برلين: احتفلت روسيا بالذكرى المئوية لثورة أكتوبر هذا الشهر بمشاعر متناقضة. ففي نوفمبر قبل 100 عام سيطر البلاشفة بقيادة فلاديمير لينين على السلطة. ويمكن القول مجازاً إنها كانت ثورتين في ثورة واحدة. ودخل يوم 7 نوفمبر 1917 أو 25 أكتوبر بالتقويم القديم التاريخ بوصفه ثورة أكتوبر ومولد أول دولة اشتراكية في العالم وانتصار نظام جديد. 

لعل كلمة "احتفال" ليست المفردة الصحيحة بعد كل ما أُهرق من دماء والأنسب أن نقول إن روسيا أحيت ذكرى ثورة أكتوبر لأن اهتمامها بالمناسبة لا يرقى الى مستوى أهم حدث شهده القرن العشرون، حدث غيَّر العالم بأكمله. 

الغريب أن الثورة حاضرة في روسيا بوتين اليوم. وهي شبح يحتاجه الكرملين ويخافه ايضاً. فالقيادة الروسية تنظر الى كل تظاهرة ضد بوتين على انها دعوة الى ثورة عنيفة مدفوعة بقوى خارجية. والسبب ان سلطة بوتين تعتمد على بقاء الاحتجاجات غير مرئية كي لا تتطور الى ثورة كما حدث في بلدان مجاورة مثل اوكرانيا. 

تبدأ قصة الثورة كما يراها الكرملين مع بيوتر ستوليبين الذي كان الأكفأ بين رؤساء وزراء القيصر الروسي. وينظر بوتين الى ستوليبين على انه تحديثي سلطوي أساء الديمقراطيون فهمه لأنه كان يريد تطوراً تدريجيا وليس ثورة، وكان يريد دولة قوية ايضاً. بكلمات أخرى ان بوتين يرى نفسه في ستوليبين. 

سجالات محتدمة

كان ستوليبين الذي تولى رئاسة الحكومة في عام 1906 مكروهاً من الليبراليين وغير محبوب من القياصرة وقتله ارهابيون في كييف عام 2011، لكنّ مؤرخين يرون انه حتى ستوليبين لم يكن قادراً على منع الثورة، مشيرين الى انه، على غرار ميخائيل غورباتشوف بعده، كان ضحية محاولته التوفيق بين النخب القديمة والمعارضة الراديكالية للنظام المنخور من الداخل. 

بدلا من الاحتفالات اتسمت الذكرى المئوية لثورة أكتوبر بسجالات محتدمة، في حين ان الشعار الرسمي للمناسبة هو "المصالحة". ويبين التشديد على المصالحة عمق الانقسام في المجتمع الروسي اليوم. 

وقال الكاتب الشيوعي الروسي الكسندر بروخانوف إن المجتمع السوفيتي السابق انقسم الى "ثلاث صفائح جليدية طافية" هي الليبراليون الذين انتصروا في عام 1991 والحمر الذين هُزموا في عام 1991 والملكيون البيض الذين كانوا الخاسرين في عام 1917. ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي تطفو هذه الصفائح الجليدية الثلاث حول بعضها البعض. 

وبحسب بروخانوف، فإن الرئيس بوتين الذي لديه قواسم مشتركة مع الاتجاهات الثلاثة يحاول ان يمنعها من الاصطدام بأحدها الآخر. الليبراليون وحدهم الذين لن ينسوا صيف الحرية بين ثورة فبراير الوطنية الديمقراطية التي تكللت بحكومة الكسندر كيرنسكي، وثورة أكتوبر بقيادة البلاشفة. 

امبراطورية افتراضية

ثم هناك الملكيون الذين يعارضون الحمر والليبراليين بقدر متساوٍ ومنهم قادة الكنيسة الارثذوكسية. والاتجاه الثالث هو اليساريون الذي تذهب بعض التقديرات الى انه قد يكون التيار الأكبر. وتشير استطلاعات الى ان غالبية الروس يعتقدون ان لينين قام بدور ايجابي اساساً في التاريخ. ولكن اليسار الروسي بلا صوت مقنع. فالحزب الشيوعي الوريث غير الرسمي لتراث لينين أُحيل نادياً لكبار السن. 

بوتين نفسه لا ينعى الاتحاد السوفيتي الذي نشأ فيه بل يندب عظمة امبراطورية أزلية. ويكتب الصحافي ميخائيل زيغار "ان امبراطورية بوتين امبراطورية افتراضية متخيلة تجمع بين سمات الاتحاد السوفيتي والمسيحية الارثذوكسية الروسية والسيادة والشعبوية وجوزيف ستالين والنصر في الحرب العالمية الثانية ورحلة يوري غاغارين في الفضاء وقصور كاترين الكبرى". 

بوتين لا تهمه الانجازات الاجتماعية للنظام الاشتراكي ولا الجرائم السياسية لروسيا الستالينية. همه الوحيد هو الدولة بوصفها قيمة مجردة. والامبراطورية الوحيدة التي ينعاها بوتين لا توجد إلا في الخيال ولا توجد إلا حين تُقمع الذكريات الحقيقية لذلك الانفجار التاريخي الذي حدث في عام 1917. ولكن بوتين ليس وحده الذي ينعى الامبراطورية بل هناك كثيرون يشاركونه حلمه في توحيد نصفي التاريخ الروسي الذي انشطر في عام 1917.

أعدّت "إيلاف" هذه التقرير بتصرف عن "شبيغل اونلاين". الأصل منشور على الرابط التالي:

http://www.spiegel.de/international/world/russia-s-difficult-relationship-with-the-october-revolution-a-1175652.html