تركُ حيدر العبادي دور الوساطة بين الإيرانيين والأميركيين إلى أداء دور جديد، بعد الزيارة الأخيرة إلى السعودية ولقائه الملك سلمان بن عبد العزيز، يتجسد في المساهمة في الحد من التأثير الإيراني في المنطقة.

إيلاف من بيروت: منذ أن وصل حيدر العبادي إلى رئاسة الحكومة في العراق، ما أخفى يومًا الجهد الذي بذله من أجل تعبيد الطريق بين طهران وواشنطن، بل حتى فاخر به أحيانًا في حضرة الإعلام الغربي، من منطلق الدور الذي تؤديه بغداد خدمة لعلاقاتها مع واشنطن، واستفادة من قربها من طهران. 

هذا كان في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، حين وصلت العلاقات الخليجية – الأميركية إلى برود لم تشهده في تاريخها، خصوصًا بموازاة توقيع إيران والدول الغربية، على رأسها الولايات المتحدة، اتفاق جنيف، الذي أنهى تسوية طال أمدها للملف النووي الإيراني. 

ورقة جديدة
لكن الوضع تغير مع إدارة انتخاب الرئيس دونالد ترمب الجديدة، التي عادت إلى الميل لمصلحة السعودية ودول الخليج في صدامها الجيو-سياسي الإقليمي مع إيران. 

فالعبادي قرأ الوضع جديدًا، وأدرك أن واشنطن عادت أدراجها إلى زمن كبح جماح إيران، فكانت زيارته الأخيرة إلى السعودية التي باركتها واشنطن، ما دامت تمثل ورقة جديدة تساهم في الحدّ من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

على الرغم من معرفة طهران بخفايا زيارة العبادي إلى الرياض، أتى موقفها الرسمي متوازنًا، مرحّبًا بأي حوار وأي تعاون بين الدول اإقليمية، من منطلق "إن لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون"، إلى حين، خصوصًا أن الأوراق في المنطقة ما زالت مخلوطة، ما دامت التسوية السورية لم تصل إلى خواتيمها بعد، والوضع مفتوح على الاحتمالات المختلفة كلها.

لكن الإعلام الإيراني، وخصوصًا التابع للمحافظين والملالي وأجهزة الأمن والحرس الثوري في إيران، كان واضحًا في تظهير نظرتها للجهد العراقي المدفوع أميركيًا للحدّ من النفوذ الإيراني وتحقيق التقارب بين العراق والسعودية، بعد قطيعة طويلة.

تشكيك إيراني
بحسب صحيفة "المشرق"، صار إبعاد العراق عن إيران "أولوية دبلوماسية أميركية – سعودية"، والولايات المتحدة ستستخدم مسارين متزامنين للضغط على بغداد وإبعادها عن طهران، يتخذ أحدهما شكل اتفاقات ثنائية، ويتم ثانيهما من خلال مجلس التنسيق بين العراق والسعودية ومبادرات أخرى تقرّب بين البلدين.

عددت "المشرق" عقبات عدة تعوق أي تقارب سعودي - عراقي وابتعاد العراق عن إيران، في مقدمها السياسة العراقية المحلية، "فالجهات المحلية الفاعلة، مثل حزب الدعوة الإسلامية، الذي له الكلمة العليا في تسمية من يتولى رئاسة الوزراء في العراق، وآية الله علي السيستاني، لهما تأثير كبير في السياسة العراقية الخارجية. 

تتمثل العقبة الثانية في أن العلاقات بين العراق وإيران تاريخية لا تنفصم، "فملايين الإيرانيين يزورون أضرحة العراق المقدسة سنويًا". أما العقبة الثالثة فهي - بحسب زعم "المشرق" ووصفها - "تمويل السعودية جماعات متطرفة وإصدار رجال دين سعوديين فتاوى معادية للشيعة".

أما وكالة الأخبار "خبر أونلاين" فقالت إن وزير الدفاع الأميركي ريكس تيلرسون أوصى بإنشاء مجموعة عمل تضم ممثلين للسعودية والولايات المتحدة والعراق، وإن السعودية توشك على تشكيل هذه اللجنة التي تسعى إلى توطيد العلاقات السياسية بين الدول الثالث، لكن العراق لم يرد بعد على التوصية.

أما موقع تابناك الإيراني، فسأل: "هل أدير العبادي ظهره إلى إيران؟". وقال إن رحلة العبادي إلى السعودية "مرتبطة بمرحلة ما بعد داعش، في ظل حاجة المناطق التي مزقتها الحرب إلى الاستثمارات ومشروعات إعادة الإعمار، وهو باب ستحاول السعودية بسط نفوذها من خلاله في العراق".

تضامن عربي
في المقابل، أشادت الصحف السعودية بالتطور الحاصل في العلاقات بين العراق والسعودية، ووضعتها في خانة عودة العلاقات العربية – العربية إلى عصر القوة، في وجه الأطماع "الإقليمية" والإرادة التوسعية الإيرانية. 

وقالت صحيفة "الرياض" السعودية إن الدعم السياسي والاقتصادي، ومواجهة الإرهاب، وحق الجوار والأخوة، تشكل أسس العلاقات السعوديّة مع أشقائها العرب، "وهي الحال عينها مع العراق الدولة والشعب الجار الشمالي لبلادنا. وعلى هذا المستوى تتحرّك السياسة السعوديّة، على الرغم من تاريخيّة تأثير عواصف السياسة، والبعد الأجنبي في علاقات العراق الدولة بجيرانها العرب".

بدورها أشارت "عكاظ" إلى أن التقارب العربي-العربي يزعج إيران، التي طالما أرادت تمزيق الأوطان العربية وطمس هويتها". 
من ناحية أخرى، قالت "البيان" الإماراتية: "السعودية ذهبت إلى العراق لتمد يدها للتعاون والعمل معًا من أجل عراق أفضل، والعراقيون يعرفون تمامًا أن ليست للسعودية أطماع في العراق، وكل ما تريده هي وكل دول الخليج هو الاستقرار للعراق وعودته إلى الحضن العربي والتعاون من أجل محاربة الإرهاب والقضاء عليه".

لبنان آخر؟
يرى مراقبون أن في انتظار السعودية في العراق مهمات هي غاية في الصعوبة. فعلى الرغم من أن العبادي جادّ في مسعاه إلى تصفية الأجواء مع الرياض، وأداء دور وسيط الخير مع الإيرانيين، إلى حد ما، يقول هؤلاء المراقبون إن وقوف الرياض ندًا لطهران على الساحة العراقية اليوم مسألة تحتاج نفسًا طويلًا وإرادة فولاذية.

يجب ألا ينسى أحد أن للحشد الشعبي اليوم في العراق قوة لا يستهان بها، خصوصًا أن لا مفر من الاعتراف بأنه أدى دورًا كبيرًا في الحرب التي شنها العراق على داعش لاستعادة المناطق التي الحتلها وطرده منها. وبالتالي، يقارن هؤلاء المراقبون الدور السعودي في العراق بالدور السعودي نفسه في لبنان.

فالسعودية قدمت كل الدعم إلى اللبنانيين جميعًا، ووقفت على مسافة واحدة منهم على اختلاف آرائهم لمساعدتهم على تجاوز محنهم، بينما يبقى الحاكم الفعلي في لبنان هو حزب الله، أي ذراع إيران الأقوى عسكريًا في المنطقة. وهذه هي حال العراق اليوم، حيث الميليشيات العراقية من حشد شعبي ونظرائه المدعومة من إيران تتحكم بمفاصل البلاد.