اثارت إقالة مايكل فلين من منصب مستشار الأمن القومي تساؤلات عن صدق الرئيس دونالد ترامب وكفاءته ومزاجه وارتباطاته.&

إيلاف من لندن: قال المرشح الرئاسي الأميركي السابق ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ جون ماكين إن إقالة مايكل فلين "مؤشر مقلق الى وجود خلل في عمل جهاز مجلس الأمن الحالي"، وهي تثير مزيدًا من التساؤلات عن نيات ادارة ترامب بشأن التعامل مع روسيا والرئيس فلاديمير بوتين.

وكان فلين شدد في حديث مع مجلة نيويوركر على ضرورة ايجاد طريقة "للعمل مع روسيا بدلا من جعلها عدواً". واشار الى المواقف السلبية بوصفها محاولة لاستهداف ترامب والتشكيك في شرعية انتخابه.&

كان فلين، قبل اقالته، يُحضّر كل صباح الايجاز الاستخباراتي الذي يُقدم الى الرئيس بمشاركة اعضاء مجلس الأمن القومي، ومنهم مدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو ورئيس موظفي البيت الأبيض راينس بريباس، واحياناً بحضور كبير المخططين الاستراتيجيين ستيف بانون. وقال فلين ان هذه الايجازات لا تقتصر دائمًا على أمن الولايات المتحدة واعدائها.

وكان التحدي الذي واجه فلين، وقد يواجه خلفه، تحديًا فريدًا من نوعه، لأن بانون تحرك على ما يبدو بهدف تشكيل مجلس أمن قومي موازٍ لأغراضه الخاصة، أو "مجلس ظل"، كما قال مصدر في مجلس الأمن القومي لمجلة نيويوركر.

إضعاف القاعدة&

دخل فلين البيت الأبيض بنية إعادة النظر في الهيكل التنظيمي لمجلس الأمن القومي الذي يتألف كادره في الغالب من موظفين مهنيين من وزارة الخارجية والبنتاغون والاجهزة الاستخباراتية. ولكن فلين سرعان ما اكتشف، في مجرى صراعه مع بانون، ان الهيكل التنظيمي التقليدي للمجلس يمكن ان يساعده في بناء نفوذه في البيت الأبيض. وحين سُئل إن كان من المناسب ان يشغل بانون مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن القومي أجاب: "انه قرار مُتَّخذ".

خدم فلين في العراق خلال الاحتلال الاميركي وكان له دور في تخطيط العملية التي اسفرت عن قتل مصعب الزرقاي عام 2006. وبعد سنتين نُقل الى البنتاغون حيث عمل رئيسًا لجهاز الاستخبارات المسؤول امام هيئة الاركان المشتركة. وحين عُين الجنرال ستاني ماكريستال قائدًا للقوات الاميركية في افغانستان، طلب من صديقه فلين ان يصبح مدير استخباراته هناك، وذلك بناءً على تعاونهما في العراق ونجاحهما في إضعاف تنظيم القاعدة.&

حين قرر الرئيس باراك اوباما إقالة ماكريستال بسبب انتقاداته للسياسيين في واشنطن، وخاصة نائب الرئيس جو بايدن الذي وصفه ماكريستال بأنه "قصير النظر"، اعرب فلين عن استيائه من القرار، وقال إن من الصعب عليه ان يرى حياة ماكريستال العسكرية تنتهي بهذه الطريقة.

عاد فلين الى واشنطن حيث عُين في مكتب جيمس كلابر رئيس الاستخبارات الوطنية. ونال فلين شعبية في دوائر السياسة الخارجية هناك بسبب نجاحه في العراق وافغانستان.

في هذه الأثناء أخذ فلين ينظر الى ايران على انها تشكل تهديدًا كبيرًا في ضوء خبرته المباشرة، وخاصة في العراق، حيث شاهد جنوده يُقتلون بعبوات مصدرها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني. كما كشفت الوثائق التي عُثر عليها في منزل اسامة بن لادن بعد مقتله عن وجود تعاون وثيق بين ايران وتنظيم القاعدة، بما في ذلك رسالة من احد مسؤولي القاعدة الى بن لادن يطلب منه الموافقة على ارسال احد عناصر التنظيم الى ايران "حوالى ثلاثة اشهر لتدريب الأخوة" في اطار مخطط لتنفيذ عمليات في اوروبا.

خبير أمني واستراتيجي

عام 2012 قرر اوباما تعيين فلين مديرًا لوكالة الاستخبارات الدفاعية، حيث اجرى تغييرات اثارت تذمر العاملين في الوكالة وتسببت في هبوط معنوياتهم، حتى انهم أخذوا يطلبون بالجملة نقلهم الى دوائر أخرى. كما كان فلين احيانا لا يجيد التعامل مع الأرقام والتفاصيل.

عام 2013 قام فلين بزيارة الى موسكو لالقاء محاضرة أمام جمع من ضباط الاستخبارات الروسية "جي. آر. يو" عن تنمية القيادة. وكان قراره زيارة موسكو مثيرا للجدل. إذ كان فلين يعتقد ان هناك فرصًا لايجاد ارضية مشتركة مع روسيا. وكان ستيفن هول، رئيس عمليات وكالة المخاربرات المركزية في روسيا وقتذاك، يشك في ذلك.

بعد اشهر على عودة فلين، اراد ان يدعو بالمقابل عدة ضباط من الاستخبارات الروسية الى الولايات المتحدة، ولكن كلابر، رئيس الاستخبارات الوطنية، حذره من اتخاذ خطوة كهذه، لا سيما وان روسيا ضمت شبه جزيرة القرم واخذت تتدخل في شرق اوكرانيا. وفي اواخر 2013 أُبلغ فلين ان رئاسته لوكالة الاستخبارات الدفاعية ستكون لمدة عامين فقط بدلا من ثلاثة اعوام أو اكثر كما هو متعارف عليه. وفي صيف 2014 اعلن فلين تقاعده بعد 33 عاماً من الحياة العسكرية.

بدأ فلين يبني حياته ما بعد العسكرية. أسس شركة اسمها "فلين انتل غروب" للخدمات الأمنية. &وفي يناير 2015 تعاقد مع شركة علاقات عامة لترويج خبرته في القيادة والأمن الالكتروني ومكافحة الارهاب. وأخذ فلين يسوّق نفسه بوصفه جنرالًا سابقًا له خبرة واسعة في محاربة التطرف الاسلامي. وبعد شهر تحدث في ندوة بادارة الصحفي التلفزيوني تشارلي روز عن خطر تنظيم داعش، الذي كان يحقق مكاسب على الأرض في العراق وسوريا. لكنه اضاف ان اميركا تواجه اعداء اكبر من داعش. وقال "ان ايران قتلت من الاميركيين أكثر مما قتل تنظيم القاعدة من خلال جماعات مدعومة من الدولة ومن خلال شبكتها الارهابية التي تُسمى حزب الله". وحين طُلب منه ان يسند رأيه هذا، قدم ارقامًا كانت أقل بكثير من عدد ضحايا هجمات 11 سبتمبر التي اسفرت عن مقتل نحو 3000 شخص.

وعلى شبكات "فوكس نيوز" و "ان بي سي" و "سي ان ان" وغيرها، تزايدت انتقادات فلين لادارة اوباما، مركزًا نيران نقده على الاتفاق النووي مع ايران، واستراتيجية الادارة لمحاربة داعش وتعاملها مع التطرف الاسلامي عمومًا. وطلب مشورته عدة جمهوريين كانوا يطمحون في الفوز بترشيح حزبهم ضد هيلاري كلنتون.

في اغسطس 2015 سافر فلين الى نيويورك ليلتقي بترامب لأول مرة. وكان من المقرر ان يستمر اللقاء 30 دقيقة لكنه دام 90 دقيقة. وقال فلين لمجلة نيويوركر "كنتُ أعرف انه سيكون رئيس الولايات المتحدة".

بعد شهرين ظهر فلين على قناة "آر تي" الروسية التي تُعد ذراع الكرملين الدعائية. وتحدث عن الحرب الأهلية في سوريا وقارن بين موقف بوتين الحازم وسياسة اوباما المترددة في المنطقة. وقال ان استراتيجية اوباما "بلا تماسك وبلا وضوح".

في اوائل نوفمبر 2015، دعته قناة "آر تي" للمشاركة في احتفالها بمرور عشرة اعوام على انطلاقها في موسكو. وقال مصدر مطلع لمجلة نيويورك تايمز ان رسم المشاركة كان نحو 40 الف دولار. وكانت تلك الزيارة أشد اثارة للجدل من زيارته وقت كان رئيس وكالة الاستخبارات الدفاعية.

متحمسٌ لترامب&

اقام فلين في فندق قرب الساحة الحمراء. واجرت صوفي شيفردنادزة، مراسلة قناة "آر تي"، مقابلة معه تناولت من بين قضايا أخرى رد روسيا على اسقاط تركيا احدى طائراتها. وقال فلين "لا أدرى ماذا تتوقع تركيا ولا أعرف ماذا تتوقع روسيا". ولكنه خرج عن طوره بانتقاد الحكومة الروسية والهجوم على شركائها في دمشق وطهران. وقال ان حلفاء الأسد في طهران يزيدون الأوضاع في سوريا وغيرها تفاقماً. واضاف: "ان ايران تصدّر الكثير من الارهاب".

في اوائل عام 2016 كان فلين متحمساً لترشيح ترامب. وقال مصدر قريب منه "ان فلين اختار الحصان الرابح واختاره في وقت مبكر".

في صيف 2016 طرحت حملة ترامب اسم فلين مرشحاً لمنصب نائب الرئيس. وبعد مؤتمر الحزب الجمهوري اصبح حضور فلين دائماً في فعاليات ترامب الانتخابية، يرافقه احيانا نجله مايكل فلين الابن. ومن خلال نجله الى حد ما، بدأ فلين يغازل على الانترنت مجموعة من مريدي نظرية المؤامرة والقوميين البيض الذين يسمون أنفسهم "اليمين البديل". وأخذ فلين، مثله مثل ترامب، يشير علناً الى ان اوباما مسلم متخفٍ وليس اميركيا حقيقياً. وقال: "اوباما لم ينشأ طفلا اميركيًا". واضاف ان قيم الرئيس "تختلف اختلافاً تاماً عن قيمي".

كما عمل فلين على تأجيج المخاوف بشأن المسلمين. وحاول ستانلي ماكريستال ومايك موان رئيس هيئة الاركان المشتركة السابق، اقناع فلين بالتخفيف من لهجته ولكن بلا جدوى.

في اغسطس 2016 تعاقد رجل اعمال تركي تربطه علاقات قوية بحكومة رجب طيب اردوغان مع شركة فلين للمساعدة في ترويج الرأي القائل ان حملة الاعتقالات التي شنها اردوغان ضد خصومه كانت ردا على محاولة انقلابية استهدفته. وكان فلين انتقد اردوغان في السابق بوصفه يشكل تهديداً اسلامياً ولكنه نحى هذه الانتقادات جانباً وكتب في جريدة الكونغرس "ذي هيل" ان تركيا "حليفتنا الأقوى" ضد داعش.&

قال فلين لمجلة نيويوركر انه يعتز بكونه مخططا استراتيجيا. وحين سُئل عن استراتيجيته ضد داعش قال ان الاستراتجية العسكرية لادارة ترامب يجب ان تتضمن "قتال هؤلاء في ساحة المعركة".

نهاية مفاجئة

بعد تسعة ايام من عمر الادارة الجديدة، اجرت ايران تجارب صاروخية. وبعد ثلاثة ايام على اجرائها، قطع المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر ايجازه الصحفي اليومي ودعا فلين الى الكلام. وكانت نيويورك تايمز نشرت وقتذاك تقريرا يتحدث عن انحسار نفوذ فلين فبدا عازماً على إثبات العكس. وقال فلين ان ترامب شجعه على قراءة بيان الحكومة. وفيه حمل فلين على ايران بسبب "سلوكها المزعزع للاستقرار في عموم الشرق الأوسط" موجهاً اول تحذير رسمي اليها من الادارة الجديدة.

وحين سُئل فلين كيف يريد ان يعاقب ايران امتنع عن الاجابة قائلا انه لا يريد "إذاعة العمل العسكري".

جاءت نهاية فلين بصورة مفاجئة بعض الشيء. فهو امضى يوم الأحد مع الرئيس ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في منتجع ترامب في فلوريدا. ولكن في واشنطن كانت هناك بلبلة بعد ظهر الاثنين بشأن وضع فلين. وخلال مقابلة تلفزيونية، قالت كيليان كونواي، مستشارة ترامب، ان فلين يتمتع بثقة الرئيس "الكاملة". وفي غضون ساعة صرح سبايسر بأن ترامب "يقيّم الوضع". وقال مسؤول في الادارة لمجلة نيويوركر ان فلين استمر في أداء واجباته كالمعتاد وشارك في مناقشات السياسة الخارجية في المكتب البيضاوي.

ولكن صحيفة واشنطن بوست نشرت مساء ذلك اليوم مقالة اخرى في طبعتها الالكترونية عن مخاوف وزارة العدل من الابتزاز. وبعد ذلك بفترة وجيزة، طلب ترامب من فلين ان يقدم استقالته.

شارك فلين منذ فوز ترامب في عشرات البرامج الحساسة التي تتعلق بالعمليات الاستخباراتية. &وبموجب البروتوكول المتبع فانه امضى الساعات الأخيرة في البيت الأبيض في انهاء علاقته بهذه البرامج وهي عملية تتطلب التوقيع على عدة استمارات وتعهدات تتعلق بالحفاظ على السرية. وفي يوم الثلاثاء، حضر ممثل عن الحكومة الى بيته لأخذ هواتفه وبطاقاته الأمنية ومفاتيحه.

القصة أكبر من فلين

وفي يوم الأربعاء، أغدق ترامب المديح على فلين متهما وسائل الاعلام بالمسؤولية عن إقالته. &وقال "ان الصحافة يجب ان تخجل من نفسها". وعزا ترامب استقالة فلين الى "تسريبات غير قانونية" وليس اتصالاته مع السفير الروسي. فالقانون الاميركي يمنع المواطنين غير المخولين من ممارسة الدبلوماسية مع حكومات أجنبية. وبعد فترة قصيرة على تولي فلين منصب مستشار الامن القومي استجوبه ضباط مكتب التحقيقات الفيدرالي ولكنه نفى انه بحث العقوبات المفروضة على روسيا مع سفيرها كيسلياك، كما افادت صحيفة واشنطن بوست. وإذا كذب فلين على مكتب التحقيقات الفيدرالي فانه يمكن ان يقع تحت طائلة القانون بتهم جنائية.&

صوَّر مسؤولون في البيت الأبيض محادثات فلين مع السفير الروسي على انها مبادرة فردية منه. ولكن زعيم الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب آدم شيف وآخرين يشكون في ذلك. وقال شيف انه سيكون من غير المعهود ان يجري فلين بصفته الشخصية محادثات مع الروس عن العقوبات ضد روسيا. وفي يوم الخميس اعلن ترامب خلال مؤتمر صحفي ان فلين لم يرتكب مخالفة. وقال "أنا لم اوعز له بذلك ولكني كنتُ سأوعز له بذلك لو لم يفعل".

قال بعض زملاء فلين السابقين في الجيش لمجلة نيويوركر انهم يشكون في ان فلين كان يمارس دبلوماسية الظل بمبادرة فردية منه. ورغم سمعته كمحرّض، فانه في النهاية جندي يطيع الأوامر. ونقلت مجلة نيويوركر عن مسؤول رفيع في الاستخبارات العسكرية قوله "ان هذه القصة أكبر من مايك فلين. مَنْ قال له ان يفعل ذلك؟ أعتقد ان احداً ما قال: مايك، انت لديك بعض العلاقات. دعهم يعرفون ان الأمور ستكون على ما يرام. فمايك جندي، وهو لم يصبح جندياً مارقاً".
&