«إيلاف» من بغداد: أثار مشروع تعديل قانون الاحوال الشخصية المطروح على البرلمان ضجة كبيرة بين الاوساط الاجتماعية العراقية التي اعترضت على ما ذهب اليه التعديل الذي عدّه الكثيرون نكسة للمرأة العراقية واهانة لمكانتها وحقوقها الانسانية والقانونية والدستورية، ورأوا ان تعديل القانون هو لإعادة إنتاج قانون الأحوال الشخصية الطائفي الرجعي الذي يبيح زواج القاصرات ويشجع زواج المتعة والمسيار ويفرق بين العراقيين على أساس الدين والطائفة .

واكد الكثير من العراقيين رفضهم القاطع لمقترح قانون تعديل مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي وافق عليه مجلس النواب بشكل مبدئي، واصفين اياه بالسيئ ويهين الكرامة ولا سيما المرأة التي يجيز التعديل للاخرين مبدأ (الاغتصاب)، وكونه يشكل انتكاسة مجتمعية وممارسة شكل من أشكال العنف ضد المرأة وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان .

ورفض العديد من الفعاليات المدنية التعديل عبر تظاهرات واحتجاجات في امكنة مختلفة، وجاءت ردود افعال قوية من النساء المدنيات اللواتي اكدن انهن في حراك مستمر منذ الإثنين الماضي لمنع تمريره، وهتف المتظاهرون ضد التعديل وضد النواب الذي ايدوا التعديل فيما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالرفض والغضب والسخرية من الذين يريدون تمرير التعديل خاصة في قضية تزويج الطفلة بعمر تسع سنوات وطالبوهم اولا بتزويج بناتهم الصغيرات والاعلان ذلك على الملأ، فيما وصف البعض النواب المؤيدين للتعديل بأنهم (وحوش) ولا يختلفون عن (داعش) عندما اجبر صغيرات السن بالزواج من عناصره اثناء احتلاله للموصل والرقة.

المادة 41

فقد صوت مجلس النواب بالموافقة من حيث المبدأ بجلسته التي عقدت في الاول من الشهر الحالي على مقترح قانون تعديل مشروع قانون الأحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959 المعدل النافذ .

يشار الى أن المادة 41 من الدستور تنص على أن "العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون"

انتكاسة حقيقة

وتقول النائبة وحدة الجميلي إن مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية الذي وافق عليه مجلس النواب من حيث المبدأ يمثل انتكاسة حقيقية وتراجعاً في ضمان حماية حقوق الانسان كونه استند الى اصل المادة ( ٤١ ) من الدستور، والتي تنص على (حرية الالتزام بالاحوال الشخصية ) وهي مادة خلافية ووضعت ضمن اطار تعديل مواد الدستور كونها تضرب الهوية الوطنية وتمزق اللحمة الوطنية وتدعو العراقيين باللجوء الى الهويات الفرعية ونبذ الهوية الوطنية .

 واضافت ان تعديل قانون الاحوال اعتمد على الآراء الفقهية للوقفين السني والشيعي في تسيير الاحوال الشخصية للمواطنين بعيدًا عن القضاء وهذا يعتبر تدخلاً سافرًا في عمل القضاء ويتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات وتعارض مع المواد الدستورية التي تحفظ للمرأة كرامتها وتحفظ للمواطن حقوقه من منطلق انسانيته وتحافظ على هويته الوطنية .

 تفكك اسري

ورفضت سفيرة الطفولة الدكتورة زينة القره غولي تعديل قانون الاحوال الشخصية، لانه سيسبب تفككا أسريا ويؤدي بجيل كامل من الاطفال بدون حقوق، وقالت: “نرفض مشروع تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ الذي سيرجعنا قروناً الى الوراء وسيضيع حقوق الطفولة ويشجع زواج القاصرات”.

 واضافت: “ ان هذه التعديلات تعزز من الطائفية وتستبدل سلطة القضاء العراقي بمنح صلاحيات لمراكز الافتاء لاتمام معاملات الزواج والطلاق وكل ما يخص الاسرة العراقية كل حسب مذهبه، وكذلك يجيز هذا التعديل زواج الاطفال بعمر تسع سنوات!!! بالاضافة الى اجازة الزواج خارج المحكمة وهذا سيسبب تفككا أسريا ونشوء جيل كامل من الاطفال بدون حقوق!

نكسة قانونية واجتماعية كبيرة

 من جهته، اوضح القاضي رحيم العكيلي سلبيات التعديل قائلا: “ لو مرر مجلس النواب التعديل المقترح بشكله الحالي فسيكون نكسة قانونية واجتماعية كبيرة للعراق ولتاريخه التشريعي في ميدان حقوق المرأة، وتراجعا عن التزامات العراق الدولية بموجب الاتفاقيات التي صادق عليها.

واضاف: “من بعض الاثار المتصورة لتعديل قانون الاحوال الشخصية في العراق ،اولا:- تشتيت النظام القانوني للاحوال الشخصية لمسلمي العراق بعدد مذاهبهم الكثيرة جداً، فرغم ان القانون اراد اخفاء هذا التشتت بان جمعها تحت مسمى(الشيعي والسني)، ولكننا نعلم بان الشيعة في العراق شيعا بقدر علمائهم الحاليين، ففيهم السيستاني والصرخي والصدري..الخ، اما السنة فيهم الحنفية والشافعية والحنابلة ولا ادري ان كان لدينا من يتبع المذهب المالكي، وثانياً: ان القانون يتجاوز بالكامل ويخرق التزامات العراق الدولية بموجب اتفاقيات صادق عليها كاتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة ؛ فاذا اقر القانون فانه سيشكل تراجعاً تشريعياً كبيراً للعراق في ميادين حقوق الانسان وانصاف المرأة والمساواة ومنع التمييز بسبب الجنس امام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، وثالثا:ان التوجه الذي يتبناه القانون هو نكوص للخلف بخلاف ما تبناه اقليم كردستان من تشريعات تعتبر رائدة في المنطقة في ما يتعلق بحقوق المرأة؛ ولا يخفى ما سيرتبه ذلك من اثار خطيرة في تفاوت البيئة القانونية للاحوال الشخصية بين اجزاء العراق المختلفة لان التفاوت سيكون كبيرًا جدًا بين الاقليم وباقي اجزاء العراق.

 واضاف: “ان اقرار القانون سوف يؤدي لاحقًا لعزوف الناس عن المذاهب والاديان ويزيد نقمتهم عليها وعزوفهم عنها اكثر مما هم ناقمون منها حاليًا بسبب المتاجرة السياسية بها حالما يكتشفون اثار تطبيق المذاهب على حقوق بناتهم، فلن يقبل الشيعة ولا السنة باطلاق جمع اربع زوجات على بناتهم بلا قيد او شرط، ولا بزواج المتعة للمتزوجين فوق زوجاتهم الاربع، ولا بحرمان الزوجة من ارث زوجها في الاراضي، ولا بمنح حضانة الاطفال للاب وحرمان الام منها، ولا بالدخول على القاصرات في عمر التاسعة وغيرها من الاحكام التي تضر بمصالح البنات والزوجات؛ وهذه كلها اثار وتغييرات سيرتبها اصدار هذا القانون، ولن يفيد مع الناس حينها لغة اخضاعهم بحجة ان هذه احكام الله، لان مصالح الناس حينما تتضرر فلن تنفع معهم تلك اللغة.

خرق لمبدأ الفصل بين السلطات

بدورها، اكدت النائبة شروق العبايجي ان الجميع متابع لمخاطر واضرار تعديل قانون الاحوال الشخصية النافذ رقم 88 لسنة 1959 الذي حافظ على وحدة النسيج العراقي طوال هذه السنوات، القانون يتضمن مخالفة دستورية واضحة كما انه يحيل الاحوال الشخصية الى الاوقاف رغم انه في كل دول العالم هي قضية قانونية لتنظيم امور المجتمع، وهذا خرق لمبدأ الفصل بين السلطات.

واضافت : “ الزواج من القاصرات وغيرها من امور فيها تعدٍ على حقوق المرأة ومن بينها وضع الحق للرجل لتحديد طبيعة الزواج وهذا ينافي مبادئ حقوق الانسان والقضاء العراقي فستكون لكل عائلة ولكل زوج تفسيراته الخاصة وحسب رغبة رجل الدين الذي لا نعرف مواصفاته كي نعطيه هذه السلطة والصلاحية لتنظيم امور احوال الناس الشخصية وامور الزواج”. 

 وتابعت : “مقترح القانون مرفوض من اغلب النواب من حيث المبدأ لكونه يخرق القانون والدستور ويمزق النسيج المجتمعي، لكن ارادة سياسية لهيئة الرئاسة تجعلها تمرر ما تريده خلافًا لمبادئ الديمقراطية ولمصلحة الشعب”.

جريمة سياسية 

من جهته، اكد الكاتب مشرق عباس ان عدم وجود اسباب موجبة لتعديل أي قانون فإن تعديله يعد جريمة سياسية، وقال: “هناك اصرار حزبي مريب على طرح التعديلات على هذا القانون في كل ازمة ومحاولة تمريرها”.

واضاف: “ ليس هناك اي ضرر حقيقي ثقافي او ايدلوجي او مالي او اجتماعي او ديني يفرضه قانون الاحوال الشخصية المدني الحالي ويستوجب تعديله، فيما هناك اضرار وجروح عميقة في بنيان الدولة لاتستدعي المروءة السياسية لمعالجتها والتصدي لها وسد ثغراتها قانونا”.

وتابع: “ عندما لاتكون هناك اسباب موجبة لتعديل أي قانون، فإن تعديله يعد جريمة سياسية. واستئثار واستثمار وغيلة، والاسباب الموجبة في التعديل لابد ان تنسجم مع اسس الدستور العراقي”.

اسوأ القوانين الوضعية

‏الى ذلك اكد الكاتب جبار فشاخ داخل‏ ‏‏أن تمرير التعديل الجديد من أسوأ القوانين الوضعية، وقال: “ يعتبر قانون الأحوال الشخصية 188 لعام 1959 الذي شرعته حكومة ثورة 14 يوليو الوطنية، من أعظم وارقى القوانين التقدمية في منطقة الشرق الاوسط، فهذا القانون يحافظ على كرامة وأدمية المواطن العراقي والعائلة العراقية، وقد أثار حساسية المرجعية الدينية التي ثارت ثائرتها ونصبت العداء للثورة وقيادتها الوطنية”.

واشار الى ان الأحزاب المتأسلمة الرجعية ظلت تتحين الفرص المؤاتية لإلغاء ذلك القانون، إلى أن تمكنت مؤخراً وعبر برلمانها من تمرير قانونها الجديد الذي هو من أسوأ القوانين الوضعية وأشدها سوداوية، وامتهان لكرامة المواطن العراقي.