تعهدت المصارف والشركات الكبيرة الثلاثاء الابتعاد عن الوقود الأحفوري المسبب لارتفاع حرارة الأرض، وذلك خلال اجتماع لقادة العالم في باريس، في مسعى إلى الحصول على أموال جديدة لإنقاذ البشرية من المصير "المحتوم".

إيلاف من باريس: تأتي قمة الثلاثاء بعد عامين بالضبط من توقيع 195 دولة على اتفاقية باريس لتجنب أسوأ سيناريو للاحتباس الحراري.

استثمار خاسر
أعلنت هذه المصارف والشركات تخصيص مليارات الدولارات لوقف العمل في مشاريع فحم ونفط وغاز في القمة التي هدفت إلى جمع الاموال.

لكن الدولة المضيفة فرنسا، وكذلك الأمم المتحدة والبنك الدولي، حذرت من أن الجهود لتحويل الاقتصاد العالمي إلى مستقبل من الطاقة الخضراء، لا تزال ضئيلة جدًا وبطيئة جدًا. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام الوفود "نحن بصدد خسارة المعركة". وأضاف "إننا لا نتحرك بالسرعة الكافية".

من جهته حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن دولًا عدة تستمر في دعم الوقود الأحفوري لخفض الأسعار للمستهلكين، مشبّهًا ذلك بالبشرية "التي تستثمر في موتها المحتوم".

وقال "نحن نخوض حربًا من أجل وجود الحياة على كوكبنا بالشكل الذي تعرفونه"، وذلك أمام أكثر من 50 من قادة الدول، بينهم المكسيكي إنريكي بينا نييتو والبريطانية تيريزا ماي والإسباني ماريانو راخوي في القمة التي دعا إليها ماكرون ردًا على انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من اتفاقية باريس 2015.

تصويت بحجب الثقة
الاتفاقية التي استغرق التفاوض بشأنها أكثر من عقدين، تسعى إلى إبقاء الارتفاع الحراري تحت درجتين مئويتين مقارنة بمستوى ما قبل الثورة الصناعية. وبموجب الاتفاقية تعهدت الدول بإجراء اقتطاعات غير ملزمة لانبعاثات غازات الدفيئة الناجمة من احتراق النفط والفحم والغاز الطبيعي، والتي تعتبر مسببة للاحتباس الحراري.

والولايات المتحدة، إحدى مناصري الاتفاق خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، هي الدولة الوحيدة التي عادت ورفضت الاتفاقية. وأعلن رئيس البنك الدولي جيم يونغ وسط تصفيق حاد أن البنك "سيتوقف عن تمويل مشاريع التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما اعتبارًا من 2019".

أضاف "إننا عازمون على العمل معكم جميعًا لوضع السياسات الصحيحة في مكانها وجعل محركات السوق تسير في الاتجاه الصحيح ووضع المال على الطاولة وتسريع العمل".

ورحّبت منظمة غرينبيس بالخطوة. وقال الناشط غيورغي دالوس "إن البنك الدولي - كأكبر المؤسسات المالية في العالم - حجب الثقة عن صناعة الوقود الأحفوري".

وقالت شركة التأمين الفرنسية أكسا إنها ستسرع وقف العمل في قطاع الكربون، وتسحب 2.5 مليار يورو (2.9 مليار دولار) من شركات تأتي أكثر من 30 بالمئة من عائداتها من الفحم.

رفض ترمب مضلل&
وقال بنك إينغ الهولندي إنه سيتوقف بشكل شبه كامل عن تمويل مشاريع لتوليد الطاقة من الفحم بحلول 2025، فيما أطلقت مجموعة من أكثر من 200 مستثمر دولي، بينهم عملاق قطاع المصارف إتش.إس.بي.سي، حملة للضغط على الشركات الكبرى التي تصدر انبعاثات مسببة للاحتباس الحراري - بينها بي.بي وإيرباص وفولكسفاغن وغلينكور - لمراعاة أكبر للبيئة.

وبحسب وكالة الطاقة الدولية، ستكون هناك حاجة إلى استثمارات بحوالى 3.5 ترليون دولار كل عام في قطاع الطاقة حتى العام 2050 لإبقاء الاحتباس الحراري دون درجتين مئويتين - أي ضعف الإنفاق الحالي.

وقال رئيس وزراء فيجي فرانك بانيماراما، الذي ترأس محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ التي جرت في بون في الشهر الماضي "فيما التحدي ضخم، علينا القيام بكل ما في وسعنا لمواجهته. ندرك أن ذلك يعني الفرق بين الحياة والموت بالنسبة إلى ملايين الناس المعرّضين للخطر حول العالم".&

ويحذر خبراء من أنه بالوتيرة الحالية لانبعاثات الغازات السامة، بات العالم في طريقه نحو ارتفاع من ثلاث درجات في المعدل، ما قد ينتج منه عواصف مدمرة وارتفاع منسوب مياه البحار وفيضانات وجفاف. وتعرّض ترامب الذي وصفت إدارته التغير المناخي بأنه "خدعة" للانتقاد.

وقال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون إن انسحاب ترمب من اتفاقية باريس قرار "قصير النظر ومضلل سياسيًا وغير مسؤول اقتصاديًا وخاطئ علميًا".

لكن في غياب أي مسؤول بارز من الإدارة الأميركية، فقد تلقت الانتقادات الشركات الأميركية إضافة إلى مسؤولين أميركيين محليين ممثلين في باريس برئيس بلدية نيويورك السابق مايكل بلومبرغ والحاكم السابق لولاية كاليفورنيا أرنولد شوارزنيغر ومؤسس مايكروسوفت بيل غيتس.

مواصلة العمل المتوقف
وقال شوارزنيغر "لا يهم إن كان دونالد ترمب انسحب من اتفاقية باريس". أضاف "نحن في القطاع غير الحكومي سنواصل العمل المتوقف".

لكن كثيرين لا يزالون قلقين بشأن تمويل قضايا المناخ للدول النامية، والتي كانت الولايات المتحدة - أكبر ملوث لغازات الدفيئة في العالم - من المساهمين الرئيسيين فيها. وتعهد ترمب بخفض هذا التمويل وسحب ملياري دولار تعهدت واشنطن بالمساهمة بها لما يسمى بـ"صندوق المناخ الأخضر".&

الدول النامية بحاجة إلى الأموال لتحمل عبء التحول المكلف من الوقود الأحفوري ولتعزيز دفاعاتها ضد الكوارث الطبيعية الناجمة من الطقس.

والدول الغنية المسؤولة عن الجزء الأكبر من التلوث لفترة أطول، تعهدت في 2009 جمع 100 مليار دولار في العام لتمويل قضايا المناخ اعتبارًا من 2020.

وأفاد تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه بناء على اتجاهات عام 2015، سيبلغ إجمالي التمويل الحكومي حوالى 67 مليار دولار بحلول هذا التاريخ.
&