«إيلاف» من لندن: كشفت المحكمة الجنائية المركزية العراقية اليوم عن استغلال داعش أوضاع النازحين المالية، وتكليف عناصره غير المعروفين ممن تربطهم علاقة بنازحين بنقل عجلات مفخخة من دون علمهم بها، محذرة من ظاهرة إبقاء سيارات غير الأمينة أو اقتيادها لأي سبب.

وروى قضاة المحكمة واقعة حصلت أخيرًا في بغداد اشترك فيها سائقان لا يعلمان بأن السيارة التي يقودانها ملغمة، إضافة إلى صاحب معرض للسيارات في جنوب العاصمة، مؤكدين أن الجهد الاستخباري أدى إلى ضبطها قبل وصولها إلى انتحاري كان بانتظارها، لكنه فجّر نفسه عند وصول قوة من الجيش بالقرب منه.

خمس مفخخات لأشخاص لا يعلمون بعائديتها
وقال قاضٍ في المحكمة في حديث لصحيفة "القضاء" الصادرة من المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى، واطلعت عليه "إيلاف" الأربعاء، إن "العمل التحقيقي أدى إلى التوصل إلى نحو خمس سيارات خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مصدرها تنظيم داعش، وهي بحوزة أشخاص لا يعلمون بعائديتها".

تابع أن "ذلك يعكس خطورة أساليب التنظيم التي ينبغي الالتفات إليها، لاسيما من المواطنين، للحيلولة دون الوقوع ضحية اقتياد عجلات مفخخة من دون علمهم".

أضاف أن "داعش لجأ أخيرًا إلى استغلال بعض المواطنين المهملين، الذين تربطهم بعناصره علاقة صداقة، ليجعلهم يقودون عجلات أمام مفخخة للتمويه عليها أو فيها قطوعات تستخدم في نقل الأسلحة"، وأرجع ذلك إلى "عدم ثقة التنظيم بناقليه الذين تم القبض على العديد منهم خلال المدة الماضية".

وأشار قاضي المحكمة المركزية إلى أن "الوقائع توضح أن عناصر التنظيم في مناطق الأنبار غير المسيطر عليها ينقلون عجلات إلى أصدقائهم الساكنين في الأحياء المحررة، بذريعة أنها تعود إلى أقاربهم، في حين أنها تسلم إلى آخرين لغرض تفجيرها"، لافتًا إلى "ضبط عجلة أخيرًا في المحافظة من قبل القوات الأمنية".

وأكد أن "الجهات التحقيقية في بعض الأحيان على معرفة بأن حائز العجلة لا يعلم بأنها مفخخة، وأنه حسن النيّة"، منوهًا بأن "داعش بدأ يجهز مفخخاته بالاعتماد على عجلات النازحين الفارين من التنظيم، حيث يقوم بشرائها بأثمان رخيصة تصل إلى 1000 دولار فقط". وقال إن "معلومات شراء العجلات من النازحين تم التوصل إليها من خلال متهمين تم القبض عليهم كانوا يعملون ضمن القواطع الإدارية لتنظيم داعش".

نقل المفخخة بمئة دولار
من جانبه، ذكر قاضٍ آخر في المحكمة أن "التنظيم يلجأ إلى إدخال عجلات المفخخة إلى بغداد من خلال اتصال عناصره غير المعروفين بنازحين إلى العاصمة يستغلون وضعهم المادي المتردي، ويطلبون منهم نقل عجلة، إما عن طريق منفذ بزيبز أو بإدخالها من خلال محافظات الفرات الأوسط".&

وأضاف أن "النازح يبدي استعداده لنقل العجلة لكونه في أمسّ الحاجة إلى فرصة عمل، والأجر لا يتجاوز 100 دولار، وهو لا يدري أنها مفخخة، وأنه سيمنحها إلى تنظيم داعش الإرهابي".

وأوضح قاضي المحكمة المركزية أن "دخول العجلة إلى بغداد يكون بمكاتبة بيع خارجية، رغم أنها غير كافية للمرور من نقاط التفتيش، لكن الإهمال وضعف بعض الإجراءات سهّلا عملية مرورها".

ولفت إلى أن "إحدى الحالات التي تم التوصل اليها أخيرًا هي عجلة حمل (شاحنة) نقلها متهم، وهو لا يعرف بأنها ملغمة، ووضعها في معرض جنوب بغداد، على أمل تسليمها إلى شخص آخر". وأفاد بأن "المتهم ذكر في أقواله بأنه تلقى اتصالًا هاتفيًا من صديق له في الأنبار، وأبلغه بأن عليه اقتياد عجلة تعود إلى أقربائه من منطقة اللطيفية إلى الدورة، ومن ثم تسليمها إلى شخص آخر". وأوضح أن "إفادات المتهم جاءت بأنه استخدم مكاتبة خارجية ليتمكن من خلالها عبور نقاط التفتيش على أنها تعود إليه".

أصحاب مرائب السيارات لا يعلمون بمفخخات مركونة لديهم
وأكد القاضي أن "صاحب المعرض هو الآخر تبيّن أنه لا يعرف بتفخيخ الشاحنة، وأنه ركنها في مرآبه كعمل إنساني، لكونها وبحسب ما يعتقد تعود إلى نازح يريد إيصالها إليه، وأن سائقًا آخر ألقي القبض عليه أيضًا جاء بها من منطقة النخيب عبر منطقة الحيدرية المحاذية لمحافظة النجف إلى اللطيفية".

وأورد أن "هذا السائق ذكر في أقواله بأنه نقل العجلة الآتية من منطقة غير محررة في الأنبار، كجزء من مهنة يزاولها منذ مدة لقاء مبلغ مالي، وأنه قام بنقل عجلات أخرى في وقت لاحق لكونها، وحسب ما يظن، تعود إلى نازحين يريدون إيصالها إليهم في العاصمة".

ولفت القاضي إلى أن "السائقين وصاحب المعرض لم يعرفوا بأن الشاحنة مفخخة لكون التلغيم حصل بشكل محترف"، منوهًا بأن "التنظيم وضع المواد المتفجرة في فتحات لا يمكن التوصل إليها بين محيط قلاب الشاحنة". وأشار إلى أن "المتهم الأخير الذي أوصل العجلة إلى المرآب في الدورة كلّف بتسليمها إلى شخص حاصرته قوة من الجيش في منطقة حي الأعلام (تقاطع الدرويش)، لكنه فجّر نفسه قبل لحظات من القبض عليه بوساطة حزام ناسف كان يرتديه".

وأفاد القاضي بأن "المحكمة تتخذ الإجراءات القانونية بحق حائز السيارة عن جريمة حيازة الأسلحة التي تستخدم لأغراض إرهابية". ودعا "المواطنين إلى الابتعاد عن شراء العجلات ذات الأثمان الرخيصة، فقد تكون مستخدمة من دون علمه في عمليات إرهابية"، وحذر من "قيادة أي عجلة تعود إلى الغير وإبقائها أمانة أو نقلها إلى شخص آخر".

وأعلن في بغداد أمس عن ارتفاع عدد النازحين من مدينة الموصل الشمالية إلى 235 ألف نازح، بينهم 14 ألفًا من أيمنها، الذي يشهد معارك تحريره من قبضة تنظيم داعش، حيث وصل عدد نازحي البلاد الكلي إلى 4.3 ملايين شخص.

وكانت القوات العراقية أتمت في 24 يناير الماضي، وبإسناد جوي من التحالف الدولي، تحرير كامل الجانب الشرقي الأيسر من الموصل، فيما استأنفت القوات حملتها العسكرية في 19 يناير الجاري لاستعادة النصف الغربي الأيمن من&المدينة.