أثار اعتراف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل ما هو أبعد من انتقادات حلفاء واشنطن.

كانت هناك مخاوف من العالم أجمع تقريبا في مؤتمر "حوار المنامة" الأمني السنوي في البحرين من أن يكون ذلك الإعلان بمثابة هدية للخصمين الرئيسيين للمنطقة، وهما إيران والمنظمات الجهادية، مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.

وتقول إليزابيث مارتيو المستشار الزميل بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "لقد أشعل الرئيس ترامب النيران، وترك حلفاءه العرب لمواجهة الحريق".

وقال ضابط سابق بالقوات الخاصة البريطانية، رفض نشر اسمه، إن الإعلان يشبه "إلقاء قنبلة يدوية في غرفة بعد نزع فتيلها".

رسميا، فإن قادة دول الخليج العربية يؤيدون دائما حق الشعب الفلسطيني في أن يكون لهم دولة، ويرون أن ذلك سبب قديم للشكوى في المنطقة كلها، وقضية شعبية في الدول العربية والإسلامية.

لكن في الكواليس، لم يصفح الأعضاء كبار السن في الأسر الحاكمة في الخليج تماما عن موقف السلطة الفلسطينية باصطفافها إلى جانب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حين غزا الكويت في عام 1990.

وبعد تحرير الكويت من الغزو العراقي بفترة وجيزة، رأيت عبارة مكتوبة على شكل غرافيتي على أحد الجدران بمدينة الكويت تقول: "القدس هي الوطن الأبدي لليهود، وأنا كويتي وأكتب ذلك".

كان ذلك في عام 1991. لكن الأمور مختلفة تماما اليوم.

فمعظم سكان العالم العربي صغار السن، لدرجة أنهم ربما لا يتذكرون أو حتى لا يهتمون بمسألة الغزو العراقي، الذي حدث في التسعينيات من القرن الماضي، لكنهم معنيون بالقدس ذات المكانة المقدسة في قلوب المسلمين.

لكن ما علاقة ذلك بمكافحة الإرهاب؟

إنه يعني تهديدا من جانبين: الأول هو احتمال أن المواطنين العرب، الذين ليس لديهم مشاعر طيبة نحو الغرب لكنهم لا يخططون لترجمة ذلك إلى أعمال عنف، ربما يعيدون التفكير في الأمر الآن.

تقول هادية فتح الله، الخبيرة في قضايا الأمن الخليجي والمسوؤلة السابقة في حكومة البحرين، لبي بي سي: "هناك عقليات جهادية ساكنة، يجلسون هناك ويفكرون: أنا لست فعالا لكني لدي مشاعر جهادية. إذن هل سيدفعهم ذلك للتحرك؟".

أما التهديد الثاني، فيوجد على الجانب الآخر من المعادلة، وأعني هنا أن الأشخاص الذين كانوا يتعاونون مع وكالات الحكومة الأمريكية ربما يصبحوا الآن أقل ميلا لذلك.

ربما يتمتع هؤلاء الأشخاص بعلاقات عمل ممتازة مع نظرائهم في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي أي إيه"، أو وكالة الأمن القومي الأمريكية "إن إس إيه". لكن في عقولهم الباطنة ربما يسيطر عليهم شك الآن، في ما إذا كانت الإدارة الأمريكية التي تصرفت بهذه الطريقة تهتم فعلا بمصالحهم.

وحتى في أعلى مستويات التسلسل الهرمي بأي بلد خليجي، وفي البلاط الملكي السعودي، هناك بالضرورة الآن مخاوف من أن السعودية اختارت العمل عن كثب مع البيت الأبيض، الذي أثار غضب معظم سكان العالم العربي.

ثم هناك إيران.

الجمهورية الإسلامية مستمرة في منافسة السعودية على القوة والنفوذ في أنحاء الشرق الأوسط. وقد أيدت لزمن طويل التنظيمين المسلحين، المناهضين لإسرائيل في المنطقة، وهما حزب الله في لبنان وحركة حماس في الأراضي الفلسطينية.

كما أن الذراع الخارجي لقوات الحرس الثوري الإيراني يسمى "فيلق القدس".

وتقول هادية فتح الله: "إيران تستخدم دوما القدس كأداة للخطاب، حينما ترغب في إثارة الجماهير العربية، وهذا ما ساعدها على الاصطفاف إلى جانب حماس، لذلك اعتقد أن الأخيرة ستتصرف تماما بما يخدم مصالح إيران".

حسن نصر الله
Reuters
تنظيم حزب الله اللبناني وزعيمه حسن نصرالله من أشد المناهضين لإسرائيل

وأعربت إليزابيث مارتيو عن اعتقادها بأن إعلان ترامب سيساعد إيران على تحقيق مصالحها.

وجاءت تعليقات إليزابيث تلك على موقع إلكتروني تابع للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، الذي نظّم مؤتمر حوار المنامة.

وكتبت: "هذا القرار سيمثل دفعة كبيرة لطهران، التي ستحاول ترميم صورتها، بعد النزاعات التي حدثت في سوريا والعراق".

وبمرور الوقت، فإن الضرر الذي أصاب علاقة الولايات المتحدة بحلفائها الخليجيين سيجري إصلاحه. واشنطن ببساطة حليف كبير وقوي ومهم للغاية، لا يمكن تجاهله.

ويحرس الأسطول الخامس الأمريكي الخليج، ويمثل قوة موازنة لإيران، بينما تمثل الأسلحة الأمريكية المتقدمة العماد الرئيسي لأسلحة جيوش دول منطقة الخليج.

لكن إعلان ترامب الأخير بمثابة تذكِرة لحكام الخليج، بأن إدارة البيت الأبيض تظل قادرة على التسبب في حرج كبير لهم.