هل يحررنا إنترنت الأشياء أم يحبسنا؟ هذا السؤال هو العنوان الفرعي لكتاب بعنوان "السلام على طريقة التكنولوجيا"، من تأليف فيليب هوارد، وهو أستاذ في "معهد أكسفورد للإنترنت". 

وكان أيضا موضوع مؤتمر في الفترة الأخيرة في "مركز الأبحاث في الفنون والعلوم الاجتماعية والإنسانية" في جامعة كامبردج. 

يجادل هوارد بأن إنترنت الأشياء يصعد باعتباره أقوى أداة سياسية شهدها الإنسان، ومن بعض الجوانب تحل محل سلطة أنجح أشكال التنظيم السياسي على مدى القرون الخمسة الماضية، وهي ظاهرة الدولة القومية. 

ويضيف: "بحلول عام 2020 سوف يكون هناك نحو 30 مليار جهاز متصل بالإنترنت، فيما ستكون القوة السياسية المسيطرة على سكان الكوكب البالغ عددهم 8 مليارات شخص، في أيدي الناس الذين يسيطرون على هذه الأجهزة". 

ويشير إلى أن معظم الإمبراطوريات كانت تقوم على التفوق التكنولوجي في عالم البنية التحتية للمعلومات. 

كان "السلام على الطريقة الرومانية" مبنيا على الطرق والقنوات المائية الاصطناعية؛ وكان السلام على الطريقة البريطانية يقوم على شبكات من التحصينات والهيمنة البحرية. 

ويبين المؤلف ان المرحلة المقبلة من "السلام على طريقة التكنولوجيا" ربما تكون مختلفة في عدد من الجوانب المهمة. 

كذلك يشير إلى البنية التحتية المعلوماتية المهيمنة ربما تكون مملوكة إلى حد كبير من قبل هيئات من القطاع الخاص وليس القطاع العام، أي أن تكون مملوكة من قبل شركة فيسبوك وليس فرنسا. 

ويقول: هذا ربما يؤدي إلى حلف من التناسب المريح بين القوى الصاعدة الحكومية والتجارية، تعمل على إعادة كتابة قواعد السياسة".

على حد تعبير ديفيد رانسِمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كامبريدج، فإن هذا السلام على طريقة التكنولوجيا ربما يأخذنا نحو "حكم الأشياء، بيد الأشياء، ومن أجل الأشياء". 

يشير هوارد إلى أن من المرجح أن تتطور ثلاثة أنظمة متميزة في الولايات المتحدة والصين وأوروبا، يتم تشكيلها بفعل ضغوط تجارية وأطر تنظيمية. وسوف تكون بقية العالم من الذين يأخذون القواعد وليس صناع القواعد، في هذه اللعبة التكنولوجية العظيمة. 

ويتابع: قدرة السلام على طريقة التكنولوجيا على السيطرة على المجتمع المدني أخذت نذرها تظهر في الجدل حول "الأخبار الكاذبة"، والتلاعب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. تخيل عالما يستطيع فيه برنامج مسلح بالذكاء الاصطناعي أن يسحب البيانات من إنترنت الأشياء، ويستهدف إعلانات شخصية نحو الناخبين قبل 48 ساعة من الانتخابات. 

ويؤكد أن غياب التناظر في المعلومات بين الإمبرياليين الذين يسيطرون على البيانات والمجتمع المدني، سيتسع ليصبح هوة عميقة. وكل هذا يبدو وكأنه مغرق في صورة المجتمعات المختلة. والواقع أن هوارد يرى أن من الممكن حدوث نواتج أفضل من ذلك بكثير، إذا تصرفنا الآن بهدف الحيلولة دون ظهور أسوأ الأمور. 

بعض علماء الكمبيوتر في المؤتمر رفضوا فكرة أن إنترنت الأشياء سيتطور ليصبح كيانا مهيمنا. على الأرجح، سوف يتطور ليتخذ شكلا مفككا من "شبكات الأشياء"، على حد تصورهم. بالنسبة للوقت الحاضر، فإن الحمم التقنية ذائبة بما فيه الكفاية بما يتيح توجيهها في المقاصد التي نريدها. 

على أن هذا بحسب يتوقف على أن نهتم جميعا بشكل حاد بدقائق سياسة المعلومات والبروتوكولات الهندسية ومعايير الاتصالات. 

في نهاية المطاف، هذه التفاصيل التنظيمية ربما تكون أكثر أهمية بكثير، من حيث تشكيل مستقبلنا من الجلبة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو ما يفعله الرئيس الأميركي دونالد ترمب. 

خلُص لا بُويسي إلى القول: "علينا أن نحزم أمرنا على رفض الخضوع بعد اليوم، وعندها سنتحرر على الفور". إنها نصيحة رائعة بالفعل في عصرنا الراهن.