تناول مجلس العلاقات الخارجية للبحوث في الولايات المتحدة النزاعات المحتمل اندلاعها في العالم في عام 2018، صنفها في سيناريوهات بحسب تهديدها المصالح الأميركية الداخلية والخارجية.

إيلاف: تجري مؤسسة مجلس العلاقات الخارجية للبحوث في الولايات المتحدة مسحًا سنويًا للنزاعات المندلعة أو التي من المحتمل أن تندلع في أنحاء العالم بحسب أولوية تهديدها المصالح الأميركية. 

وبعدما ركز المسح خلال السنوات العشر الماضية على الأخطار الخارجية التي تهدد الولايات المتحدة، فإن مسح هذا العام يأخذ في الحسبان المخاطر التي تشكلها أميركا على العالم وعلى نفسها، كما أشار المجلس. 

قال بول ستيرز، مدير مركز العمل الوقائي في المجلس الذي يجري المسح السنوي: "يصعب التنبؤ بأفعال الولايات المتحدة في العالم اليوم، وهذا سبَّب تململًا عميقًا". أضاف أن لا أحد يعرف اليوم كيف سيكون رد فعل الولايات المتحدة في أي وضع، مشيرًا إلى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب في عام 2015 أنه لا يريد أن يعرف أحد ماذا يفعل أو كيف يفكر. 

سيناريوهان
تتبدى عدم إمكانية التكهن بأفعال أميركا اليوم في سيناريوهين أعطاهما مسح هذا العام أولوية في ضوء الآراء والتقديرات التي أبداها 436 مسؤولًا في الحكومة الأميركية وخبيرًا في السياسة الخارجية: الأول، اندلاع نزاع بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وجيرانها، والثاني وقوع مواجهة مسلحة بين إيران والولايات المتحدة أو إحدى الدول الحليفة لها بسبب تدخل إيران في نزاعات إقليمية ودعمها جماعات مسلحة. قال ستيرز: "هاتان هما الأزمتان الأشد تفجرًا اللتان تختمران في الوقت الحاضر". 

يتوصل المسح الذي أُجري في النصف الأول من نوفمبر الماضي إلى أن النزاع مع كوريا الشمالية سيكون له تأثير "بالغ" في مصالح الولايات المتحدة، لكن احتمالات اندلاعه "معتدلة". ويتفق هذا التقويم مع تقديرات أخيرة لمراقبين مطلعين مثل الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس والمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية جون برينان.

قدر ستافريديس احتمالات نشوب نزاع غير نووي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بنحو 20 إلى 50 في المئة واندلاع حرب نووية بنسبة 10 في المئة. وفي مقابلة مع مجلة ذي أتلانتيك، قدر برينان احتمالات الحرب مع كوريا الشمالية بنسبة 20 إلى 25 في المئة في ضوء تعذر إمكانية التنبؤ بما سيفعله ترمب، قائلًا إنه لا يعتقد أن كوريا الشمالية تريد إشعال نزاع عسكري كبير، لكنه أضاف: "لا أعرف قدرة ترمب على القرار أو الفعل". 

هجوم إرهابي
بحسب المسح، خطر النزاع مع إيران في السيناريو الثاني ناجم من علامة الاستفهام التي وضعها ترمب على الاتفاق النووي مع إيران، ورفضه إعطاء شهادة تؤكد التزام طهران الاتفاق الذي ما زال من الجائز أن ينسحب ترمب منه. 

كما ازداد الآن احتمال وقوع مواجهة أميركية ـ إيرانية بسبب جملة قضايا متفجرة ـ من برنامج إيران الصاروخي والنووي إلى نفوذها في سوريا والعراق ودعمها المتمردين الحوثيين في اليمن وميليشيا حزب الله في لبنان وجماعات إسلامية متطرفة في الأراضي الفلسطينية. 

لم يظهر هذا السيناريو في تقرير مجلس العلاقات الخارجية في العام الماضي، حين كانت إيران ضالعة في هذه الأعمال كلها. لكن مستقبل الاتفاق النووي لم يكن موضع تساؤل بعد. 

من السيناريوهات الأخرى في مسح هذا العام وقوع هجوم إرهابي كبير على الولايات المتحدة وهجوم الكتروني واسع على هياكل ارتكازية حيوية أميركية واحتمال وقوع مواجهة بين روسيا ودول أعضاء في حلف الأطلسي أو بين الصين ودولة أو أكثر من دول جنوب شرق آسيا بسبب نزاعات إقليمية في بحر جنوب الصين. 

من المخاطر التي أعطاها المسح أولوية رغم تأثيرها المعتدل على مصالح الولايات المتحدة تفاقم الحرب في أفغانستان وتصاعد العنف في سوريا بالارتباط مع سعي بشار الأسد إلى إعادة بسط سيطرته على بلده المدمر. واللافت أن العراق الذي كانت احتمالات تفككه من المخاطر ذات الأولوية العليا قبل عامين ومن المخاطر ذات الأولوية الثانية في مسح العام الماضي لا يرد له ذكر في مسح هذا العام. كما إن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لا يُذكر بشكل محدد على قائم المخاطر المحتملة في العام المقبل رغم استمرار القلق من خطر وقوع هجمات إرهابية.

احتمالات عالية
من السيناريوهات ذات الاحتمالات العالية والتأثير الضعيف على المصالح الأميركية تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية في فنزويلا وتفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن واستمرار الهجمات الإرهابية لجماعة الشباب الصومالية وتصاعد العنف ضد مسلمي الروهينغا في ميانمار.

من النزاعات التي أعطاها المسح درجة معتدلة من الاحتمالات والتأثير في مصالح الولايات المتحدة وتزايد أعمال العنف المرتبط بالجريمة المنظمة في المكسيك وتصاعد العنف في شرق أوكرانيا وبين تنظيمات كردية مسلحة والقوات الحكومية في تركيا والعراق، واندلاع مواجهة بين باكستان والهند بسبب الإرهاب أو الاضطرابات في الشطر الهندي من كشمير، واشتداد حدة التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، علمًا بأن المسح أُجري قبل اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله المدعوم من إيران في سوريا أو على الحدود الإسرائيلية ـ اللبنانية. 

كانت السيناريوهات التي تأتي في المرتبة الثالثة على سلم الألويات في المسح كلها تقريبًا في أفريقيا، خصوصًا العنف السياسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية والاضطرابات في زمبابوي، حيث تحرك الجيش لعزل روبرت موغابي بعد نحو 40 عامًا قضاها في الحكم. ويُلاحظ تراجع أعمال العنف في ليبيا بعد القذافي في مسح هذا العام من المرتبة الثانية إلى المرتبة الثالثة على سلم الأولويات. 

حرب بين دولتين نوويتين
كتب معلقون على المسح سيناريوهات لم ترد في قائمة مجلس العلاقات الخارجية التي تتضمن 30 نزاعًا محتملًا، منها زعزعة الاستقرار السياسي بسبب حركات قومية وانفصالية في الإتحاد الأوروبي بعد تصويت كاتالونيا على الاستقلال عن إسبانيا، وفوز القوميين في الانتخابات المحلية في كورسيكا على أساس برنامج لضمان مزيد من الحكم الذاتي أو الانفصال عن فرنسا. ولاحظ آخرون احتمال تزايد الهجمات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء في مصر. 

قال ستيرز إن مجلس العلاقات الخارجية حين طلب إضافة نزاعات محتملة أخرى تلقى الكثير من السيناريوهات الغريبة، بينها إعلان ترمب الحرب على الصين. 

لعل أشد ما يلفت في المسح الأخير أنه حين طلب مجلس العلاقات الخارجية من مسؤولين حكوميين وخبراء في السياسة الخارجية أن يلقوا نظرة على المستقبل القريب لم يستبعد هؤلاء وقوع حرب بين دولتين نوويتين. وبدلًا من النظر إلى مثل هذه الحرب على أنها احتمال مستبعد، فانها أُدرجت بين المخاطر الأولى في العام الجديد. 


أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن موقع "ذي أتلانتيك". الأصل منشور على الرابط:
https://www.theatlantic.com/international/archive/2017/12/global-conflicts-to-watch-in-2018/547913/​