أعلن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الأربعاء من بيروت تريثه في المضي رسميًا باستقالته، بعد نحو ثلاثة أسابيع على اعلانها بشكل مفاجئ في الرياض، ليفسح بذلك المجال أمام المزيد من المشاورات بشأن القضايا الخلافية تلبية لطلب الرئيس ميشال عون.

إيلاف من بيروت: عاهد الحريري المئات من مناصريه الذين احتشدوا بعد الظهر أمام دارته في وسط بيروت احتفالاً بعودته، بالبقاء معهم واكمال مسيرته حفاظاً على "استقرار" لبنان.

أثارت استقالة الحريري في الرابع من الشهر الحالي صدمة كبيرة لدى حلفائه وبيته الداخلي كما لدى خصومه، ورفض عون قبولها رسمياً قبل عودته الى بيروت بعد بقائه أسبوعين في الرياض.

وقال الحريري في خطاب تلاه من القصر الرئاسي بعد خلوة عقدها مع عون "لقد عرضت اليوم استقالتي على فخامة الرئيس، وقد تمنى عليّ التريث في تقديمها، والاحتفاظ بها لمزيد من التشاور في أسبابها وخلفياتها السياسية فأبديت تجاوباً مع هذا التمني".

وبحسب الخبير الدستوري اللبناني إدمون رزق، فإن قرار الحريري يعني أنه "مستمر في مهامه، لأن التريث يعني تعليق الاستقالة". أضاف لوكالة فرانس برس "طالما أن رئيس الجمهورية لم يقبلها، فلا تعتبر الاستقالة ميثاقية".

وفي بيان استقالته الذي بثته قناة العربية السعودية في الرابع من الشهر الحالي، وجّه الحريري انتقادات لاذعة الى كل من إيران وحزب الله، أبرز مكونات حكومته. واتهم الأخير بفرض "الأمر الواقع" وعدم الالتزام بمبدأ "النأي بالنفس" عن النزاعات في المنطقة خصوصاً في اليمن وسوريا.

وجدد الحريري الأربعاء تمسكه "بوجوب الالتزام بسياسة النأي بالنفس من الحروب وعن الصراعات الخارجية والنزاعات الاقليمية"، آملاً أن يشكل قراره "مدخلاً جدياً لحوار مسؤول" من شأنه أن "يعالج المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب".

ومساء، التقى الحريري رئيس مجلس النواب نبيه بري. وصرح بعد اللقاء "ساقوم بمشاورات، وفخامة الرئيس سيقوم بمشاورات". وقال ان "النأي بالنفس يجب ان يكون على الجميع، وليس على فريق واحد (...) هذا الامر من شأنه ان يحسن علاقاتنا مع اشقائنا العرب".

معالجة المسائل "الخلافية
وأكد الحريري تطلعه الى "شراكة حقيقية من كل القوى السياسية في تقديم مصلحة لبنان العليا على أي مصالح أخرى". وأبدى حزب الله استعداداً للتفاهم مع الحريري. وقال أمينه العام حسن نصرالله الإثنين "بالنسبة إلينا ليس مستقيلاً.. ونحن منفتحون على كل حوار وكل نقاش".

صدرت مواقف الحريري الأربعاء بعد حضوره ورئيس الجمهورية ورئيس البرلمان نبيه بري عرضاً عسكرياً في وسط بيروت لمناسبة الذكرى الـ74 لاستقلال لبنان، قبل أن ينتقل الثلاثة الى القصر الرئاسي لعقد خلوة والمشاركة في حفل استقبال رسمي بالمناسبة.

وأطل الحريري الأربعاء أمام مناصريه الذين توافدوا الى دارته في وسط بيروت، حيث رفعوا صوره ورايات تيار المستقبل الزرقاء مرددين هتافات "بالروح بالدم نفديك يا سعد". وأعرب في خطاب ألقاه أمامهم عن امتنانه لوفائهم. وقال "أنا باق معكم وسأكمل (مسيرتي) معكم.. لنكون خط الدفاع عن لبنان وعن استقرار لبنان وعن عروبة لبنان".

وقال منسق التيار في عكار نبيل الحولي (52 عاما) لفرانس برس من أمام دارة الحريري "جئت تأييداً للشيخ سعد ولكل ما قام به من أجل استقرار البلد" معتبراً أن "القرار الذي اتخذه اليوم إيجابي". وأكدت هلا (32 سنة) وهي تحمل راية زرقاء أن "عودة الرئيس الحريري تعني وحدة البلد بعدما تمكن من أن يجمع لبنان".

جهود للتهدئة 
وكان الرئيس اللبناني رفض قبول استقالة الحريري التي تعد سابقة في الحياة السياسية اللبنانية، إذ يقضي العرف بأن يتسلم رئيس الجمهورية الاستقالة خطياً من رئيس الحكومة خلال لقاء يجمعهما.

ودعا عون في خطاب وجّهه مساء الثلاثاء في ذكرى الاستقلال اللبنانيين الى الحفاظ على وحدتهم. ولطالما شكل لبنان البلد الصغير الذي يقوم نظامه السياسي على تقاسم السلطة وفق حصص طائفية وعلى "ديموقراطية توافقية"، ساحة تجاذبات بين القوى الإقليمية وخصوصاً سوريا، السعودية وإيران. 

وصدر اول رد فعل دولي من فرنسا التي قال وزير خارجيتها جان ايف لودريان الاربعاء "بات من المهم الان العمل للتوصل الى اتفاق سياسي يتيح للبنان، البلد الغالي علينا، ان يحظى بالاستقرار وبافق يكون طويل الامد". كما تطرق الوزير الفرنسي الى الدور الذي تقوم به بلاده في لبنان، معتبرا انه "اتاح خفض التوتر".

وترى مديرة مركز كارنيغي للأبحاث في الشرق الاوسط مهى يحيى في تصريحات لفرانس برس أن "العديد من الدول" دخلت على خط التهدئة، مضيفة "بالتأكيد بذلت جهود لتهدئة الأمور قليلاً ولمحاولة إفساح المجال أمام حصول نقاشات أو مفاوضات خلفية". وتعرب عن اعتقادها بأن "المجتمع الدولي يدرك جيداً أنه لا مصلحة لأحد في وجود دولة أخرى غير مستقرة في المنطقة".