إيلاف من واشنطن: يقول أحد كبار مراسلي محطة بي بي سي البريطانية الدوليين نك براينت، إن انتخاب الرئيس دونالد ترمب العام الماضي شكّل نهاية لهيمنة الولايات المتحدة على العالم على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

وفي تقرير مطول نشره الجمعة على موقع بي بي سي، بدأ براينت في رصد تاريخ الولايات المتحدة منذ الولاية الثانية للرئيس رونالد ريغان عام 1984 وحتى الوقت الحالي، ففي السنوات الست عشرة الأولى حققت البلاد قفزات هائلة على الأصعدة كافة حتى صارت سيدة العالم بلا منازع حتى عام 2000، لكن الست عشرة سنة التالية بدأت فيها مرحلة تحلل قوة البلاد وتراجع تأثيرها في الساحة الدولية. ليكون انتخاب ترمب بمثابة إعلان لنهاية عظمة أميركا الدولة التي وصل تأثيرها الثقافي الى كل مكان في العالم.

نشرت "إيلاف" الجزءين الأول والثاني خلال اليومين الماضيين وركزا على مرحلتي "الصعود وبداية الانهيار للعظمة الأميركية"، الجزء الثالث والأخير يسلط فيه الكاتب ما أسماه "ذبح أميركا على يد ترمب”. 

الأمة الممزقة تنتخب 

البلد المنقسم والأمة المريضة، كانت الخلفية لما شاهده العالم في انتخابات الرئاسة عام 2016، فالحزبان الجمهوري والديمقراطي قدما مرشحين هما الأقل شعبية منذ عرفت أميركا صناديق الاقتراع، وانتهى الأمر بفوز المرشح الذي كانت الاستطلاعات تتوقع هزيمته، ووصل للبيت الأبيض رغم أنه حصل على عدد أقل بثلاثة ملايين من الأصوات الشعبية مما حصدته منافسته. 

كانت المعركة الانتخابية، محطمة للآمال، فثلاثون عاماً بدأت بـ ريغان الذي جاء "بصباح أميركي آخر" انتهت بخطاب ترمب الذي كان "مذبحة لأميركا".

ترمب لا يشبه ريغان، فالأول سياساته تنشر الشعور والظلم وتغذي الغضب في البلاد، ويعكس فوزه انعكاساً لكثير من النواحي للاوضاع المتردية للبلاد على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإعلان لنهاية هيمنتها على العالم.

فيما دخلت البلاد في مرحلة عنف خلال الأشهر، تمثلت في القتل العشوائي، كان أبرزها مذبحة لاس فيغاس التي ذهب ضحيتها 58 شخصاً.

ويتولى ترمب زيادة الانقسامات العرقية والثقافية، ففي أولمبياد 1984، حصد رياضيون سود ميداليات لبلادهم مع زملائهم البيض، اليوم يدخل الرئيس الرياضيين السود في حرب ثقافية لا نهاية لها، بعدما احتج على انحناء بعضهم خلال النشيد الوطني، مع أن هذا حق يكفلهم لهم التعديل الأول في الدستور. 

لقد التقى العنف المسلح مع الانقسام العرقي، فرجال شرطة يقتلون السود العزل، ووصل مزاد على شبكة الإنترنت على سلاح قتل به (المراهق الأسود) ترايفون مارتن أكثر من مئة ألف دولار.

النازيون طيبون

كانت مظاهرات شارلوتسفيل الصيف الماضي، التي نظمها النازيون الجدد ومؤمنون بتفوق العرق الأبيض، مؤشراً آخر على الانقسام الحاد في المجتمع الأميركي. كذلك، كانت تصريحات الرئيس حول الحادثة، عندما وصف الحشد النازي بأنه يضم بعض "الأشخاص الطيبين"، وهو يساوي بهذا أخلاقياً بين منظمي المظاهرة ومعارضيهم من مناهضي العنصرية.

شعار أميركا أولاً الذي يرفعه الرئيس، يعني أن أميركا وحيدة وتعزل نفسها، فهي انسحبت من اتفاق باريس للمناخ ورفضت التصديق على الاتفاق النووي الإيراني. كما أن ترمب خاض معارك عبر تويتر مع حلفاء تقليديين لبلاده مثل ألمانيا وأستراليا، وأثار غضب أقرب صديق له بريطانيا، بتغريدات متهورة حول معدلات الجريمة والهجمات الإرهابية. 

ثمة أمل 

لكن مع هذا الانحدار الأميركي، ظهرت هناك مؤشرات للنجاح الوطني في أماكن أخرى، فوصلت معدلات سوق أسهم نيويورك إلى مستويات قياسية. الثقة في مجال الأعمال في ارتفاع. وتصل البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ 16 عامًا. ومن بين 62 مليون شخص صوتوا لصالح ترمب، لا يزال عدد كبير منهم يعتبره منقذًا وطنيًا أكثر منه إحراج وطني.

في العديد من الولايات الجمهورية، لا يزال شعار "لنعيد عظمة أمريكا" له أصداء بنفس القدر كما كان قبل 12 شهراً.

ورغم أن ترمب هو أقل رئيس شعبية في تاريخ البلاد إذ يرضى عن ادائه 35 بالمئة من الأميركيين فقط، لكن النسبة هذه ترتفع بين الجمهوريين لتصل إلى 78 بالمئة.

وفي المجال الدولي، يخشى خصوم الولايات المتحدة ترمب أكثر من أوباما. فقد تمت هزيمة داعش وطرده من الرقة. وتعهد 25 عضواً من الناتو بزيادة الانفاق الدفاعي ... فيما يبدو أن بكين رضخت لضغط واشنطن ووافقت على فرض عقوبات على كوريا الشمالية.