جسّد علي عبد الله صالح ذاك المثال الفاقع والنافر للشيء ونقيضه. في الحكم والسياسة، كما في التحالفات والانقلابات. حتى بدا بصورة المسلم المؤمن الذي يبني المساجد ويرتادها خاشعًا، ثم يعود ليكتنز الخمر ويحتسيه.

صنعاء: حين اقتحم المتمردون الحوثيون منزل علي عبد الله صالح في صنعاء لنهبه في 4 ديسمبر، وجدوا العديد من قناني الفودكا والعرق اللبناني الفاخر. ويفضح ما اكتنزه الرئيس الأسبق من الكحول حقيقة ظهوره يصلي أمام الناس والمسجد الكبير بمآذنه الست التي تظلل قصره. ولم يفاجئ ذلك احدًا ممن يعرفون أن صالح، بوصفه جبليًا من هضاب شمال اليمن، كان على الأرجح يحب احتساء كأس من الخمرة بعد جلسة قات في ساعات العصر.

آخرون سيتذكرون كيف ان صالح، حين كان ضابطًا شابًا مسؤولًا عن احدى نقاط التفتيش على الطريق الرئيسي الى تعز من البحر الأحمر، كان يسمح بمرور الويسكي المهرب من افريقيا إذا دُهنت راحته بما يكفي من الريالات، وقد أكسبه إغماض العين عن التهريب حلفاء نافعين بين تجار المنطقة.

كان صالح يحتاج الى هذه الألاعيب لأنه كان نكرة. إذ كانت عشيرته التي تتركز في منطقة السنحان ذات مرتبة متدنية لا ثقل لها في مجتمع يعج بالقبائل القوية المدججة بالكبرياء والسلاح. ولم تنجب عائلته شيوخًا ولم تكن قريته "بيت الأحمر" غنية بما فيه الكفاية لتمكينه من مواصلة دراسته في الكلية العسكرية، بل ساعده في ذلك شخص من الجنوب، وهذا ايضًا اثبت فائدته سياسيًا فيما بعد.

حيلة ومحسوبيات

اتضح ان هذا الضابط، صاحب اللكنة الشمالية الواضحة والخاتم الفضي القبلي الكبير، اقام شبكة علاقات واسعة اسهمت بقسطها في صعوده السريع الى السلطة، حيث تحوّل صالح من قائد وحدة دبابات إلى رئيس لليمن في عام 1978، واستمر بعد الوحدة مع الجنوب عام 1991، وظل خلال السنوات الـ21 التالية رئيسًا لليمن الموحد، وقد حكمه بالحيلة والمحسوبية. 

لم يجبر صالح على التنحي إلا بعد فترة استثنائية في السلطة مدعومًا في البداية بسياج من الأقارب، فحين أصبح رئيسًا لليمن الموحد، تولى هؤلاء مناصب حساسة في الوزارات والجيش، وكان ابن اخيه طارق قائد الحرس الجمهوري، ونجله احمد مرشحًا لخلافته. 

في التسعينات، حين كان اليمن بلدًا نفطيًا، كان صالح يبذخ المال على شراء الذمم والأتباع وتكديس ما قيمته مليارات الدولارات من الذهب والاملاك باسماء مختلفة في الخارج، وكان قصره في صنعاء يضم قاعات من الرخام واثاثًا مرصعًا بالذهب ورفوفًا من الكتب الأنيقة التي لم تُفتح، إذ كان صالح لا يقضي اوقات الراحة بالقراءة وانما بلعب البلياردو أو التجوال في التلال المحيطة بصنعاء في سيارة تويوتا بك آب.

بين التراب والكلاب، أنشأ في قريته مجمعًا من الفيلات لأفراد العائلة، واجهاتها من الرخام الملون وتتوزع حولها نقاط حراسة شديدة. ولم يصل شيء من هذه الأموال الى اليمنيين الفقراء في غالبيتهم، وخاصة في الجنوب. فهذا لم يكن هدفه أو مشكلته. الأساس بالنسبة له كان البقاء في الحكم، وقد قارن ذلك بالرقص على رؤوس الأفاعي، وكانت تلك الأفاعي تتربص له في حزبه وعدد من القبائل المنافسة، رغم ان صالح نفسه كان كبير الأفاعي.

فوات الآوان

كان صالح يقول ان اليمن لا يُحكم بالقوة، لكنه خرق هذه القاعدة عام 1978 حين قتل 30 ضابطًا بتهمة التآمر، وفي عام 2011 حين قتلت قواته 50 متظاهرًا على الأقل كانوا يأملون بوصول الربيع العربي الى اليمن، لكنه قال للصحافة الغربية انهم عملاء لتنظيم القاعدة.

تمكن صالح من الضحك على الغرب بمكره وتحالفاته المتغيرة دائمًا، وكان يتساهل، حين يناسبه ذلك، مع الجهاديين والسلفيين الذين كانت قوتهم تتعاظم في الشمال. وفي عام 2005 قال انه سيتقاعد ولكنه تراجع عن قراره في عام 2006 مدعيًا ان شعبه يريده ان يبقى. واعلن انه سيتخلى عن الحكم كما ينزع حذاءه، ولكن اتضح ان حذاءه ضيق لا يُنزع بسهولة. وفي عام 2012 وافق على التنحي ولكن مقابل منحه حصانة ضد الملاحقة القانونية.

كان زواج المصلحة بين صالح والمتمردين الحوثيين في عام 2014 معمدًا بعدم الثقة المتبادل. وحين رأى ان هذا الزواج سيكلفه غاليًا انقلب عليه ودعا الى فتح صفحة جديدة مع الجيران الخليجيين، ولكن بعد فوات الأوان.

اعدت "ايلاف" هذا التقرير بتصرف عن "الايكونومست". الأصل منشور على الرابط التالي:

https://www.economist.com/news/obituary/21732075-first-president-united-yemen-was-75-obituary-ali-abdullah-saleh-was-killed-december?frsc=dg%7Ce