إيلاف من لندن: قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية اليوم إن حكومة العراق وحكومة إقليم كردستان تجريان آلاف المحاكمات للمشتبهين بالانتماء لتنظيم داعش دون استراتيجية لمنح الأولوية لأسوأ الانتهاكات بموجب القانونين العراقي والدولي موضحة أن هناك 7374 شخصا يواجهون اتهامات الانضمام للتنظيم.

وأشارت المنظمة في تقرير اصدرته الثلاثاء واطلعت على نصه "إيلاف" إلى أنّه من المرجح أن يحرم النهج المتبع في المحاكمات العشوائية والانتهاكات الكثيرة للإجراءات الواجبة، ضحايا أسوأ الانتهاكات أثناء سيطرة داعش على مناطق بالعراق من العدالة. 

وقالت إن "السلطات تتابع جميع المشتبه فيهم المحتجزين للانتماء لتنظيم داعش دون التركيز على الجرائم أو الأعمال المحددة التي ربما تكون قد ارتكبت". وقالت انه منذ عام 2014 حين احتل تنظيم داعش مساحات واسعة من العراق هناك 7374 لائحة اتهام و92 عملية إعدام بموجب قانون مكافحة الإرهاب.

عدالة منقوصة

ويبحث التقرير الصادر في 57 صفحة، بعنوان "عدالة منقوصة: المحاسبة على جرائم "داعش" في العراق"، في الفحص والاحتجاز والتحقيق والمقاضاة لبعض من آلاف المشتبهين بالانتماء للدولة الإسلامية في العراق. 

وتوصلت هيومن رايتس ووتش لوجود أوجه قصور قانونية جسيمة تقوّض جهود تقديم مشتبهي داعش إلى العدالة والأهم من ذلك، أنه لا توجد استراتيجية وطنية لضمان إجراء محاكمات موثوقة للمسؤولين عن أكثر الجرائم خطورة. 

وأوضحت أنه يمكن للملاحقات القضائية الواسعة، بموجب قوانين الإرهاب، لجميع المنتمين لداعش بغض النظر عن الصلة بالتنظيم، أن تعرقل جهود المصالحة والإدماج المجتمعية لاحقا، وأن تؤدي إلى إعاقة المحاكم والسجون العراقية لعقود.

غياب ظهور أمة يحكمها القانون

وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "تَعامُل العراق مع محاكمات داعش يفوت فرصة لأن تُظهر الحكومة لشعبها وللعالم ولداعش أنها أمة يحكمها القانون والعدالة وإجراءات التقاضي السليمة، وأنها قادرة على محاسبة المسؤولين عن أخطر الجرائم وعلى تحقيق المصالحة في جميع المجتمعات المتضررة من هذه الحرب. لا يميز القضاء العراقي بين الأطباء الذين حموا أرواح الناس تحت سيطرة داعش والذين يتحملون مسؤولية الجرائم ضد الإنسانية".

وأشارت المنظمة إلى أنّه سيتم عرض التقرير على المسؤولين الحكوميين في لقاءات في كل من إربيل وبغداد وهو يستند إلى معلومات تم جمعها في إربيل بمحافظة نينوى وبغداد، من نوفمبر 2016 إلى يوليو 2017. زار الباحثون سجونا بها الآلاف من مشتبهي داعش ومحاكم في نينوى وبغداد وإربيل، حيث كانت تنعقد أغلب المحاكمات، وقابلوا بعض كبار المسؤولين العراقيين ومسؤولين بحكومة إقليم كردستان. كما قابلت هيومن رايتس ووتش ما لا يقل عن مئة عائلة من عوائل مشتبهي داعش والعشرات ممن تعرضوا لانتهاكات جسيمة على يد التنظيم أو فقدوا أحباء لهم بسبب هذه الانتهاكات، وأجرت مقابلات أيضا مع ممثلين عن منظمات غير حكومية دولية تنشط بمجال العدالة في العراق ومحامين محليين وخبراء قانونيين آخرين.

واضافت هيومان رايتس ووتش إلى أنّها توصلت إلى أنه ليس لدى حكومة العراق أو حكومة الإقليم استراتيجية وطنية لتقديم أولوية المحاكمات الخاصة بالمسؤولين عن أسوأ الانتهاكات، أو لنسب اتهامات تعكس الجرائم العديدة والمتنوعة التي ارتكبها أعضاء في تنظيم داعش. يبدو أن السلطات تحاكم جميع مشتبهي داعش الذين تحتجزهم بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، في المقام الأول، بتهمة العضوية في التنظيم، دون التركيز على أعمال أو جرائم بعينها ربما ارتكبوها.

7374 يواجهون اتهامات الانضمام لداعش

وحددت هيومن رايتس ووتش وجود 7,374 شخصا على الأقل يواجهون هذه الاتهامات منذ 2014، حُكم على 92 منهم بالإعدام وأُعدموا بالفعل. يُقدر الباحثون أن إجمالي عدد المحتجزين للاشتباه بالانتماء لداعش لا يقل عن 20 ألف شخص، بناء على معلومات قدمها مسؤولون حكوميون.

وتثير أبحاث هيومن رايتس ووتش بواعث القلق حول سلامة الإجراءات الواجبة فيما يخص عملية فحص الأفراد المغادرين لمعاقل داعش، بما يشمل إجراءات التدقيق في قوائم المشتبهين التي أعدتها قوات محلية. قد يواجه من تم التعرف عليهم بالخطأ كمشتبهين الاحتجاز التعسفي لشهور.

احتجاز الدواعش في ظروف "لاانسانية"

وقالت هيومن رايتس ووتش إنها وجدت ان القوات العراقية احتجزت مشتبهي داعش في ظروف من الازدحام الشديد وأحوال لاإنسانية في بعض الحالات، ولم تفصل بين الأطفال والبالغين. تجاهل المسؤولون حقوق سلامة الإجراءات القانونية، وتشمل الضمانات المكفولة في القانون العراقي بإحالة المحتجزين إلى قضاة خلال 24 ساعة من توقيفهم، حق الحصول على محامين أثناء فترة الاستجواب، إخبار الأهالي بالاحتجاز، والسماح للعائلات بالتواصل مع المحتجزين. كما زعم محتجزون بأن السلطات عذبتهم لانتزاع اعترافاتهم بالعضوية في داعش.

واوضحت ان قوانين مكافحة الإرهاب الفضفاضة التي تستخدمها الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان في ملاحقة مشتبهي داعش، سمحت للقضاة باتهام أفراد غير ضالعين في أعمال عنف بعينها، لكن يُزعم فقط أنهم أعضاء في داعش أو مرتبطين بالتنظيم. بينهم أفراد تناقلت التقارير أنهم عملوا في مستشفيات أدارها التنظيم أو عملوا كطهاة للمقاتلين. تنص قوانين مكافحة الإرهاب على عقوبات مغلظة، تشمل السجن المؤبد والإعدام، حتى في تهمة العضوية في داعش.

وأضافت أن اتهام مشتبهي داعش بمخالفة قوانين مكافحة الإرهاب - بدلا من توجيه اتهامات محددة بموجب قانون العقوبات - هو عادة أسهل للإثبات، لا سيما في الجرائم التي وقعت في خضم فوضى الحرب. لكن هذا يُصعّب تقديم الأولويات ومعاقبة المسؤولين عن الجرائم الأخطر، وإعداد سجل قضائي مستفيض بجميع الجرائم التي ارتكبها داعش في العراق. كما لم تبذل السلطات جهودا لضمان مشاركة الضحايا في المحاكمات، ولا حتى المشاركة كشهود.

قانون العفو

واضافت المنظمة ومقرها نيويورك انه يمكن أن يستحق مشتبهو داعش الذين يظهرون أنهم انضموا للتنظيم رغما عنهم ولم يشاركوا في انتهاكات محددة، العفو بعد الإدانة، بموجب قانون العفو العام الصادر في أغسطس 2016 (رقم 27/2016)، لكن قضاة العراق لا يطبقون القانون بشكل متسق. لم تُصدر حكومة إقليم كردستان قانونا للعفو عن مُداني أو مشتبهي داعش، وقال ناطق باسم حكومة الإقليم إنه لا يجري النظر في قانون كهذا حاليا.

الاولوية لمحاكمة مرتكبي أخطر الجرائم

ودعت المنظمة السلطات إلى إيلاء الأولوية لمقاضاة من ارتكبوا أخطر الجرائم، بما يمثّل جميع الجرائم المرتكبة، مع السعي لبدائل للملاحقة القضائية، مثل المشاركة في آليات وطنية لكشف الحقيقة، بالنسبة لأعضاء داعش الذين كانت جريمتهم الوحيدة هي الانضمام للتنظيم.

وقالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات، في الحد الأدنى، أن تسقط الاتهامات عمن كان عملهم في ظل سيطرة داعش يسهم في حماية حقوق الإنسان الخاصة بالمدنيين، كالأفراد الذين قدموا الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية. بالنسبة للأطفال تحديدا، على السلطات النظر في أمر توفير بدائل للاحتجاز والملاحقة الجنائية، وأن تضع برامج للتأهيل والإدماج لمساعدتهم على العودة للمجتمع.

وأشارت ويتسن إلى أنّه "ليس قانون العفو العراقي بديلا عن استراتيجية وطنية توفر محاكمات نزيهة وتقدم بدائل للمحاكمة لمن لم يتورطوا في أعمال عنف داعش أو انتهاكات التنظيم الخطيرة. العراق بحاجة إلى خطة للمصالحة وكشف الحقيقة بقدر احتياجه لخطة للزج بأسوأ المجرمين وراء القضبان".