ما زالت آثار وتبعات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تتوالى. ورغم تصاعد الغضب الرسمي والشعبي على مستوى العالم، وتأكيدات الخبراء والسياسيين أن القرار الأميركي يدق المسمار الأخير في نعش عملية السلام، إلا أن أغلبية قراء "إيلاف" تتوقع استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا يعتقدون أن المقاطعة سوف تجدي نفعًا.

القاهرة: رغم حالة التشاؤم التي تسيطر على المجتمع الإسلامي، جراء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، نقل سفارة بلاده لمدينة القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، إلا أن أغلبية قراء "إيلاف" مشبعة بمشاعر التفاؤل، وتتوقع بدء مفاوضات سلام جادة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

طرحت "إيلاف" السؤال التالي على القراء: ماذا يُنتظر بعد إعلان ترمب القدس عاصمة لإسرائيل؟ وخيّرتهم بين أمرين: "مقاطعة عربية لأميركا" أو "البدء بمفاوضات سلام".

شارك 939 قارئًا في الاستفتاء، وتتوقع الأغلبية، وتقدر بـ 672 قارئًا بنسبة 72% أن يفضي إلى بداية جديدة في عملية السلام.

وتعتقد الأقلية، وتقدر بـ267 قارئًا أن يؤدي القرار إلى مقاطعة العرب للمنتجات الأميركية، والجزم بأنها لم تعد شريكًا موثوقًا فيه لرعاية عملية السلام بينهم وبين إسرائيل.

تختلف توقعات قراء "إيلاف" مع ما ذهبت إليه غالبية السياسيين على المستويين الرسمي والشعبي، التي ترى أن القرار الأميركي يقضي على عملية السلام، ويؤكد أن واشنطن ليست راعيًا نزيهًا ومحايدًا للمفاوضات بين العرب والإسرائيليين.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونتيو جوتيريش إن قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يقوض مفاوضات السلام في الشرق الأوسط.

وبدأت السلطة الفلسطينية في مراجعة سياسية شاملة لمسيرة عملية السلام والخطوات المطلوبة فلسطينياً، بعد القرار.

وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد، إن المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، سيجتمع في رام الله منتصف الشهر المقبل، لاجراء المراجعة، مشيرًا إلى أن الجانب الفلسطيني لا يمكنه الاستمرار في العلاقة مع الجانب الإسرائيلي "في ظل تجاهل الأخير لحقوق شعبنا، خاصة حقه في القدس"، على حد قوله.

وبشأن الحراك الفلسطيني بخصوص إعلان ترمب، قال مفوض العلاقات الوطنية في "فتح"، إن الفترة المقبلة ستشهد حراكاً دبلوماسيًا مكثفًا على صعيد الدول أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، وفي المؤسسات الأممية الأخرى مثل مجلس حقوق الإنسان، وربما المحكمة الجنائية الدولية. وكشف الأحمد عن مؤتمر إسلامي عالمي سينظم في الأزهر الشريف في 16 يناير المقبل، إضافة إلى اجتماع في بروكسل في 22 من الشهر ذاته، يجمع الرئيس محمود عباس ووزراء أوروبا لمناقشة التطورات السياسية.

وقال وزير الخارجية المصري الأسبق وعضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، السفير محمد العرابي، إن القرار أسقط عن أميركا صفة الوسيط في هذه عملية السلام، مشيرًا إلى أن ترمب منح إسرائيل مكافأة على تعنتها في عملية السلام.

وأضاف في تصريحات له، أن القرار أدى لإجهاض عملية السلام، منوهًا بأنه يعطي في الوقت نفسه ملامح جديدة لأسلوب التدخل الأميركي في القضية الفلسطينية، متمثلة في سياسة فرض الأمر الواقع.

ولفت إلى أن المنطقة تدخل مرحلة صعبة تتطلب جهوداً دبلوماسية كبيرة، مرحلة الرفض والاستنكار لم تكن مجدية. وتابع: علينا أن نحشد جهوداً واسعة بالمجتمع الدولي؛ للوقوف أمام هذا القرار ومحاصرته عن طريق الأمم المتحدة، وألا تحذو أي دولة على نهج الإدارة الأميركية، الذي تجاهل الأعراف والقواعد الدولية، ويجب أن تبقى وحيدة في هذا الإطار.

وحسب تصريحات الدكتور محمد عبد الحميد، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية، فإن قرار ترمب يخرج أميركا من عملية السلام، مشيرًا إلى أن القرار أثبت أن الإدارة الأميركية ليست راعيًا نزيهًا أو محايدًا، بل منحازة إلى إسرائيل بشكل سافر.

وأضاف لـ"إيلاف" أن العرب والعالم أجمع يعرف أن واشنطن لم تكن شريكًا أو راعيًا محايدًا، لكن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يضرب عملية السلام في القلب، ويناقض قرارات الأمم المتحدة، ويلغي الشرعية الدولية.

وتوقع ألا تستطيع أميركا ترميم التصدع الذي سببه القرار على المستوى الدولي، أو استعادة ثقة الفلسطينيين والعرب فيها باعتبارها راعياً لمفاوضات السلام.

وكانت الأمم المتحدة صوتت الخميس بغالبية 128 دولة لصالح مشروع القرار الذي يدعو "للامتناع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس، ولعدم الاعتراف بأي إجراءات أو تدابير مخالفة لتلك القرارات"، وهو ما اعتُبر إدانة لإعلان ترمب القدس عاصمةً لإسرائيل، وزيادة لعزلة واشنطن الدولية بعد تصويت 14 عضواً في مجلس الأمن لصالح قرار مشابه، نقضته الولايات المتحدة بإستخدام "الفيتو".

ويرفض الأميركيون أنفسهم قرار ترمب، وكشف استطلاع للرأي أن ثلثي الأميركيين يؤيدون وقوف بلادهم على الحياد في القضية الفلسطينية، وأن غالبيتهم ترفض قرار نقل سفارتهم من تل أبيب إلى القدس المحتلة. وأظهر الاستطلاع الذي أجرته "سي إن إن"، انقسام الأميركيين بشأن إعلان ترمب القدس عاصمة لإسرائيل.

ووفقاً للاستطلاع؛ فقد أعرب 44% من المشاركين في الاستطلاع عن تأييدهم قرار إعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال، في حين رفضه 45% منهم. ورفض 49% من الأميركيين قرار نقل السفارة إلى القدس المحتلة، في حين أيّده 36% ممن شملهم الاستطلاع القرار.

ورغم حالة الرفض والاستنكار العامة عربيًا ودوليًا، إلا أن البيت الأبيض يرى أن قرار ترمب لا يعتبر خروجًا لواشنطن من مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز: إن "الرئيس الأميركي ترمب، لم يأتِ بجديد في قراره بشأن نقل سفارة واشنطن إلى القدس"، مشيرة إلى أن الكونغرس صوت بشأن هذا الموضوع عام 1995، وصدق عليه منذ 6 أشهر.

يذكر أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وقع بتاريخ 6 ديسمبر الجاري، وثيقة اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، وستنقل سفارتها إلى هناك، في مخالفة لما جرت عليه السياسة الأميركية منذ عقود.