تلقى الحملة على الفساد غي السعودية أصداء إعلامية إيجابية، تعكس الرضا الشعبي على حملة طالما انتظروها، فأتت الآن بنكهة مختلفة، نكهة "كائنًا من كان"، مستهدفة كل مفسد مهما علا شأنه.

إيلاف من الرياض: إن الحملة التي تشنها القيادة السعودية على الفساد هي شغل الصحافة الشاغل، خصوصًا أنها، أول مرة في تاريخ المملكة، تمسّ أمراء ووزراء حاليين وسابقين ومسؤولين ورجال أعمال من العيار الثقيل. 

ولقيت هذه الحملة ردات فعل إيجابية، منذ اللحظة التي أصدر فيها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أمره الملكي بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة بقضايا الفساد العام.

نقلات تاريخية

في "الرياض" السعودية، كتب فهد بن راشد عبد الكريم: "قرار الملك سلمان بتشكيل لجنة عليا يرأسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمحاربة الفساد يأتي في سياق النقلات الإصلاحية التاريخية والنوعية والتي بدأها الملك منذ توليه مقاليد الحكم وحتى هذه اللحظة وهو يسابق الزمن في اتجاه المستقبل المشرق بقرارات من الوزن الثقيل ليكون الوطن والمواطن على مستوى المسؤولية والتحدي والعطاء لينعم وطننا بغد مضيء ومواطنينا بغد أكثر أملًا وإشراقة".

أضاف: "الأمر الملكي جاء ضمن مشروع إستراتيجية النهضة الوطنية ومتجاوزًا المفاهيم المعتادة تقليديًا بأفق ونظرة شمولية تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، ويعمل على محاصرة بؤر الفساد والمفسدين الذين اعتدوا على المال العام وأصحاب النفوذ الذين استغلوا مواقعهم للإثراء غير المشروع وأعاقوا مسيرة التنمية بالاستثمار في مناصبهم لمصالحهم الخاصة على حساب الوطن والمصلحة العامة".

وكتب خالد الربيش في الصحيفة نفسها: "أدركت القيادة الرشيدة أن رؤية المملكة 2030، بكل مراحلها ومتطلباتها وتطلعاتها وأحلامها، من الصعب أن تثمر في أجواء تفوح منها رائحة الفساد، أيا كان نوعه أو مصدره، كما أدركت القيادة أن كل المحاولات والإجرءات التي اتخذتها سابقًا لمكافحة الفساد والحد منه، لم تكن كافية، والدليل استمرار الفساد هنا وهناك، متسلحًا بنفوذ أشخاص، رأوا أنهم فوق مستوى الاتهامات، لذا كان قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بتأسيس لجنة لمكافحة الفساد، يترأسها سمو ولي العهد، في إشارة إلى أن اللجنة ستتمتع بصلاحيات واسعة وسلطات أعلى، للتعامل مع الفساد، والمفسدين مهما علت مناصبهم، ومهما كان نفوذهم".

أميرًا كان أو وزيرًا

في "عكاظ"، يرى جميل الذيابي أن أهمية اللجنة العليا تكمن في أن الأمر الملكي "يستثنيها من الأنظمة والتعليمات والتنظيمات والقرارات بمهمات دقيقة. ويمنحها حق التحقيق، وإصدار أوامر القبض، وكشف الحسابات وتجميدها، والمنع من السفر. وهي صلاحيات بقوة تكفي لحسم هذه القضايا التي أضحت ملفاتها تتجول من دائرة لدائرة، على رغم أن بعضها راحت ضحيته أرواح بريئة، وبعضها تضررت منه أجيال، وتعثرت بسببه خطط التنمية".

أضاف: "إذا نظرنا إلى الأمر الملكي من ناحية عملية، فهو يعني أن الملك سلمان قال لمواطنيه إنه لن يسمح بأن يضرهم فساد، ولا بأن يتجاوز عليهم مسؤول، أميرًا كان أو وزيرًا أو مسؤولًا، وإنه سيبدأ كنس الفساد من الأعلى إلى الأسفل، دون تمييز بين كبير وصغير، ولا محاباة، ولا تستر"، لذلك لا بد من تعزيز النزاهة قيمًا ووعيًا وممارسة، والمضي في الإصلاح، لتقوية دعائم الدولة، وتعزيز هيبتها، واحترام القوانين والأنظمة. 

وكتب خالد السليمان في الصحيفة نفسها: "اللافت في قائمة الموقوفين على ذمة قضايا الفساد وغسيل الأموال، أن فيهم من كنا نشكو له الفساد ونستنجد به ليحاربه فإذا به الخصم والحكم، وفيهم من من تبوأ موقع المسؤولية لسنوات وسنوات نأتمنه على حاضرنا ومستقبلنا فإذا به الذئب الغادر بفرائسه، وفيهم من كنا نعتبرهم نماذج الكفاح والعصامية وبناء الذات فإذا به كفاح الزوايا المظلمة وعصامية الصفقات الملوثة وبناء الثروات المشبوهة".

وأضاف: "ما جرى أول البارحة لم يكن عاصفة بقدر ما كان إنجلاء عاصفة، لتصفو الرؤية ويتعرف المجتمع على بعض خصومه الذين تسلقوا على أكتافه وامتصوا طاقته وعطلوا تنميته، في الحقيقة كثيرون كانوا يعرفون من هم خصوم الوطن، فلم تفاجئهم بعض الأسماء لكن فاجأتهم الجرأة على مواجهتهم وإسقاط الحصانة التي ظنوا أنهم يمتلكونها بفضل وجاهة اعتبارية أو اجتماعية أو مالية!".

سجن حتى 10 سنوات

أما صحيفة "الوطن" فاستندت إلى القانون السعودي لتتوقع سجن الوزراء الموقوفين بقضايا فساد من 3 إلى 10 سنوات، موضحةً أن هذا سببه "إخلالهم بالقسم أمام الملك، كونهم لم يصدقوا مع الله ولا مع الملك ولم يحافظوا على مصالح وأنظمة الدولة، كما أنهم لم يؤدوا أعمالهم بالصدق والأمانة والإخلاص".

وبحسب المادة الخامسة من نظام العقوبات السعودي، يعاقب بالسجن من 3 إلى 10 سنوات إذا ارتكب أي من أعضاء مجلس الوزراء والموظفين المعينين بمرتبة وزير تصرفات أو أفعالا من شأنها التأثير بالزيادة أو النقص في أثمان البضائع والعقارات أو العملة أو الأوراق المالية، للحصول على فائدة شخصية له أو لغيره، وقبول فائدة أيا كان نوعها لنفسه أو لغيره، لقضاء عمل رسمي أو الامتناع عن عمل رسمي".

كما توقعت الصحيفة نفسها محاكمة الوزراء بتهم أخرى كاستغلال النفوذ وضياع الحقوق. وتنص المادة السادسة من القانون السعودي على أنه يترتب حتمًا على الحكم بإدانة الوزير أو من في مرتبته عزله من منصبه وحرمانه من تولي الوظائف العامة، ومن عضوية مجالس إدارة الهيئات والشركات والمؤسسات، ومن أي وظيفة فيها.

الإيقاع المختلف

كتب إميل أمين في "الشرق الأوسط": "يأتي الحديث عن مكافحة الفساد كمقدمة أولى، فلا نمو ولا إصلاح اقتصاديًا دون مواجهة جذرية للفساد بكافة أشكاله، وبخاصة أن السلوك الفاسد لا يزال يتسم بطابع كلي الوجود، إذ إنه يحدث في كافة الأنظمة السياسية، وتجري به المقادير على جميع مستويات التنمية، وفي كافة أنواع النظم الاقتصادية، من الاقتصادات الرأسمالية المفتوحة إلى الاقتصادات المخططة مركزيًا".
أضاف: "يقطع الفساد طريق الدول نحو التقدم الاقتصادي الحقيقي غير المزيف، إذ يؤثر على البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء، وتقوض الرشاوى المشروعية السياسية، كما تعصف بالإيرادات الحكومية وتشوه التجارة والاستثمار الدوليين والمحليين، مما يقلل النمو".

وكتب مصطفى ألأنصاري في "الحياة": "كانت الإجراءات التي تلت إصدار مرسوم إنشاء اللجنة العليا، برهنت على نفاد صبر القيادة السعودية الجديدة، نحو تغليب ضعاف النفوس، بحسب تعبير البيان، مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، والعدوان على المال العام من دون وازعٍ من دين، أو ضمير، أو أخلاق، أو وطنية، مستغلين نفوذهم والسلطة، التي أؤتمنوا عليها في التطاول على المال العام، وإساءة استخدامه، واختلاسه، متخذين طرائق شتى لإخفاء أعمالهم المشينة".

أضاف: "مع أن السعوديين لم يفاجؤوا بالكثير من التفاصيل المحيطة ببعض الأسماء، والملفات المعلنة، إلا أن الذهول كان من هول الصدمة، أن تكون ملاحقة الفساد يمكن أن تتم على هذا النحو من الشفافية والحزم، الذي طبق عمليًا مقولة كائنًا من كان التي كانت في ما سبق من قرارات إدارية وحكومية، أشبه بعبارة للاستهلاك، إلا أن تعهدات ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بهذا الصدد، كان إيقاعها مختلفًا".

الملاحقة مستمرة

عالميًا، نقلت "سي أن إن" في تقرير لها مقتطفات من الأمر الملكي السعودي بتشكيل لجنة لمحاربة الفساد، جاء فيه: "نظرًا إلى ما لاحظناه ولمسناه من استغلال من قبل بعض ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، واعتدوا على المال العام..."، وسوف تتم ملاحقة ومحاربة الفساد على كافة المستويات"، لافتةً إلى أن الأمير محمد بن سلمان الذي يرئس لجنة مكافحة الفساد، ينظر إليه السعوديون على أنه رجل قوي ومصلح، "ومنذ تعيينه وليًا للعهد، تم رفع بعض القيود عن المرأة، وهو دعا في الشهر الماضي إلى هدم الأيديولوجيات المتطرفة والعودة إلى الإسلام المعتدل".

يقول جون ديفتريوس، محرر سي إن إن للأسواق النامية والذي يغطي أخبار السعودية منذ عام 1990: "من رؤية 2030 إلى الإصلاحات الاجتماعية في مقدمها قيادة المرأة السيارة، ها هي ضربة قوية توجه إلى جذور الفساد لاقتلاعها".

وقالت صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية أن الحملة السعودية ضد الفساد تأتي بالتزامن مع توجه الأمير محمد بن سلمان نحو برنامج إصلاح اقتصادي جذري لتخليص المملكة من الاعتماد على عائدات النفط. وتابعت: "إن كثيرين في السعودية كانوا ينادون بالتحرك ضد الفساد على أعلى المستويات، بينما رفعت إجراءات التقشف من تكلفة المعيشة عند المواطنين السعوديين".

وأوردت الصحيفة تصريحات ولي العهد السعودي في وقت سابق هذا العام، قال فيها: "لا أحد متورطًا في الفساد سيتمكن من الإفلات، أن كان أميرًا أو وزيرًا"، لافتةً إلى تأييد هيئة كبار العلماء السعودية لحملة مكافحة الفساد، فهذه الحملة برأي الصحيفة لا تقل أهمية عن الحملة على الإرهاب.