«إيلاف» من مصر: شهدت العلاقات التركية - العراقية مرحلة جديدة من التقارب عقب زيارة رئيس الوزراء التركي "بن علي يلدريم" للعراق في 7 يناير الجاري، بعد أشهر من تأزمها نتيجة التراشق اللفظي بين رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك على خلفية دخول قوات تركية للأراضي العراقية وتمركزها في معسكر "بعشيقة" قرب مدينة الموصل. وهذه الدراسة "السياسة الخارجية التركية وأثرها على الأمن العربي" للباحث د. محمد طالب حميد، تبحث دور السياسة الخارجية التركية وتطلعاتها (الإقليمية والدولية) مع التركيز على انعكاسات تلك السياسة على الأمن الوطني العراقي، حيث تركيا من دول الجوار الجغرافي المهمة والمؤثرة في الشأن العراقي في الماضي، وهي كذلك في المستقبل لاعتبارات تاريخية وجيوستراتيجية. ناهيك عن تطلعاتها الإقليمية، والدولية حيث تعد تركيا من الدول الرئيسة المجاورة للعراق، وقد ارتبط شعبها بالشعب العراقي بروابط دينية، وسياسية، واقتصادية من حقبة زمنية ليست بالقصيرة، ولم تستطع المؤثرات السياسية الخارجية خارج المنطقة الجغرافية النيل منها.&

تاريخ العلاقات بين البلدين

العلاقات العراقية التركية، وفقًا للباحث، تطورت في نهاية الستينات من القرن الماضي، وكان من نتائجها إنشاء خط أنابيب النفط في السبعينات، والذي أدى إلى تنمية العلاقات بينهما في المجال السياسي والاقتصادي، وكانت هذه الأنابيب من جانب آخر تدر على الأتراك منافع اقتصادية هائلة.&

ولفت الباحث إلى أن الأتراك أكدوا من جانبهم على بعض المنطلقات النظرية في السياسة الخارجية إزاء أدائهم للوظيفة الإقليمية في الشرق الأوسط، ولعل من أبرزها تطبيق شعار قائد تركيا الحديثة "مصطفى كمال أتاتورك"، الذي يتمثل في (السلم في الداخل والسلم في الخارج)، وهذا الشعار الذي أرسى معالمه أتاتورك بعد حرب الاستقلال (1919م - 1922م)، وكان للعراق نصيب من هذا الشعار في تطبيق علاقات تركيا معهم، ومن جانب آخر أكد القادة الأتراك منذ منتصف الستينات من القرن الماضي وبعد إخفاقه في الأزمة القبرصية في عام 1963م، وهو تاريخ التقارب التركي مع الأقطار العربية، وعلى مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الأقطار، لذا اتسمت السياسة الخارجية التركية بنوع من الحساسية إزاء مصالح الأمن القومي العربي، إذ كانت حريصة على أن لا يمس تعاون تركيا مع الغرب ولاسيما في مجال الدفاع عن الأمن القومي العربي، وتمثل هذا الدور، ومن المنطلق النظري، بعدم سماح تركيا بتمويل المنشآت الأميركية في أراضيها ضد مصالح الوطن العربي، وعلى هذا الأساس فإن تركيا رفضت الانضمام إلى قوات الانتشار السريع بعد أحداث أفغانستان 1979، مؤكدة أن هذا الانضمام قد يؤدي إلى الفتور بين تركيا من جانب وبين الأقطار العربية من جانب آخر.

تدخل أجنبي لإضعاف العلاقات التركية العراقية

وأشار إلى أن بعض القوى الأجنبية حاولت إدخال عامل الضعف في العلاقات بين العراق وتركيا من خلال التأثير على السياسة الخارجية التركية تجاه العراق مستغلة أحداث 2 أغسطس عام 1990، وكان من نتائجها خروج تركيا على المنطلقات النظرية لسياستها الخارجية، والانحياز التام للولايات المتحدة في استخدام القواعد العسكرية انطلاقاً من الأراضي التركية، فضلاً عن موافقة تركيا السماح للجيوش الأجنبية المرابطة في أراضيها وباسم "قوات المطرقة المتأهبة"، والتي جاءت بحجة مساعدة أكراد شمال العراق وزيادة ما يسمى بالمعونات الإنسانية لهم، وكان من نتائج هذا السلوك في السياسة الخارجية التركية، أن انتاب الضعف والوهن علاقات تركيا مع العراق.

عدم تحدي علمانية الدولة التركية

ورأى أن السياسة الخارجية التركية قد تأثرت بجملة متغيرات داخلية وإقليمية ودولية كانت ولا تزال وستبقى تشكل حلقات مهمة لابد لصانع القرار السياسي الخارجي في تركيا من أن يأخذ&في الاعتبار ويحسب بدقة انعكاسات أي سياسة أو قرار يتخذه على هذه الحلقات، ففي الداخل لابد من أن تكون تلك السياسة تتناغم أو على الأقل لا تتقاطع مع الأسس الأيديولوجية التي أرساها مصطفى كمال أتاتورك ومنها العلمانية، الدولية، القومية، ولاسيما بالنسبة لعلمانية الدولة التركية. لذلك نلاحظ بأن الأحزاب السياسية في تركيا على اختلاف اتجاهاتها ومشاربها الفكرية (يسارية - يمينية - إسلامية) تؤمن بتلك الأسس، ولا تجرؤ على تحديها.

تحديات السياسة الخارجية التركية

وقال: "في الإطار الإقليمي، فإن السياسة الخارجية التركية تتحدد بجملة قضايا تعد من التحديات التي تواجهها تركيا ومازالت، فعلاقة تركيا بإيران، وموقف تركيا من القضايا العربية، والتعاون التركي الإسرائيلي، كل هذه القضايا لها الأثر الفعّال إقليميًا على السياسة الخارجية التركية؛ لأنها تعد وكما أسلفنا من التحديات المهمة التي تواجه تركيا. أما في الإطار الدولي، فلتركيا حلم يتعلق بانضمامها الى دول الاتحاد الأوروبي لما لهذا الانضمام من آثار سياسية واقتصادية وثقافية ايجابية على تركيا، ولكن قبل ذلك يجب أن نذكر علاقة تركيا بالولايات المتحدة الأميركية، وما لهذه العلاقة من أهمية لدى تركيا لتحقيق حلمها في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من العقبات التي تقف حائلاً أمام هذا الحلم، فالسياسة التركية تعمل بالاتجاه الذي يجعل هذا الحلم حقيقة وواقعاً من خلال توظيفها لعلاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الدور الأميركي الداعم لها في هذا المجال، وكذلك دور تركيا الفاعل في حلف شمال الأطلسي (الأطلنطي)، وذلك لإدراك تركيا من أنها لن تتمكن بمفردها أن تتماشى مع متطلبات التحولات التقنية والمعرفية ما لم تتكتل مع قريناتها في التوجهات أو المصالح المشتركة. كذلك لابد من تفهم علاقة تركيا بروسيا، وما لهذه العلاقة من إتمام مصالح مشتركة اقتصادية وسياسية على المستوى الدولي. وهدف السياسة الخارجية التركية الجديد الذي هو تصفير المشاكل والتحول من دولة طرف إلى دولة مركز هذه السياسة التي أسسها وعمل على إنجاحها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو.

وفي ما يتعلق بالمتغيرات العراقية المؤثرة في السياسة الخارجية التركية تجاه العراق، فقد أكد الباحث أن على صانع القرار العراقي أن يعمل على توظيف المتغير التركي لصالح أهداف السياسة العراقية وسياسة الأمن الوطني تحديداً، وذلك لحجم تأثير هذه المتغيرات سلباً أو إيجاباً على السياسة الخارجية التركية تجاه العراق من خلال ملامستها للقضايا ذات الاهتمام المشترك، لاسيما في قضايا مثل القضية الكردية وقضية المياه وقضية مدينة كركوك.

آليات عمل السياسة الخارجية العراقية

&ورأى أن السياسة الخارجية العراقية يجب أن تعمل وفق&عدد من الآليات أبرزها:

أولاً عدم السماح لأن تكون الأرض العراقية مأوى لأي جماعات معارضة للنظام السياسي في تركيا وتحت أي ذريعة.

ثانيًا إعلام الجانب التركي، ومن خلال القنوات الدبلوماسية، بالقناعة المشتركة بأن حل القضية الكردية لا يكون بإقامة دولة كردية في شمال العراق، أو جنوب شرق تركيا، وإنما بمنح المواطنين الأكراد الحقوق والحريات العامة التي تتيح لهم التمتع بالحكم الذاتي، وإدارة شؤونهم الداخلية بأنفسهم، وعدم استخدام القوة لحل مشاكلهم، إذ أن أي تصرف خارج هذه القناعة يعرض امن البلد الآخر إلى الخطر.

ثالثًا وجود مصلحة أمنية مشتركة بين البلدين لمنع المتسللين من الطرفين، والحد من الحوادث الحدودية التي قد تؤدي إلى حوادث مؤسفة لايمكن السيطرة عليها.

رابعًا إفهام الجانب التركي، ومن خلال القنوات الدبلوماسية الرسمية، على أن الذي يجري داخل العراق هو في إطار دستوري (بموجب الدستور الرسمي الذي صوت عليه الشعب العراقي)، وبالتالي فإن ذلك هو خيار الشعب العراقي الذي لابد أن يحترم من قبل الجانب التركي، علماً بأن نفس الدستور يقف موقفاً حازمًا من عملية التدخل في الشؤون الداخلية لدول العالم عمومًا.

خامسًا وجود مصالح اقتصادية مشتركة للتبادل التجاري، والتعاون الإيجابي لصالح الطرفين، والمصلحة المشتركة في استمرار تدفق النفط العراقي عبر الأراضي التركية، والعمل على تنفيذ خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر تركيا، وسد الاحتياجات التركية منها بشكل دائم، وحتى بأسعار تفضيلية مقابل سد الاحتياجات العراقية من السلع التركية الأخرى.

سادسًا أما موضوع قضية المياه، فلابد للسياسة الخارجية العراقية من تنسيق مواقفها مع سوريا بحيث يفضي إلى تنسيق المفاوض العراقي والمفاوض السوري في مفاوضاتهما مع الجانب التركي في موضوع المياه بالاتجاه الذي يؤدي الى تشكيل ضغط على المفاوض التركي، وصولاً الى حلول عملية تخدم المصالح الثنائية (العراقية - السورية) في موضوع المياه، وفي الوقت ذاته يكون ذلك في إطار اتفاق موضوعي مع الجانب التركي.

سابعًا إعلام الجانب التركي، من خلال القنوات الدبلوماسية بالرغبة الأكيدة للحكومة العراقية في حماية التركمان في العراق من الاعتداءات التي قد يتعرضون إليها، أو التجاوزات على حقوقهم وحرياتهم وممتلكاتهم من قبل البعض، كما حدث في المرات السابقة.

وفي ما يتعلق بانعكاسات السياسة الخارجية التركية على الأمن الوطني العراقي، فنبّه الباحث إلى أن العراق يتأثر، ويؤثر من خلال علاقاتهِ الخارجية بالدول الإقليمية، وأن السياسة الخارجية التركية تلعب دوراً مهماً ومؤثراً على العراق من عدة جوانب سياسية واقتصادية وأمنية، وعليه فإن أمن العراق الوطني يتأثر بشكل أو بآخر بحركة هذه السياسة، ذلك لأن السياسة الخارجية التركية لها أهداف قد تتقاطع مع مصالح العراق بهذا القدر أو بذاك، وهو أمر طبيعي، لاسيما موقف تركيا من احتلال العراق، والعلاقات (التركية – الإيرانية)، وأثرها على الأمن الوطني العراقي، الموقف التركي من تطورات الداخل العراقي.

&