفكرون أثناء المعاناة التي يتكبدونها رفقة المرضى في إنقاذ حياة أشخاص آخرين لا تربطهم بهم أية صلة، كما أن ضعف الحملات التحسيسية بثقافة التبرع بالأعضاء و الأنسجة ضعيفة، مما يجعل المواطنين بعيدين كل البعد عن هذه القضية، دون إغفال الجانب الديني، حيث يخطئ العديد من الناس بالإعتقاد أن المسألة محرمة دينيا، إذ أنه على العكس فقد قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 6 إلى 11 فبراير 1988، بعد اطلاعه على الأبحاث الفقهية و الطبية الواردة على المجمع، بخصوص انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيا أو ميتا، خرج بكون هذا الأمر أمر واقع فرضه التقدم العلمي و الطبي، وظهرت نتائجه الإيجابية و المفيدة، مشددا على ضرورة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أكثر من الضرر المترتب عليها، و كذا إعمالا بقوله تعالى « ومن أحياها كمن أحيا الناس جميعا » تؤكد رئيسة وحدة التنسيق و تشجيع التبرع بالأعضاء.