«إيلاف» من الرباط: استقطبت الأجساد النسائية المرسومة بريشة الفنان التشكيلي المغربي عزيز سيد، بدقة عالية، والمعروضة حاليا في لوحات بمقاسات مختلفة، في قاعة باب الرواح بمدينة الرباط، جمهورا غفيرا، يتردد عليها يوميا، مأخوذا بألوانها وتقاسيمها وملامحها الدقيقة والجميلة الغارقة وسط المنمنات والزخرفات العربية.

والقناعة التي توصل إليها متتبعو مسار عزيز سيد، هي أنه ظل وفيا لاختياره الفني المتمثل في احتفائه بالجسد النسائي كمحور لكل إبداعاته الفنية والجمالية، التي تتراكم مع مرور السنين.

واوضح سيد ل "إيلاف المغرب" أن هذا المعرض المفتوح إلى غاية يوم 30 يناير المقبل، والمقام تحت عنوان "ملامح نسائية"، يشكل امتدادا للتوجه الفني الذي يسلكه في الاشتغال على الجسد، منذ احترافه للرسم، في السبعينيات من القرن الماضي.

يقول أيضا إن هاجسه الذي يشغل باله دائما هو الرسم أولا وأخيرا، مشيرا إلى أنه ينكب على العمل في مرسمه الكائن في أعلى سطحه في بيته بمدينة سلا، المجاورة للرباط، حيث يقضي فيه جل أوقاته، وسط الأصباغ والألوان.

من لوحات عزيز سيد

وعن اللوحات المعروضة حاليا في قاعة باب الرواح، يكشف أنها حصيلة سنة كاملة من العطاء، هي سنة 2017، حاول أن يصب فيها خلاصة تجربته في الفن والحياة.

وأوضح أنه من الرسامين المغاربة الذين يتفادون، عن قصد وسبق إصرار، وضع عناوين للوحاتهم، مفضلا أن يترك للمتلقي، مهما كان مستواه الثقافي والفني، حرية التفاعل مع العمل الفني، حسب حسه وذوقه وقراءته للخطوط والتلميحات الفنية الكامنة بين الألوان.

وكما للجسد النسائي حضور طاغ في لوحاته، فإن هناك لديه نوعا من الارتباط الوجداني بالمكان كمكون جمالي، يلقي بظلاله وألوانه على القماش أو الثوب، فيمنح اللوحة مزيدا من الضياء.

في هذا السياق، يؤكد عزيز لموقع "إيلاف المغرب" قائلا، إن ما يهمه بالدرجة الأولى، هو أن يكون النور المنبعث من الجسد لامعا، وأن تكون اللوحة بمثابة مصدر للإشعاع الذي ينفذ إلى أعماق النفس، مقرا في نفس الوقت ب"صعوبة الاشتغال على توفير عنصر الضوء ".

تبدو الأجساد النسائية، كما رسمها عزيز سيد، كما لو أنها تسبح في بحور من الألوان، بمختلف أشكالها، وقد أحاطت بها المنمنمات والزخارف والنباتات والتكوينات الصغيرة، ما يجعل النظر إليها يدوم طويلا في محاولة لاستكشاف غورها وكنهها.

عزيز سيد محاطا بمجموعة من رفاقه الرسامين يوم افتتاح المعرض

ولعل هذا هو ماجعل الكاتب والناقد ادريس الخوري يكتب عنه ذات يوم، قبل عدة سنوات:" إن أجساد عزيز متفردة ومتميزة في نفس الوقت، متفردة في خصوصيتها الذاتية، ومتميزة بتقنيتها وألوانها الزاهية، فاللون الأخضر السائد والألوان الزخرفية الأخرى، ذات التفاصيل الصغيرة تلبس الأجساد بوشاح نباتي جميل، كأنها تسير الهوينا فوق حشائش خضراء في غابة كثيفة مسكونة جدا بالعصافير..".

بقي أن نذكر أن عزيز سيد المتحدر من منطقة الشرق المغربي كان قد تلقى تعليمه في مدينة القنيطرة، حيث حصل فيها على شهادة البكالوريا( الثانوية العامة ) ، وشد الرحال إلى بولونيا لصقل موهبته في أكاديمية الفنون الجميلة.

ومن أجمل ذكرياته التي يحتفظ بها عن سنوات الدراسة في مدينة القنيطرة، أن رفيقه على مقعد الدراسة كان هو الكاتب المغربي الراحل محمد زفزاف، الذي اشتهر بكتاباته القصصية والروائية.

ويطمح سيد أن تسنح له الظروف بالانكباب على سيرته الذاتية، كرسام، مستعينا بذاكرته التي تستحضر الأحداث بكل تفاصيلها وشخوصها، وكأنها حدثت بالأمس فقط.