الجزائر: أحدث اندفاع الالاف من الشبان الجزائريين لاستكمال الاجراءات المطلوبة للتمكن من السفر للدراسة في فرنسا، ضجة في الجزائر وكشف عن ضيق اجتماعي تعاني منه هذه الفئة من الشبان.

وانتشرت عبر وسائل الاعلام صور شارع رئيسي في وسط العاصمة الجزائرية يزدحم بطلاب من الذكور والاناث يتجمعون امام مدخل المعهد الفرنسي بالجزائر (المركز الثقافي الفرنسي سابقا) للتسجيل في امتحان تحديد مستوى اللغة الفرنسية الضروري للدراسة في فرنسا.

وكشف هذا الاندفاع الكبير عن الرغبة الشديدة لدى الشبان الجزائريين بمغادرة البلاد، وما زاد من الزحمة امام هذا المعهد تعطل نظام التسجيل عبر الانترنت.

وتساءلت صحيفة ليبرتيه الناطقة بالفرنسية في مقال تحت عنوان "لماذا يريد الجميع مغادرة البلد؟"، في حين طرحت صحيفة الوطن سؤالا جدليا "الهجرة من أجل الدراسة، أو الدراسة من اجل الهجرة؟".

وبحسب وزارة التعليم العالي فان عدد الجامعات والمراكز الجامعية في البلاد يقارب المئة، والتعليم فيها مجاني، في حين يبلغ عدد الطلاب الجامعيين اكثر من 1,5 مليون طالب.

واوضح العديد من الطلاب الذين قضوا ساعات طويلة في انتظار دورهم، واغلبهم حاصل على شهادة عليا، لوكالة فرنس برس، انهم يريدون "تطوير خبراتهم"، والحصول على "اضافة" لسيرتهم الذاتية، او يبحثون عن "غنى ثقافي" قبل العودة الى الجزائر.

لكن الحقيقة "أن اغلب الموجودين هنا يريدون العيش في الخارج بصفة نهائية"، بحسب ما أكد مهدي (26 عاما) الذي وصل الى المكان في ساعات الصباح الاولى، وهو مهندس مدني متخرج من مدرسة البوليتكنيك في الجزائر.

-لا مستقبل-

بالنسبة لكريمة (28 سنة) التي جاءت من تيزي وزو على بعد 100 كلم شرق الجزائر، فان "لا احد سيعود ان تمكن من البقاء" في الخارج، معتبرة انه "لا يوجد اي مستقبل هنا".

هي ايضا وصلت الى بوابة المعهد الفرنسي في الساعة السادسة صباحا واضطرت للانتظار خمس ساعات من اجل التسجيل ودفعت مقابل ذلك 10 الاف دينار (75 يورو) كتكاليف المشاركة في امتحان مستوى اللغة الفرنسية مثلها مثل كل المسجلين الاخرين. 

وهذا المبلغ يعد كبيرا اذ يمثل اكثر من نصف اجر الحد الادنى للاجور.

وكريمة حاصلة على شهادة في ادارة الاعمال وعملت لسنتين وتعيش في شقة مشتركة مع فتيات اخريات.

تضيف كريمة ان "الراتب كان زهيدا جدا"، ولا يكفي سوى لتسديد تكاليف الايجار والاكل والشرب، كما ان البعض ينظرون الى "الفتيات اللواتي يعشن وحدهن في شقة بان سمعتهن مشبوهة".

ولكل هذه الاسباب قررت العودة الى قريتها في تيزي وزو ومحاولة الظفر بفرصة المغادرة نحو فرنسا.

وبحسب مدير المعهد الفرنسي بالجزائر غريغور ترومل فان 32 الف شاب جزائري تقدموا للتسجيل من اجل الدراسة في هذا البلد سنة 2017. ونهاية السنة ينتطر ان يصل عدد التأشيرات الخاصة بالطلاب الى 8500 مقابل 7000 في 2016 اي بزيادة 20%.

ومثل الطلاب الجزائيون السنة الماضية ثالث جالية من حيث العدد في الجامعات الفرنسية، حيث كانوا 26 الف طالب، وراء الصينيين (30 الفا) والمغاربة (32 الفا). 

ولم يخف الشبان الجزائريون في تصريحاتهم للصحافة المحلية ولوكالة فرنس برس رغبتهم بترك البلاد بسبب سوق العمل المحدودة جدا.

أما فروجة (20 عاما) الحاصلة على شهادة في الانتروبولوجيا، فتريد الذهاب الى فرنسا لأنها لا تجد عملا في تخصصها ولكن ايضا "من اجل حياة أفضل".

واضافت "نعاني من الكثير من المشاكل داخل العائلة وفي المجتمع" ففي الجزائر"المرأة لا تستطيع العيش بحرية".

من جهتها قالت عقيلة (25 سنة) الحاصلة على ماجيستر بالادب الفرنسي والعاطلة عن العمل رغم فوزها في مسابقة توظيف الاساتذة "لا يوجد اي مستقبل هنا".

وعند سؤالها عما ستفعله في فرنسا، قالت "لا اعرف المهم ان ان ارحل".

وبحسب استاذ علم الاجتماع ناصر جابي فان "الشباب يرحلون لأن الحلم الجزائري غير موجود"، والدراسة هي وسيلة للهجرة، كما صرح لصحيفة الخبر. وتابع "الفقراء يهاجرون بالزوارق والمتعلمون بالتأشيرة".

وفي صحيفة ليبرتيه، عزا المؤرخ أحمد روايجية اندفاع الطلاب الى " التشاؤم من الحياة في بلاد لا توفر لهم آفاقا واعدة من اجل النجاح والسعادة في المجتمع".

وتزامن انتشار صور اندفاع الشباب أمام معهد الدولة المستعمرة السابقة، مع احتفال الجزائر بذكرى اندلاع حرب التحرير، ما اثار سخط السلطات.

حتى أن الامين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، جمال ولد عباس رأى في ذلك نتيجة ل"غزو ثقافي وقعت الجزائر ضحيته". 

وفي السياق نفسه ندد حليفه التجمع الوطني الديموقراطي برئاسة رئيس الوزراء أحمد أويحيى "بمحاولة المساس بصورة الجزائر".