يكشف سفير أميركي سابق لدى مصر وإسرائيل خفايا المؤتمر الصحافي المشترك بين دونالد ترامب وبنيامين نتانياهو، فيصفه بالتمثيلية الذكية المعدّة بعناية، والمصممة للتعامل مع الأزمات السياسية التي يواجهانها في بلديهما.

إيلاف من بيروت: تمتّع مؤتمر دونالد ترامب - بنيامين نتانياهو الصحافي في 15 فبراير الجاري ببعض المظاهر المألوفة عادة في أي لقاء يجمع بين قائدين. لكن، في الواقع، لم يكن هذا الحدث عاديًا. فقد قدم الزعيمان تمثيلية ذكية ومعدّة بعناية، مصممة للتعامل مع الأزمات السياسية التي يواجهانها في بلديهما فحسب، وكانت الدبلوماسية غائبة.

دولة أو دولتان؟
أولًا، كان التنظيم كلّه غريبًا. فلم يكن الصحافيون والمساعدون السياسيون حاضرين فحسب، بل حضرت زوجتا الرئيسين وابنة ترامب، إيفانكا، زينة لهذا العرض.&

وتكلّم ترامب ونتانياهو مع الصحافة قبل اجتماعهما، ما جعل الوضع حملة انتخابية مع شعارات وخطب أكثر منه فرصة جدية لمشاركة مضمون مناقشاتهما. وبدا الزعيمان وكأنهما يفعلان كل ما بوسعهما للإشارة إلى أن الحدث برمته قد تم تصميمه للاستعراض لا أكثر، ولم يكن ينقصه سوى الغمز والتهريج.&

ثانيًا، تم استبعاد أي تغيير في السياسة بشكل عرضي من دون بحث أو تحليل على ما يبدو، وكأن الأمر مجرد تغريدة. لعقود مضت، كان حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يحظى بدعم الحزبين الأميركيين، الديمقراطي والجمهوري. لكن في المؤتمر الصحافي، قال ترامب إنه ينظر إلى حل الدولة الواحدة وحل الدولتين، وهو مع الحل الذي يُرضي الفريقين، أي الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو شخصيًا يمكنه التعايش مع أي حلّ من الحلّين.&

أراح نتانياهو
تغيير كهذا في السياسة يحصل في العادة بعد تمحيص وتدقيق وتقويم واقعي مترافق مع استراتيجية ناضجة، الأمر الذي كان سيفضي إلى أن حل الدولتين هو الخيار الوحيد لإحلال السلام. أما ما زاد اللغط فكان تصريح نيكي هايلي، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، التي أكدت دعم الولايات المتحدة حل الدولتين.&

وعلى الرغم من أن كلمات ترامب أتت بشكل عرضي، فهي لم تصدر من جهل كامل بالوضع، إذ فعل ذلك ليريح نتانياهو من عبء القيام بالأمر نفسه تحت ضغط اليمين المتطرف في ائتلافه. وكان شركاء نتانياهو، وخصوصًا نفتالي بينيت، زعيم حزب البيت اليهودي، قد طلبوا من نتانياهو أن يرفض حل الدولتين بحزم، حتى إنّهم رفضوا أن يتم استخدام عبارة الدولتين في واشنطن.&

فقدّم ترامب مخرجًا لنتانياهو يحافظ به على ماء وجهه، من خلال تفريغ العبارة من معناها. فما كان من نتانياهو إلا أن كرر سبحته غير الواقعية عن الشروط المسبقة لدعم حل الدولتين، وذهب إلى أبعد من ذلك، فهزئ بالولايات المتحدة والفلسطينيين وخصومه في إسرائيل، ووصل إلى حد القول إن ما يهمّه هو السلام، لا شعار "الدولتين".&

الاستعراض مستمر
ثالثًا، اتخذ ترامب موقفًا أميركيًا تقليديًا تجاه المستوطنات، إذ أشار في الأسبوع الماضي إلى أن على إسرائيل أن تخفف من وتيرة بنائها. لكن، حتى هذا التصريح كان استعراضيًا. فبعد انتخاب ترامب، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن مشروع كبير للبناء في الأراضي المحتلة، في إشارة إلى أنها تحررت مع وصول "رجُلها" إلى البيت الأبيض.

لكن البيان نفسه، الذي حذر فيه البيت الأبيض إسرائيل في شأن المستوطنات يؤكد أن المستوطنات ليست عقبة أمام السلام، في تناقض كرره ترامب في المؤتمر الصحافي. وقد واجه المساعدون ملاحظته بالضحك، لأنهم يدركون تمامًا أن تحذير ترامب العلني سيسمح لنتانياهو باستكمال النشاط الاستيطاني، إنما وفقًا لإيقاع ونطاق من اختياره هو، لا من اختيار بينيت.&

أخيرًا، وافق ترامب في الظاهر مع شرط نتانياهو المكرر أن على الفلسطينيين القبول بإسرائيل دولةً عبرية. ونتانياهو يعرف جيدًا أن الفلسطينيين لا يمكن أن ينطلقوا من هذه النقطة، وبالتالي هذه وسيلة مناسبة لإلقاء اللوم عليهم واتهامهم بالتعنت.

مسرحية سياسية&
أما ترامب، فمدى معرفته بالأمور ليس واضحًا. فهل يدري أن الفلسطينيين اعترفوا بشرعية دولة إسرائيل منذ عام 1993؟ أو إن مطلب نتانياهو هو بمنزلة صفعة للمواطنين الفلسطينيين في دولة إسرائيل، ويتخطى عددهم المليون؟.

الواضح هو أن ترامب لا يدرك أن اسرائيل لم تقدم نفسها بوصفها دولة يهودية في الواقع، وعدم وجود دستور لها يعود في جزء كبير إلى أنه يستحيل تخطي الخلافات على الهوية والدين والحقوق المدنية.&

كان المؤتمر الصحافي المشترك أقرب إلى مسرحية سياسية منه إلى مغامرة ديبلوماسية. ولم يكن هذا يدعو إلى المفاجأة. فالزعيمان يواجهان اضطرابات في وطنيهما، وأراد كل منهما مناورة خصومه السياسيين والتفوق عليهم، ونقل الحوار بعيدًا عن فشله الذريع في صوغ سياسات معقولة وتطبيقها. وكما تقول الأغنية: "أحضروا المهرجين... لا داعي، فهم أصلًا هنا". &&
&& &
&