واشنطن: أدى توجيه الاتهام الى مايكل فلين مستشار الامن القومي السابق لدونالد ترمب الى تصعيد التوتر في واشنطن حيث يستعد البيت الابيض لامكان توجيه تهمة عرقلة القضاء الى الرئيس الاميركي نفسه.

وكان فلين أرفع مسؤول بين اربعة اشخاص تم حتى الان توجيه الاتهام اليهم في اطار التحقيق الذي يقوده المحقق المستقل روبرت مولر حول تواطؤ محتمل بين فريق ترمب الانتخابي في 2016 وبين موسكو واذا ما كان ترمب حاول عرقلة القضاء عند قيامه بطرد المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي ايه" جيمس كومي.

بسماحه لفلين مسؤول الاستخبارات الدفاعية السابق والمطلع على حملة ترمب بالاقرار بالذنب بتهمة بسيطة كالكذب على المحققين، فان مولر وجه رسالة بانه يعتزم المضي في تحقيقه أبعد في سلم السلطة السياسية.

لكن لا يزال من غير الواضح على من يركز تحقيق مولر (73 عاما) أو لاي غاية. اذ يحافظ المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي "اف بي آي" الذي يندر ظهوره علنا على السرية التامة مكتفيا بتلميحات ترد ضمن دعاوى قضائية كافية لاثارة الخوف حتى في البيت الابيض لكنها نادرة فيتعذر التكهن بتحركاته المقبلة.

وعلقت آشا رانغابا العميلة السابقة لدى "اف بي آي" والتي تحاضر الان في جامعة "يال" لموقع "بوليتيكو" ان "مولر وبعد موافقة فلين على الاقرار بالذنب وعلى التعاون مع المحققين ليس امامه سوى الانتقال الى مسؤولين أكبر".

محققون متمرسون

يتمتع المحققون المتمرسون في فريق مولر بخبرة خاصة في مجال تعقب الاموال عبر متاهات التمويل الدولية، وب"قلب" الشهود ضد مرؤوسيهم والتعامل مع تحقيقات لمكافحة الارهاب.

ويعود لهذه المهارات الفضل في التوصل الى توجيه الاتهامات حتى الان. ففي 30 تشرين الاول/اكتوبر، وجه مولر الى المدير السابق لحملة ترمب الانتخابية بول مانافورت ونائبه ريتشارد غيتس تهم التآمر وتبييض الاموال وجرائم مالية اخرى مرتبطة بعملهم مع السياسي الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش الموالي لموسكو.

في اليوم نفسه، وبشكل منفصل، اقر مستشار السياسة الخارجية في الحملة الانتخابية لترمب جورج بابادوبولوس بانه كذب على المحققين الفدراليين حول اتصالاته مع الكرملين.

يوم الجمعة الماضي، كشف مولر ان فلين وافق على التعاون مع التحقيق بعد ان تبين انه كذب حول فحوى محادثاته مع السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلياك في كانون الاول/ديسمبر 2016.

الهجوم من الاطراف

كل قضية تظهر ان مولر يبدأ من الاطراف حيث يجس مَواطن الضعف ويثير متعمدا الخوف لدى اهداف محتملين ويكسب شهودا في الوقت نفسه.

بابادوبولوس كان شخصية غير مهمة في حملة ترمب لكن الوثائق التي تضمنها قبوله التعاون تكشف انه بنى علاقات مع روس في لندن بعلم من مرؤوسيه في الحملة ودعم منهم.

وقال مولر ان بابادوبولوس اطلع مرؤوسيه على اتصالاته مع الروس لكنه لم يكشف اسماء الاشخاص الذين وُجهت اليه الرسائل الالكترونية أو حول ردودهم. وجاء في وثائق المحكمة انهم "مسؤولون كبار" في الحملة الانتخابية.

هناك أمران واضحان من قضية بابادوبولوس الاول ان اتصالاته تظهر نمطا من الالتزام مع روسيا من قبل الحملة الانتخابية وثانيا ان مولر يعلم من كان وراءها في الحملة.

رصد شهود محتملين

وبملاحقته مانافورت وغيتس بجرائم خطيرة من بينها تبييض نحو 75 مليون دولار، لكنها مرتبطة بشكل غير مباشر بالتحقيق الذي يقوده، يكون مولر قد حددهما بصفتهما شاهدين محتملين مستقبلا.

فكلاهما كانا في موقع يتيح لهما معرفة ما اذا كانت الحملة تقوم بالتنسيق مع روسيا عندما حصل التدخل في الانتخابات. كما ان مانافورت شارك في اجتماع موضع شبهات في حزيران/يونيو 2016 مع محامية روسية عرضت تقديم معلومات تضر بالمرشحة الديموقراطية آنذاك هيلاري كلينتون.

يبدو مولر في قضية فلين وكأنه يمضي في اتجاه آخر، وراء الاتصالات الروسية التي كذب هذا الاخير بشأنها بعد فوز ترمب.

لكن المحللين يقولون ان فلين يساعد مولر في ترسيخ قضيته على ثلاث جبهات: الاولى سيكون على فلين ان يزود مولر بمعلومات ذات قيمة ضد اشخاص آخرين اكثر اهمية يستهدفهم التحقيق ليضمن تخفيف العقوبة عليه.

ثانيا، سيتعين على فلين تأكيد ان الحملة كان لديها اتصالات ثابتة مع الروس، وايضا دون ذكر اي اسم بالتحديد. وتثير مستندات المحكمة التي قدمها فريق مولر الى اتصالات بين فلين و"مسؤول كبير" و"مسؤول كبير جدا" في الحملة حول محادثاته مع كيسلياك. وتؤكد الوثائق ان فلين كان يتحرك بتوجيه من الحملة الانتخابية. واوردت وسائل اعلام اميركية ان صهر ترمب ومستشاره المقرب جاريد كوشنر هو احد هؤلاء المسؤولين.

ثالثا، يمكن ان يشكل قيام ترمب بطرد فلين في فبراير مادة لاتهام الرئيس أو أشخاص آخرين بعرقلة القضاء. وهذه على الاقل الرسالة التي تلقاها البيت الابيض حتى الان بما ان مولر مصر على التزام الصمت.

وراى محامي ترمب جون داود انه من الضروري أن يبلغ موقع "اكسيوس" الاخباري أن الرئيس لا يمكن ادانته بعرقلة التحقيق لانه "كبير مسؤولي اجهزة تطبيق القانون (بموجب الدستور) ولديه كامل الحق في التعبير عن رأيه في أي قضية".

في المقابل، نفى ترمب "اي تواطؤ" على الاطلاق.