تعتري تناقضات كثيرة الحكايات الواردة في الأناجيل عن مكان ميلاد يسوع المسيح وزمانه. ويدحض التتبع التاريخي العلمي لهذه المناسبة أسطورة الكريسماس كما نعرفها. فلا هو ولد في بيت لحم، ولا في يوم 25 ديسمبر.

إيلاف: كان اسم المسيح يشوعا. وكان كاتبو سيرته الأوائل يستخدمون اللغة اليونانية القديمة، التي اشتُق منها اسمه اللاتيني Jesus، في حين إن الترجمة الإنكليزية لاسم يشوعا هي جوشوا، الذي لا يعرف زمان ميلاده ومكانه على وجه التأكيد.

في عهد هيرودوس
ثمة سجلان فقط كتبهما بعد زمن طويل على ميلاده أشخاص لم يعرفوه قط. يقول إنجيل متى، الذي كتبه مجهول، ربما بين عامي 75 و85 بعد الميلاد، فإن جوشوا ولد "في أيام الملك هيرودوس".

هيرودوس توفي في العام الرابع قبل الميلاد. وإذا كان متى محقًا، فجوشوا ولد في وقت ما قبل العام الرابع قبل الميلاد. أما إنجيل لوقا، الذي كتبه مجهول أيضًا بين عامي 80 و85 بعد الميلاد، فلا يقول من كان الملك عندما حبلت أم جوشوا به أو أنجبته، على الرغم من أنه يقول إن هيرودوس كان ملكًا عندما حبلت إليزابيث بيوحنا المعمدان قبل ذلك بفترة وجيزة.

في الحقيقة، يسجل لوقا أنه عندما كانت مريم حاملًا "صدر مرسوم من القيصر أغسطس بفرض ضريبة على العالم، وفُرضت هذه الضريبة عندما كان سرينيوس حاكم سوريا".

يطرح هذا المقطع تحديات تاريخية متعددة؛ إذ كان القياصرة لا يأمرون بإجراء إحصاءات ضريبية والتي تمثل إجراءً إداريًا يُنظم محليًا.

ليس سهلًا
السؤال الآخر هو: أين ولد جوشوا؟. يقول لوقا إن مريم ويوسف في الأصل من الناصرة في الجليل، لكنهما رحلا جنوبًا إلى بيت لحم للتسجيل في الإحصاء الضريبي. الأرجح إن إنجيلي متى ولوقا، اللذين لم يُكتبا قط ليكونا تاريخًا بالمعنى الحديث للكلمة، أرادا تأكيد وجود علاقة بين جوشوا وملوك آل داود أصلها في بيت لحم.

يعود هذا النَسَب في إنجيل متى إلى 42 جيلًا، وفي إنجيل لوقا إلى 56 جيلًا، وهما يفترقان بطرائق مختلفة، ولا يمكن أن يكون الإنجيلان على صواب. المهم هنا أنه من الصعب أن نرى كيف أن يوسف النجّار، الأمّي، الذي يعيش في إقليم بعيد من أقاليم الإمبراطورية الرومانية، يعرف كل هذه الأجيال من شجرة العائلة، التي كان عليه أن يقدمها إلى مسؤولي الضرائب الرومان عند التسجيل.

ليس تحديد يوم ميلاد جوشوا بتلك البساطة. فالكتاب المقدس لا يذكر يومًا أو حتى موسمًا لميلاده. ومن منظور تاريخي، لم يحتفل اليهود والمسيحيون الأوائل بعيد ميلاد "الشخص"، وبالتالي ليس من المستغرب أن تكون المعلومات عن مولد جوشوا قليلة. ولم يكن يوم الميلاد مهمًا، حتى إن إنجيلي مرقس ويوحنا لم يتعاملا معه أبدًا، ويبدآن حين كان جوشوا في سن البلوغ.

طقس لا حدث
إلا أن الكنيسة المسيحية أصبحت تحتفل خلال مراحلها الأولى بعيد ميلاد جوشوا في أيام مختلفة. وكان أحد الأيام المفضلة 6 يناير. وفي مرحلة من المراحل، استقرت الكنيسة على يوم 25 ديسمبر.

يقول المؤرخ البريطاني دومنيك سيلوود: "لا سبب مقنعًا أو وجيهًا لاختيار هذا اليوم، علمًا أن 25 ديسمبر هو بداية موسم الشتاء في التقويم الروماني". والأرجح أن الكنيسة في بداياتها الأولى حددت عيد ميلاد جوشوا بيوم 25 ديسمبر، لأنه كان تقليديًا يوم احتفالات.

كان لهذا اليوم دلالات رمزية قوية أيضًا، فالشمس التي لا تُقهر أصبحت شمس الحق، وأوضح القديس أوغسطين أن جوشوا ولد في أقصر يوم في الحسابات الدنيوية، تبدأ منه الأيام اللاحقة بزيادة طول النهار.

مع اضمحلال العبادات الشمسية الوثنية، مُحيت ذكرى احتفالاتها، على الرغم من أن العملية استغرقت وقتًا طويلًا. وحتى عهد البابا ليو (440-461م)، كان الرومان يحتفلون بمهرجان الشمس الوثني في 25 ديسمبر. وشكا البابا، لأن عُباد الشمس ظلوا يتجمعون على أعتاب كنيسة القديس بطرس في ذلك اليوم لعبادة الشمس المشرقة فوق المحراب.

الجواب الحقيقي لجذور الـ"كريسماس" يكمن في اسمه المركب من كلمتي كرايست Christ وماس Mass: كرايست تعني المسيح باليونانية، وماس تعني القداس بالانكليزية. وهو احتفال لاهوتي طقسي، وليس حدثًا تاريخيًا موثقًا.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "دايلي تلغراف". الأصل منشور على الرابط:
http://www.telegraph.co.uk/news/2017/12/25/day-honour-birth-jesus-wasnt-december-25-wasnt-bethlehem-not/