مجدي الورفلي من تونس: تنظر الحكومة التونسية واغلب الأحزاب الفاعلة، بحذر الى ما يجري في كل من ليبيا وسوريا والعراق والمعارك الدائرة بين مقاتلي الدولة الإسلامية "داعش" والاطراف المقابلة لها، فكلّما خسر تنظيم "داعش" معارك وتقهقر ميدانيًّا، زادت فرضيّة عودة المقاتلين التونسيين الى بلدهم.

فرضية عودة المقاتلين التونسيين للبلاد، صاحبها جدل كبير في تونس من طارح لفكرة سحب الجنسية من هؤلاء المقاتلين، بإعتبار ان الدستور التونسي يقرّ حق أي تونسي بالعودة إلى بلاده، ومن مطالب للحكومة بالإستعداد لعودتهم الوشيكة، فيما دعا آخرون حركة النهضة الإسلامية لتوضيح موقفها من عودتهم خاصة مع إشارات زعيمها راشد الغنوشي سواء في الإعلام أو في خطاباته، والتي تصبّ في إتجاه دعم عودتهم لتونس، وكذلك عودة جدل تحميل النهضة مسؤولية تسفيرهم للقتال.

فور إندلاع جدل عودة المقاتلين التونسيين لدى "داعش"، في إطار صفقة دوليّة يقابلها تمكين تونس من مساعدات إقتصاديّة، أصدرت مجموعة من الأحزاب شكّلت منذ فترة جبهة لقّبتها بـ"جبهة الإنقاذ" بيانًا مشتركًا إعتبرت من خلاله أن "عودة الإرهابيين لتونس ليست طوعية بل هي نتيجة لتتالي هزائمهم في بؤر التوتر، بالإضافة الى رغبة بعض الجهات في ترحيلهم جماعيًا إلى تونس، مما سيشكل خطرًا على الأمن القومي والإقليمي".

أعلنت تلك الاحزاب، وهي حركة مشروع تونس (21 نائبًا في البرلمان) والإتحاد الوطني الحرّ (11 نائبًا في البرلمان) وعدد من الأحزاب اليسارية، في ذات البيان الذي تلقّت "إيلاف" نسخة منه، مساندتهم المطلقة ومشاركتهم في كل التحركات الرافضة لمشاريع العودة الآمنة للإرهابيين أو العفو عنهم، كما حمّلوا البرلمان التونسي مسؤولياته في إحترام ثقة الناخبين ضرورة القيام سريعًا بمراجعات لقانون الإرهاب من أجل الحفاظ على أمن البلاد.

واكّدت انها لن تتوانى عن "كشف كل الإتفاقيات السرية والمعلنة للعفو عن الإرهابيين العائدين"، وطالبت حركة النهضة بفصل قيادات من الحركة كانت على علاقة بتنظيمات مسلحة، وبتقديم توضيحات بخصوص موقفها من عودة الارهابيين، خاصة بعد تصريحات رئيسها راشد الغنوشي التي تصبّ في إتجاه دعم عودتهم، وفق تعبير البيان.

حركة النهضة توضّح...

حركة النهضة لم تتأخّر في إصدار موقف رسمي ونهائي من عودة المقاتلين التونسيين، إذ إنعقد مجلس الشورى الأسبوع الماضي، وأكّد ان الحركة الإسلامية تساند موقف الحكومة، التي تشارك فيها، بخصوص "ملف العائدين من بؤر التوتّر الإقليمية"، ودعت السلطة الأعلى في النهضة إلى "معالجة شاملة لهذه القضية ذات البعد المحلي والدولي وفق ما ورد في الاستراتيجية التونسية لمقاومة الإرهاب، بالإضافة إلى عقد مؤتمر وطني حول الإرهاب".

رئيس الحركة، راشد الغنوشي، قال في تصريحات إعلامية بعد مطالبة الاحزاب له بتوضيح موقفه، إن "حركته لا تريد عودة الإرهابيين، وأن الحديث حول ملف عودة الإرهابيين يندرج ضمن وصف لأوضاع قانونية تفرض على الدولة تحمل مسؤوليات معينة محلياً ودوليًا".

يُذكر أن تقارير دولية وإعلامية تقول إن عدد المقاتلين التونسيين في ليبيا وسوريا والعراق يتجاوز الـ5 آلاف مقاتل، محتلين بذلك المرتبة الأولى ضمن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، فيما تؤكّد السلطات الرسميّة في تونس ووزارة الداخليّة أن عددهم بالضبط 2929 إرهابيًا تونسيًا، سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا أو حتى مالي.

السلطات تحسم...

رئيس الحكومة يوسف الشاهد، أكد مؤخّرًا أن موضوع عودة الارهاببين من بؤر التوتر لا يهم تونس فقط، بل يهم العديد من الدول التي لها مواطنون التحقوا بجبهات القتال، فجميع الرؤساء الذين قابلهم عبروا عن تخوفاتهم من عودة مواطنيهم الذين قاتلوا في صفوف داعش، على حدّ تأكيده في حوار أجراه مع القناة الرسميّة في تونس، وذلك بعد مطالبة عديد من الاحزاب والمنظمات الحكومية بتوضيح موقفها من المسألة.

وأوضح الشاهد أن حكومته تتناول الموضوع بكل جدية ولديها قائمات إسمية لكل الارهابيين الموجودين في بؤر التوتر، والذين شاركوا في تنظيمات ارهابية وتملك جميع المعطيات عنهم، كما أكّد ان حكومته ضد عودة الارهابيين من بؤر التوتر ولا تسعى الى عودتهم بأي شكل من الأشكال ومن سيقرّر العودة منهم سيتم ايقافه فورًا ومحاكمته وفق قانون الارهاب ولكن لا يمكن منعهم من العودة، وفق تعبيره.

ويُذكر أن تونس صادقت على قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال في 2015، وينص القانون على سجن من تورطوا في عمليات إرهابية خارج تونس، وينص في فصله الـ31 انه "يعد مرتكبًا لجريمة إرهابية ويعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام...كل من يتعمّد داخل الجمهورية وخارجها علنًا وبصفة صريحة الإشادة أو التمجيد بأي وسيلة كانت بجريمة إرهابية أو بمرتكبيها أو بتنظيم له علاقة بجرائم إرهابية أو بأعضائه أو بنشاطه أو بآرائه وأفكاره المرتبطة بهذه الجرائم الإرهابية".

أما الفصل 32 من القانون فهو يعرف مرتكب الجريمة الإرهابية كالتالي "يعد مرتكبًا لجريمة إرهابية ويعاقب بالسجن من ستة أعوام إلى اثني عشر عامًا...كل من انضمّ عمدًا... داخل تراب الجمهورية أو خارجها، إلى تنظيم إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية أو تلقى تدريبات داخل تراب الجمهورية أو خارجها"، وتكون مدة العقوبة التي يسلّطها ذات القانون على مكوني التنظيمات الإرهابية من عشرة أعوام إلى عشرين عامًا.

لا يمكن منعهم من العودة

اعتبر خبراء وأساتذة في القانون أن الدعوة إلى منع عودة المقاتلين التونسيين إلى بلدهم، أو سحب الجنسية التونسية منهم، تدخل في خانة الشعبوية ولا علاقة له بأحكام التشريعات الوطنية أو الدولية.

أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد أوضح في تصريح لـ"إيلاف" ان الفصل 25 من الدستور التونسي يحجّر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن، ولكن في المقابل اعتبر الخبير القانوني انه يمكن تعديل الدستور في إتجاه إقرار سحب الجنسية عن الإرهابيين، ولكن بعد تركيز المحكمة الدستوريّة، بإعتبار انه حاليًا توجد في تونس هيئة وقتية لمراقبة دستورية القوانين في إنتظار وضع المحكمة الدستورية.

وخلُص الخبير الدستوري إلى القول إنّ الدعوة إلى سحب الجنسية من التونسيين العائدين تتعارض مع الدستور ومع المواثيق الدولية خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنها قد تفتح الباب في المستقبل أمام تعديلات أخرى للدستور قد تطال حقوقًا وحريات ضمنها الدستور ويُراد التراجع عنها.

يُذكر ان رئاسة الجمهورية التونسية أعلنت منذ حوالي 3 أشهر على المصادقة على استراتيجية لمقاومة التطرف والإرهاب، وتتركز هذه الإستراتيجية على أربعة محاور رئيسية، وهي الوقاية والحماية والتتبع والرد، وقد وقع تضمين الخطط العمليّة التي وضعتها الحكومة لمواجهة ملف التونسيين العائدين من بؤر التوتر في تلك الإستراتيجية.

لجنة تحقيق في تسفير الشباب

بالتوازي مع طرح ملفّ عودة المقاتلين التونسيين في تنظيم داعش، عاد الحديث عن الجهات المتورّطة في تسفير الشباب التونسي لسوريا أساساً، ومن ثم تحوّله الى العراق وليبيا في مرحلة اخيرة، وقد تم تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الموضوع وتحديد المسؤولين عن تشجيع الشباب وتمويل سفره للقتال.

ولكن تلك اللجنة وفق ما أفاد به رئيس حركة الشعب الممثلة في البرلمان زهير المغزاوي لـ"إيلاف" تُعتبر لجنة استثنائية وذات صلاحيات محدودة، بحكم النظام الداخلي للبرلمان التونسي، الذي لا يمنحها أي أداة أو سلطة قانونية لإلزام المؤسسات اوالأشخاص على المثول أمامها او تقديم معطيات محددة في حال طلبتها.

تجدر الإشارة الى ان تسفير الشباب التونسي للقتال في سوريا تمّ في معظمه خلال فترة حكم حركة النهضة وشريكيها حزب الرئيس السابق المنصف المرزوقي المؤتمر من اجل الجمهورية وحزب التكتلّ، وهو ما جعل عديد الاطراف في تونس تحمّل النهضة والمرزوقي المسؤولية عن تسفير الشباب للقتال.