«إيلاف» من باريس: تتصدر آلية مكافحة الإرهاب والتطرف الإسلامي برامج مرشحي الرئاسة في فرنسا، التي غدت ضرورية بعد الهجمات الإرهابية التي ضربت البلاد. وأصبح التركيز على المسلمين قويًا، وباتوا مطالبين بالاندماج والانصهار في المجتمع الفرنسي، حيث عمدت الحكومة الاشتراكية إلى إعادة احياء مؤسسة إسلام فرنسا التي يرأسها العلماني جان بيار شوفينمان، في محاولة لجعل إسلام فرنسا بعيدًا عن المحسوبيات السياسية والإرتهان الخارجي.

الإسلام في برامج المرشحين

غالب بن الشيخ، رئيس المنتدى العالمي للأديان من أجل السلام، يرى في حديث لـ «إيلاف»، أن حملة الانتخابات الرئاسية هذا العام لها طابع خاص وينتابها نوع من التكريس وتسليط الضوء على القضايا الأمنية خاصة الإرهاب، ومن يتكلم عن الإرهاب سوف يُدمجُ في قوله الكثير عن الإسلام والمسلمين، حيث يتسابق المرشحون في من يتكلم أكثر عن الإسلام، وتكون له الشدة والحزم في ما يتعلق بالأمور الأمنية، ونرى ذلك عند مرشحي اليمين الذين يتكلمون بصرامة عن الإرهاب والقضايا الأمنية ناهيك عن مرشحي اليمين المتطرف.&

تقيم في فرنسا أكبر جالية مسلمة في أوروبا، وتقدر بنحو خمسة ملايين مسلم، واقترع غالبيتهم في الانتخابات الرئاسية الماضية لمرشح الحزب الاشتراكي، الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.&

يقر أنور كبيبش، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، ورئيس تجمع مسلمي فرنسا، في حديث لـ «إيلاف»، أن قضية الإسلام والمسلمين من بين الأولويات التي يعالجها المرشحون في برامجهم، منهم مارين لوبين، زعيمة الجبهة الوطنية، اليمين المتطرف، التي تتبنى موقفًا واضحًا معاديًا للمهاجرين من أصول مغاربية وذوي الديانة الإسلامية على الأراضي الفرنسية، وتعلن ذلك بطريقة واضحة. أما بالنسبة إلى المرشحين الآخرين، سواء من اليسار أو اليمين، فإن مواقفهم ربما تختلف نسبيًا مثلًا فرانسوا فيون، مرشح الحزب الجمهوري الذي يطالب بوضع الديانة الإسلامية تحت رقابة إدارية صارمة وواضحة ومتشددة وأصدر كتابًا حمل عنوان محاربة الديكتاتورية الإسلامية، لا يتكلم فيه عن الإسلاميين والإرهابيين، بل عن الإسلام بطريقة مباشرة، وهذا من شأنه أن يطرح مشكلة كبيرة للفرنسيين المسلمين الذين يعتبرون هذه التصريحات والمواقف تضعهم في خانة مواطنين من الدرجة الثانية أو كمتهمين حتى تظهر براءتهم وليس العكس.&

هامون أو ماكرون

تظهر برامجُ المرشحين الخمسة إلى انتخابات الرئاسة في فرنسا مقاربات مختلفة تجاه التعامل مع المسلمين في فرنسا، والتكيّف مع الممارسات الدينية المتصلة. نستعرض أبرزها:&

يطرح بنوا هامون، مرشح الحزب الاشتراكي إلى الرئاسة، مقاربة تصالحية بين مختلف مكونات المجتمع الفرنسي، فهو لا يريد أن يفرض منع الحجاب لكنه يرى أن على الدولة التدخل إن لاحظت وجود مجموعات معينة تريد أن تفرض طقوسها الدينية على المواطنين المسلمين، ويدعو إلى التمييز بين ما هو شيء مفروض وحرية شخصية، ورحب مسلمو فرنسا بهذه المقاربة التي تترك لهم حرية الاختيار وهامش التصور في حياتهم الدينية.

يرى مسلمو فرنسا ضالتهم في المرشح الاشتراكي هامون، منهم غالب بن الشيخ. يقول: "بنوا هامون هو الأكثر تجاوبًا مع مطالب الشريحة الإسلامية من المجتمع الفرنسي، ولو أن حظوظه في الفوز بالرئاسيات مضمحلة الآن، وثانيًا هناك إيمانويل ماكرون، أما في ما يتعلق باليمين المتطرف واليمين الجهوري فأخشى أن وضع المسلمين سينتكس أكثر إن فاز مرشحوهما".

لم يسلم هامون من هجمات الأوساط الفاشية على شبكات التواصل الاجتماعي، التي أطلقت عليه تسمية 'بلال هامون'، نسبة إلى تعاطفه المفترض مع الحركات الإسلامية الناشطة في فرنسا.&

السير إلى الأمام

لم يعبر إيمانويل ماكرون المرشح إلى انتخابات الرئاسة، وزير الاقتصاد السابق وزعيم الحركة السياسية الجديدة "السير إلى الأمام"، عن مواقف واضحة تجاه الإسلام، لكنه كان من جبهة رافضين التعديل الدستوري الذي أراده هولاند ورئيس وزرائه مانويل فالس بإسقاط الجنسية عن مرتكبي الأعمال الإرهابية، قبل أن يتراجع عنه هولاند.

واعتبر ايمانويل ماكرون الذي كان وزيرًا للاقتصاد في حكومة فالس الثانية أن لا جدوى من التعديل الدستوري، لأنه سيخلق نوعين من الفرنسيين، ويؤدي إلى تفرقة تحت سقف الجمهورية الضامنة لحقوق المواطن الفرنسي على اختلاف انتماءاته. واعتُبر هذا الموقف موقفًا يساريًا يختلف عن المقاربة اليمينية، التي اعتمدها الرئيس الفرنسي بعد اعتداءات نوفمبر 2015.&

ينادي مرشح حزب الجمهوريين اليميني إلى انتخابات الرئاسة فرانسوا فيون بفرض قيود على المسلمين، وإلى ضرورة أن تكون الديانة الإسلامية فضاء خاصًا لا تطال الفضاء العام الخارجي، بمعنى أن تكون عقيدة خاصة لا تنعكس على البيئة الاجتماعية المحيطة، ويدافع عن نظريته انطلاقًا من عقيدته المسيحية بالقول إنه متدين مسيحيًا، وعلى الرغم من ذلك لم يسلم من انتقادات ذهبت إلى حد تسميته بفريد فيون، بعد أن أعادت وسائل التواصل الاجتماعي نشر صور قديمة له وهو يدشن مساجد في فرنسا.

وأصدر فيون في السابق كتابًا تحت عنوان "هزيمة الشمولية الإسلامية" يتضمن أفكارًا تحارب وجود المسلمين والهيئات المنظمة لهم في فرنسا.&

تحفظات على فيون&

يعدد غالب بن الشيخ تحفظات مسلمي فرنسا على برنامج فيون الانتخابي. يقول: "أولًا، أرى التباسًا في كلامه لأننا نعيش في دولة علمانية تفصل بين الدين والدولة، ومن الغريب أن نرى مرشح الحزب الجمهوري يتكلم من منطلق ديني، وألاحظ أنه لا يدري أمورًا كثيرة عن الإسلام والمسلمين، وهناك غلط وخطأ في كل تصريحاته، فسبق له أن صرح أن فرنسا في حربها مع كثير من بؤر التوتر في العالم الإسلامي، ناهيك بأنه أصدر كتابًا حول الشمولية الإسلامية يتضمن الكثير من التضارب والأخطاء، ولا أعتقد أنه سيأتي خير للمسلمين إذا فاز هذا الرجل في انتخابات الرئاسة".

لا يريد كبيبش أن يقف موقفًا من أي مرشح، ويدعو المؤسسات الفرنسية التي تُعنى بالديانة الإسلامية إلى التزام الحياد، ويكشف عن اتصالات تجريها المؤسسات الإسلامية مع مرشحي الرئاسة لنقل رؤيتهم من دون تحيز وموقف مسبق، وفي الوقت عينه لا يغيب بأن مواقف وزير الاقتصاد السابق ايمانويل ماكرون أو بنوا هامون قد تبدو معتدلة شيئًا ما تجاه الإسلام والمسلمين، لأنهما يركزان على حرية العقيدة والتدين. لكن في بعض الأحيان، نجد عند البعض تغاضيًا عن العلمانية، حيث يتعلق الأمر بالمواطنين الفرنسيين المسلمين.&

فشل لوبين وميلانشون&

ترفض مارين لوبين، مرشحة الجبهة الوطنية، اليمين المتطرف، إلى انتخابات الرئاسة، بناء المساجد، هي معروفة بعدائها التاريخي للمسلمين، وترى انه لا يجب أن يكون هناك بروزٌ لرموز دينية أخرى غير المسيحية في تصور كان يطال اليهود والمسلمين وأرثاه مؤسس حزب الجبهة الوطنية جان ماري لوبين، لكن مارين لوبين تميّزت&عن والدها اليوم باستثناء الرموز اليهودية والتركيز على قضية الإسلام على خلفية أزمة الهجرة والتطرف.

ويدافع جان لوك ميلانشون، مرشح اليسار الراديكالي، عن الجالية المسلمة المضطهدة سياسيًا واجتماعيًا في فرنسا، ويتحدث عن ذلك من منطلق شيوعي ملحد. فحزب اليسار الراديكالي تأسس على انقاض الحزب الشيوعي، الذي لا يعترف بالديانة.

ويقر غالب بن الشيخ بأن الأمور في فرنسا تتعقد لأن المسلمين في فرنسا يخضعون لاتجاهين معاكسين، إذ يطالب الاتجاه الأول المسلمين أن يتصرفوا بكل احتشام في ما يتعلق بتطبيق شعائرهم، ويُطلبُ منهم احترامُ العلمانية، وأن لا يتفردوا بمميزاتهم الدينية، ولاحقًا يطلب منهم أن يبرروا وينددوا كمسلمين بالهجمات الإرهابية، "ومن هنا أرى أن هذا التضارب مذبذب وعلينا أيضًا أن نعترف أن رؤساء الجمعيات والمتحدثين باسم المسلمين لم يتحدثوا بقوة عن القضايا التي تتعلق بالتزمت والتطرف والقضايا التي تتعلق بالخطاب المتحجر، ولا أتكلم عن الإرهاب، وهذا أدى إلى بلبلة في ذهن كثير من الفرنسيين، ونحن اليوم نحصد ما زرع سابقًا".

ويذكر كبيبش بمفهوم العلمانية الذي تقوم عليه الجمهورية الفرنسية، "وهي ركيزة تضمن حرية المعتقد والتدين لكل أبناء المجتمع الفرنسي وكل المواطنين بغض النظر عن ديانتهم وتوجهاتهم أو أصولهم العرقية".&

تجدر الإشارة إلى أن ماكرون& ولوبين سيجدان صعوبة في الحصول على أغلبية برلمانية تسمح لهما بتكوين حكومة منسجمة وفاعلة في غياب الكوادر الحزبية والنخب البرلمانية.