«إيلاف» من بيروت: يبذل العلماء الصينيون في بكين جهودًا حثيثة لانقاذ البشر من الانقراض، وهدفهم جمع كميات هائلة من البيانات الوراثية من المواطنين الصينيين وتحليلها للمساعدة في كشف أسباب الأمراض، من السرطان إلى الفصام، وتمهيد الطريق أمام العلاجات الجديدة الناجعة. ويأمل هؤلاء العلماء في التعرف على التغييرات الإحيائية، أو الخلل في الجينات، التي تسهم في حصول المرض، ثم إضفاء طابع شخصي على الدواء استنادًا إلى المخطط الوراثي لكل فرد، وهذا حقل ناشئ ومربح يعرف باسم "الطب الدقيق".

جعل الرئيس الصيني شي جين بينغ هذا الابتكار العلمي محور أهدافه الوطنية. وفي هذه الحالة، يمثل العلماء في جامعة سيتشوان التي تديرها الدولة في تشنغدو جزءًا من خطة وطنية لفك التركيبة الوراثية لما لا يقل عن مليون مواطن صيني. ويهدف البرنامج الذي يكلّف مليارات عدة من الدولارات إلى جعل الصين فى طليعة ميدان الطب الذي يهيمن عليه الغرب حاليًا.

سباق بين الدول

تراهن الصين على أنها قادرة على تحقيق هدف جمع البيانات بحلول عام 2020، أي قبل عامين من توقع الولايات المتحدة تحقيق نفس الهدف، على الرغم من أن الولايات المتحدة كشفت عن مبادرة "الطب الدقيق" قبل أكثر من عام، أي في مارس 2016. وهناك بلدان أخرى بينها المملكة المتحدة وفرنسا وقطر، تسعى إلى تنفيذ برامج أصغر حجمًا.

قال خان كيمين، وهو عالم شارك في صوغ الخطة الصينية: "هذا الأمر قادر على وضعنا على حدود الطب الحديث".

تجدر الإشارة إلى أن النجاح قد يدرّ أرباحًا ضخمة في مجال الصحة العامة من خلال توجيه المرضى إلى الأدوية التي تلائم احتياجاتهم، ما يخفض الفاتورة الصحية الحكومية.

وبحثًا عن طرائق جديدة لعلاج الأمراض، بما فيها السرطان والسكري، يجمع العلماء في جميع أنحاء العالم عينات جينية لدراستها. وتراهن الصين على أنها قادرة على رسم جينات المواطنين بشكل مفصّل، وبناء قاعدة بيانات أسرع من غيرها، إذ استعجلت جمع العينات الجينية من الناس، بينما لا تزال الولايات المتحدة تعدّ البنية التحتية اللازمة لبدء هذه العملية رسميًا. مع ذلك، فإن عجلة الصين تتجاوز قدرتها على استخلاص التفاصيل الإجرائية الأساسية، مثل مكان تخزين البيانات التي يتم جمعها من المشاركين.

اختلاف في الحقوق

توجد اختلافات صارخة بين حقوق المشاركين في الصين مقارنة بها في دول أخرى. في الغرب، يمكن أن تؤدي المخاوف بشأن خصوصية المرضى والسيطرة على البيانات والخشية من التمييز في معاملة صاحب العمل للموظفين إلى زيادة صعوبة إقناع الناس بتسليم عيناتهم الوراثية للبحث. هذه القضايا نادرًا ما تظهر في الصين.

قال شي هو بينغ، وهو استاذ يقود الدراسة فى مستشفى غرب الصين بجامعة سيتشوان: "نادرًا ما يقول المرضى لا لأطبائهم، ويعتبرون ذلك بمثابة القيام بخير اجتماعي".

أضاف: "بينما يتم الحصول على موافقة المتطوعين قبل سحب العينات، فإن معظم المشاركين يوافقون ولا يتوقعون الكثير فى المقابل، ولا يمكننا أن نعد بمشاركة أي شيء معهم. في هذه المرحلة، نحن أنفسنا لا نعرف ما يمكن أن نجد في أبحاثنا".

في الضفة الأخرى، تخطط الولايات المتحدة لمشاركة النتائج الشخصية مع المشاركين في الدراسة البحثية، الذين سيحصلون أيضًا على نتائج الجماعية للدراسة التي يشاركون فيها.

لكلّ داء دواؤه

شي هو من بين أول دفعة من العلماء الذين حصلوا على منحة للمشاركة في الجهود الصينية في هذا المجال. ويشكّل عدد سكان البلاد البالغ 1.4 مليار نسمة مصدرًا هائلًا للعلماء الذين يدرسون السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والاضطرابات العصبية في المقام الأول. ويتم استخلاص العينات بشكل منفصل من المتطوعين الأصحاء ليتمكن العلماء من رسم خرائط المجموعات الإثنية المختلفة وفهم ما إذا كانت المجموعة أكثر عرضة لمرض معين.

في مستشفى غرب الصين، يركز فريق شي هو على استخراج أنسجة الورم وعينات أخرى من مرضى سرطان القولون. تُوضّب العينات في جليد جاف وتُنقل جوًا إلى بكين، حيث تقوم جامعتان حكوميتان أخريان بتحليلها باستخدام أجهزة التسلسل، أي الآلات التي تكسر المعلومات الوراثية لتصبح رموزًا قابلة للقراءة. ويحاول العلماء استنتاج أي تغييرات جينية، وأي جينات، ساهمت في حصول كل مرض ليتمكنوا من تصميم عقاقير مخصصة لمعالجتها.

المخطط الوراثي ضروري

من الممكن أن ينجم نفس المرض عن تغييرات جينية مختلفة، وفي جينات مختلفة، ما يؤكد الحاجة إلى تخصيص العلاج استنادًا إلى مخطط وراثي للمريض. ويتطلب تصميم مثل هذه العلاجات الدقيقة مجموعة ضخمة من البيانات الجينية التي يمكن العلماء استخراجها لتحديد الأنماط.

يقدر شي هو أن رسم أنماط قاطعة والتحقق من النتائج المحتملة سيستغرق حتى عام 2020، وبعد ذلك، فإن شركة Peptide Co. الصينية، وهي شركة أدوية محلية، ستحاول استخدام بحوثه لتطوير أدوية جديدة لسرطان القولون، وهي عملية معقدة من شأنها أيضًا أن تستغرق سنوات، برأيه.

مستشفى غرب الصين هو واحد من عشرات المؤسسات التي تجمع البيانات الوراثية. وتشير الوثائق التي استعرضتها صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن الحكومة الاتحادية منحت حتى الآن أكثر من 100 مشروع من هذا القبيل أكثر من 200 مليون دولار، كل منها يقوده عالم مختلف.

تخزين البيانات الجينية

لم تقرر الصين المكان الذي يجب أن يُرسل إليه تحليل البيانات، ما اضطر جامعة تسينغهوا في بكين إلى شراء المزيد من مساحات التخزين، علمًا أن كل رمز وراثي للإنسان يأخذ غيغابايتات عدة من التخزين.

تلتزم الصين إنفاق أكثر من 9 مليارات دولار لتنفيذ برنامجها حتى عام 2030، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام الرسمية. وفي الولايات المتحدة، منح الكونغرس وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، المشرفة على الهيئات الرئيسة التي تقود الحملة حتى الآن 527 مليون دولار. ويرتبط التمويل المستقبلي بالميزانية الاتحادية السنوية.

قامت المعاهد الوطنية للصحة، المسؤولة عن جمع عينات من مليون مواطن أميركي في الأقل، بإجراء اختبار صغير، وستبدأ رسميًا في تجنيد المشاركين في هذا العام.

لفت اريك ديشمان، رئيس برنامج المعاهد الوطنية للصحة، إلى إنّهم لا يبدأون بالتنفيذ على الفور، بل يتأكدون من أن أنظمتهم جاهزة قبل الانطلاق على الصعيد الوطني.

كما سيدرس الباحثون الأميركيون عوامل أخرى، مثل الضرر الناجم عن التدخين الذي يمكن أن يؤدي إلى تغييرات جينية ويسبب المرض. وبحسب ديشمان، سيتم رصد النظام الغذائي للمشاركين، وممارستهم الرياضة وأنماط حياتهم من خلال تقنيات ذكية قابلة للارتداء. 

تنجح إذا...

في الصين التي لم تعلن عن خطط لمراقبة نمط حياة المشاركين، فك الرموز الجينية هو "نوع من الهوس"، بحسب ديشمان الذي أضاف: "هذا نوع مهم جدًا من البيانات، لكنّه لا يستطيع وحده إعطاء كل الأجوبة".

لن تنجح حملة "الطب الدقيق" في بكين إلا إذا كانت تترجم إلى عقاقير جديدة أو اكتشافات أخرى تحسّن طريقة فهم العالم للمرض. لكن، من دون مستودع مركزي، يتم تقليل إمكانات استخراج البيانات إلى حد كبير بحيث لا يمكن الباحثون المقارنة بين العينات التي استخرجها أقرانهم.

لم يبلّغ العلماء الذين يجمعون البيانات للحكومة الصينية عن مكان تحميلها. وبدلًا من ذلك، تقوم الجامعات بضغط المعلومات الجينية على خوادمها الخاصة. وتخطط الولايات المتحدة لتحميل جميع بياناتها على خادم سحابي تديره غوغل.

وأشار زان، مهندس المشروع الصيني، إلى أن "هذه السحب الكبيرة لا يمكن أن تبنيها الحكومة". ومع ذلك، على بكين أن تقرر كيف ستمركز بياناتها.

 

 

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "وول ستريت جورنال". الأصر منشور على الرابط التالي:

https://www.wsj.com/articles/china-rushes-to-surpass-u-s-in-decoding-citizens-genes-1505899806