أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني على ترسيخ مفهوم القضاء الفاعل والنزيه كركن أساس في الدولة المدنية القائمة على العدالة وسيادة القانون وضمان الحقوق والحريات، مشددًا على أن القضاء خط أحمر، داعيًا إلى الإسراع في إجراءات التقاضي وتفعيل مبدأ التخصص في القضاء.&

إيلاف: تسلم الملك عبدالله الثاني، خلال لقائه رئيس وأعضاء اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون، اليوم الأحد، تقرير اللجنة، الذي تضمن السياسات والأهداف الاستراتيجية والبرامج التنفيذية والتشريعات المقترحة لتحديث وتطوير الجهاز القضائي وتعزيز دوره في تحقيق سيادة القانون.

يأتي هذا التقرير نتاج عمل اللجنة الملكية التي كانت تشكلت في أكتوبر 2016، حيث كان الملك عهد إلى رئيس الوزراء السابق زيد الرفاعي برئاستها لوضع استراتيجية شاملة، خلال مدة أربعة شهور، لمعالجة التحديات ومواصلة عملية التحديث والتطوير والارتقاء بأداء السلطة القضائية.

سيادة القانون
وشُكلت اللجنة الملكية التي ضمت، إضافة إلى رئيسها، 14 عضوًا من ذوي الخبرة القضائية والقانونية، بعد نشر الملك عبدالله الثاني الورقة النقاشية السادسة، بعنوان "سيادة القانون أساس الدولة المدنية"، والتي أكدت تحت محور "تطوير الجهاز القضائي أساس لتعزيز سيادة القانون"، أن "مبدأ سيادة القانون لا يمكن أن يترسخ إلا بوجود جهاز قضائي كفؤ ونزيه وفاعل".

وأكد العاهل الأردني خلال اللقاء، الذي جرى في قصر الحسينية، على ضرورة الانتقال إلى مرحلة التنفيذ من خلال التنسيق مع رؤساء السلطات لترجمة التوصيات على أرض الواقع وتطبيق البرامج التنفيذية ضمن المدد المقررة، مؤكدًا أهمية المتابعة مع مختلف مؤسسات الدولة لضمان تطبيقها عام 2017، من دون أي تأخير.

متابعة التوصيات
وأشار الملك عبدالله الثاني إلى أنه سيبقى على تواصل مع اللجنة لمتابعة التنفيذ الفعلي للتوصيات حتى يلمس المواطن نتائجها. وقال إن "القضاء خط أحمر، ولا بد من العمل بسرعة لتطبيق توصيات اللجنة، وسأتابع شخصيًا مع هذه اللجنة لتفادي أي تقصير في التنفيذ".

ولفت العاهل الهاشمي إلى أن الإسراع في إجراءات التقاضي وتفعيل مبدأ التخصص في القضاء، سيضمن حصول المواطنين والمستثمرين على حقوقهم ضمن فترات زمنية مقبولة، لما فيه مصلحة شعبنا وبلدنا.

وأعرب عن شكره لرئيس وأعضاء اللجنة على الجهد الكبير الذي بذلوه في وضع هذه التوصيات والوصول إلى هذا الإنجاز الذي سينهض بأداء السلطة القضائية ويعزز الثقة بها، وبما يسهم في تحقيق العدالة والمساواة وتجذير سيادة القانون كعماد رئيس للدولة المدنية.

كلمة الرفاعي
من جهته، قال رئيس اللجنة زيد الرفاعي، خلال اللقاء، إن اللجنة الملكيّة بذلت جهودًا كبيرة للوصول إلى هذه التوصيّات التي تضمنها التقرير لوضعها أمام الملك، معربًا عن الأمل بأن تلبّي رؤاه للارتقاء بأداء الجهاز القضائي ومواكبة أفضل الممارسات العالميّة.

وأكد الرفاعي أن "جلالة الملك يولي القضاء الرعاية ويحرص على متابعة شؤونه والوقوف على احتياجاته لإيمانه العميق بمكانة القضاء بين السلطات الثلاث في المملكة ودوره في فرض سيادة القانون وحماية الحقوق والحريات". وقال "أمرتم جلالتكم بإجراء تعديلات دستورية وطّدت استقلال القضاء والقضاة، وقدمتم الورقة النقاشية السادسة".

وبيّن الرفاعي أن اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون عقدت اجتماعات مكثّفة خلال الأشهر الأربعة الماضية، واطّلعت على آراء الجهات المعنية المختلفة، واستعرضت أفضل الممارسات العالميّة ودرست الاحصائيات القضائية وما تؤشر إليه من نتائج.

وأكد أن اللجنة إطلعت أيضًا على ما تمّ إنجازه من لجان سابقة لتطوير القضاء ومن المجلس القضائي ووزارة العدل، وشخّصت الوضع الراهن للقضاء تشخيصًا شاملًا، حيث خلصت إلى وضع محاور تتناول في ما تتناوله: التشريعات الحقوقية، والتشريعات الجزائية، وتشكيل المحاكم والغرف المتخصصة في المحاكم، والمجلس القضائي، والنيابة العامة، والتفتيش القضائي، وشؤون القضاة، والبيئة القضائيّة.

تحديث القضاء
ولفت الرفاعي إلى أن توطيد استقلال القضاء يعدّ محورًا مهمًا من محاور تحديث القضاء؛ إذ لا نهضة لأي قضاء من دون توفير ضمانات استقلال قٌضاته وضمان استقلال الجهة القائمة على شؤونه تكريسًا لحقّ المواطن في اللجوء إلى قضاء مستقل منصف.&
تابع قائلًا، "يتطلّب هذا تعزيز استقلال القضاة واستقلال المجلس القضائيّ ووضع التدابير المثلى لتعيين القضاة ونقلهم وترفيعهم وانتدابهم وتأمين مستلزمات الأمن والاستقرار الوظيفي لهم وتعزيز دور التفتيش القضائي في الرقابة والتقييم والتوجيه".

توصيات&
وأوضح أن اللجنة ولتحقيق ذلك ارتأت اقتراح عدد من التّوصيات متضمّنة بعض التعديلات على قانون استقلال القضاء وقانون تشكيل المحاكم النظاميّة ونظام التفتّيش القضائي وغيرها من التّشريعات الأخرى ذات العلاقة لتعزيز تلك الضمانات.

وفي معرض حديثه عن تحديث وتطوير العدالة الجزائية، قال الرفاعي، "إن هذا لا يقف عند تطوير إجراءات الدعوى الجزائية في جميع مراحلها وضبط الإجراءات وترشيدها للوصول إلى عدالة ناجزة تكون ضامنةً لتحقيق مبدأ سيادة القانون، بل يتعداه إلى تطوير وتحديث السياسة الجزائيّة".

المحاكمة العادلة
وأضاف، إن تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة في جميع مراحل الدّعوى الجزائيّة وتطوير سياسة التّجريم والوصول إلى سياسة عقابيّة فاعلة، يتطلب تقديم الاقتراحات الّلازمة لتحديث النّصوص الجزائيّة بنوعيها الإجرائية والموضوعية، وبما يحقّق غايات ذلك التّحديث وإصدار التوصيات اللازمة بشأن ذلك كلّه.

وبشأن إجراءات التقاضي في جميع الدّعاوى، والدّعاوى الحقوقيّة والتنفيذيّة على وجه الخصوص، بيّن الرفاعي أن "بطء تلك الإجراءات لا يخدم تحقيق العدالة بين المتقاضين ويعوق مسيرة الإصلاح السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ وتحقيق متطلبات الأمن القانوني وتعزيز مبدأ سيادة القانون".

البتّ في الدعاوى
وأوضح في هذا الخصوص، أن هذا الأمر استدعى تشخيص الأسباب التي تؤدّي إلى ذلك، واقتراح الحلول الملائمة لها لضمان البتّ في تلك الدعاوى خلال آجال معقولة ورفع جودة الأحكام ونجاعتها وتنفيذها، وهو ما اقتضى إصدار التّوصيات الّلازمة لتحديث النّصوص المنظّمة لإجراءات الدّعاوى وتنفيذ الأحكام على نحو يكفل سرعتها ونجاعتها.

وأشار الرفاعي إلى أن اللجنة، ومن منطلق إدراكها أنّ تطوير أساليب الإدارة القضائيّة من خلال عصرنتها وتسخير التكنولوجيا الحديثة لخدمة العدالة ووجود إدارة قضائية محترفة يسهّل أداء القضاء لمهمته بنجاعة وفاعلية؛ فإنّ تحديث الإدارة القضائيّة كان من أولويات عملها.

وبيّن رئيس اللجنة أن هذا التحديث اشتمل على وضع التّوصيات لتأهيل العناصر البشريّة والأجهزة المساهمة في عملية التّقاضي والبيئة المناسبة لعمل القاضي وبناء أسس نظام قضائي قائم على التّخصّص وتطوير البنى التّحتيّة للمحاكم وتعزيز قيم النّزاهة في المهن القضائيّة وإيلاء العناية الّلازمة بالتّكوين الأساسي والتأهيل المستمرّ للعاملين في الجهاز القضائيّ وأجهزته المساندة.

سلطات الدولة&
وأكد الرفاعي أن تطوير وتحديث الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون يحتاج تعاون جميع سلطات الدّولة والمعنيين في العمل القضائي بروح المسؤوليّة الوطنيّة.

وكانت اللجنة الملكية شخّصت الوضعَ الراهنَ للقضاء تشخيصًا شاملًا، وتوصلت إلى توصيات تتضمن السياسات والأهداف الرئيسة ووضعت برامج تنفيذية ضمن جداول زمنية، واقترحت ستة عشر تشريعًا لترجمة هذه السياسات والأهداف على أرض الواقع.

تضمنت السياسات والأهداف الاستراتيجية: توطيد استقلال القضاء والقضاة، وتحديث الإدارة القضائية وتطويرها، وتحديث وتطوير العدالة الجزائية وتنفيذ الأحكام، وتحديث وتطوير إجراءات الدعاوى الحقوقية وتنفيذ الأحكام.

أبرز التوصيات
ومن أبرز توصيات اللجنة لجهة ضمان عدالة ناجزة وفاعلة للمواطن، تبسيط إجراءات التقاضي وتسريعها وصولًا إلى تحقيق العدالة، ومنح المحكمة الحق بعقد جلسات متتالية وبآجال قصيرة وخارج أوقات الدوام الرسمي لضمان سرعة الفصل في الدعوى، إضافة إلى فرض جزاءات على الخصم الذي يستخدم وسائل كيدية لإطالة إجراءات الدعوى.

كما تضمنت التوصيات الاستفادة من التقنيات الحديثة في إجراء المحاكمة عن بُعد بين نزيل مركز الإصلاح والتأهيل وقاعة المحاكم، وتيسير إجراءات دعوة الشهود والاستماع إلى شهاداتهم وتبني مبدأ سماع الشهود عن بعد باستخدام التقنيات الحديثة، وتحديث وتيسير وضبط إجراءات التبليغ القضائي لتحقيق السرعة المطلوبة في فصل القضايا، وتطوير وتنظيم مهنة الخبراء أمام المحاكم بما يضمن سرعة إجراءات التقاضي وتعزيز قيم الشفافية والنزاهة لديهم والارتقاء بأدائهم.

وشملت التوصيات الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في جميع الإجراءات القضائية مثل تسجيل الدعوى عن بعد وتبادل اللوائح والمذكرات، وتوظيف الربط الإلكتروني لتحقيق السرعة في عملية إرسال جميع الأوراق والطلبات بين القضاء والشرطة والطب الشرعي وغيرها من الأجهزة المساعدة.

الأعمال والاستثمار&
وفي ما يتعلق بتعزيز بيئة الأعمال والاستثمار، تضمنت توصيات اللجنة إنشاء غرفة اقتصادية تختص بالنظر في القضايا التجارية ذات الأهمية الاقتصادية، وبما يوفر بيئة قانونية آمنة للاستثمار، ومنها قضايا عقود المقاولات الإنشائية والقضايا المصرفية والمنافسة والاحتكار وقضايا التأمين والأوراق المالية والقضايا البحرية.

كما اشتملت على اعتبار المعاملات التي تجري برقم سري متفق عليه بوساطة وسائل الاتصال الحديثة حجة على الطرفين، واعتبار مستخرجات الحاسوب الآلي التي يستخدمها التجار في تنظيم قيودهم المحاسبية بمثابة دفاتر تجارية مقبولة لإثبات الحق أمام القضاء.

الحقوق والحريات
وفي ما يتصل بترسيخ سيادة القانون وضمان الحقوق والحريات، أوصت اللجنة بتشديد العقوبة على ارتكاب بعض الجرائم ومنها إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات، والجرائم الواقعة على المركبات، والجرائم الواقعة على الموظفين العامين وبعض جرائم التزوير كالمصدقات الكاذبة (مثل التقارير الطبية وأوراق التبليغ).

كما تضمنت التوصيات تغليط العقوبة على الجرائم الواقعة على ذوي الاحتياجات الخاصة، والتوسع في الغرف الجزائية المتخصصة للنظر في الجرائم المستحدَثة وعلى وجه الخصوص تلك المرتكبة باستخدام الوسائل الإلكترونية الحديثة، وإقرار بدائل لعقوبة الحبس كالعمل من أجل المنفعة العامة، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة في مراحل التحقيق والمحاكمة.

مبررات التوقيف
وفي ما يخص حماية الحقوق عند التوقيف، تضمنت التوصيات، وضع شروط ومبررات محددة وواضحة للتوقيف، وتحديد سقف زمني أعلى للتوقيف في مرحلة التحقيق، ووضع سقف زمني أعلى لمجموع مدد التوقيف في مرحلتي التحقيق والمحاكمة معًا، وتوفير بدائل للتوقيف مثل استخدام السوار الالكتروني والإقامة في المنزل أو منطقة جغرافية محددة.

وتضمنت التوصيات، بهذا الخصوص، الفصل التام بين الموقوفين والمحكومين في أماكن التوقيف، وتحسين ظروف الاحتجاز لدى مراكز التوقيف لدى الشرطة، وتسهيل الوصول إلى العدالة من خلال المساعدة القانونية المجانية لمن هم في حاجة إليها في القضايا الجزائية.

أمامة عامة
وبخصوص توطيد استقلال القضاء والقضاة، أوصت اللجنة بتعزيز استقلال المجلس القضائي، وإنشاء أمانة عامة له، وتخصيص موازنة له مستقلة عن وزارة العدل، وتمثيل أوسع للقضاة في المجلس القضائي، وتفعيل أداء أعضائه وتوفير الحصانة اللازمة لهم.

جانب من اجتماع الملك مع اللجنة&

كما أوصت بضمان التدابير المثلى لتعيين القضاة وترفيعهم ونقلهم وانتدابهم وضمان استقلالهم في مسارهم المهني، وتأمين مقتضيات الاستقرار الوظيفي لهم، وتحسين أوضاعهم، وتحديث أساليب وموضوعات التأهيل الأساسي والتدريب المستمر للقضاة، وتعزيز الدور الذي يضطلع به التفتيش القضائي لضمان قيم النزاهة والشفافية والالتزام بقواعد السلوك القضائي.

مؤسسية عصرية
وكان الملك عبدالله الثاني أكد خلال الرسالة التي وجّهها إلى رئيس اللجنة زيد الرفاعي أهمية أن تتضمن الاستراتيجية توفير الإمكانيات المناسبة للقضاة ورفع قدراتهم وتطوير معايير الجدارة والكفاءة في تعيينهم ونقلهم وترفيعهم وتحسين أوضاعهم.

كما أكد على أهمية توفير بيئة مؤسسية عصرية للجهاز القضائي وأجهزته المساندة، وتطوير أدوات العمل وأساليبه بصورة نوعية، وتحديث الإجراءات والتشريعات للارتقاء بعملية التقاضي وإنفاذ الأحكام، وبما يشمل الجهات المعنية بهذه العملية كافة، وتفعيل وتمكين أنظمة الرقابة والتفتيش القضائي والتدريب والاستفادة من أفضل الممارسات العالمية.