باريس: بعد فترة طويلة من تدني الشعبية ورغم هزيمة نكراء في الانتخابات التمهيدية بات رئيس الوزراء الفرنسي الاسبق آلان جوبيه اليوم بمثابة منقذ لليمين الفرنسي في الانتخابات الرئاسية في حال انسحاب فرنسوا فيون المتخبط في مشاكل قضائية.

واستعاد السياسي البالغ 71 عاما المقرب من الرئيس السابق جاك شيراك الذي حلق نحو القمة قبل سلسلة ضربات، طموحاته الرئاسية بعدما بدت مستحيلة نهائيا في يناير.

طوال أشهر خطت الاستطلاعات صورة فوزه في الاستحقاق الرئاسي في ابريل ومايو مستندة الى الخيبة من ولايتي نيكولا ساركوزي (2007 - 2012) خصمه اليميني، ثم الاشتراكي فرنسوا هولاند.

حرص الرجل الذي يدعو الى يمين اكثر إنسانية على الظهور بصورة شخصية جامعة، رافضا "تأليب النخب على الشعب" ومروجا لمفهوم "الهوية السعيدة"، فيما تبنى خصومه في الانتخابات التمهيدية مواضيع عزيزة على اليمين المتشدد كالهجرة والاسلام والهوية.

كما اتخذ اثناء حملته صورة المسن الحكيم المطمئن المحنك المتروي ساعيا الى محو صورة الماكينة الفكرية الصلبة المتعالية التي لطالما التصقت به.

اما معارضوه فانتقدوا "حملته الرتيبة، الريفية بعض الشيء".

لكن اماله تحطمت في الدورة الثانية من انتخابات اليمين التمهيدية في نوفمبر 2016 بفوز الليبرالي فرنسوا فيون، رئيس الوزراء سابقا لدى نيكولا ساركوزي الذي بدا محكوما بصورة الرجل الثاني ابدا.

بعد هذه الضربة المفاجئة في استحقاق رئاسي يثير الترقب انكفأ جوبيه الى بوردو التي يتولى رئاسة بلديتها. وقال في منتصف شباط/فبراير "بعد زمن المبادرة/الالتزام حان الوقت كي اتخذ بعض المسافة".

ورفض جوبيه منذ انكشاف فضيحة "بينيلوب غيت" الدائرة حول الاشتباه بتوفير فيون وظائف وهمية لزوجته بينيلوب وابنائه اثناء توليه النيابة، ان يبدو كخطة بديلة مدافعا عن "براءة (فيون) حتى اثبات ذنبه".

"أفضلنا"

لكن مذاك ارتسم احتمال توجيه التهمة رسميا الى فيون وتضعضعت الدائرة المقربة منه فأسهمت الانشقاقات المتوالية في فريق حملته في تصاعد الاصوات الملحة طلبا لعودة الان جوبيه. والجمعة بدت الرسالة الصادرة من محيط فيون بانه "ان انسحب (...) فلن يخلف وعوده".

ويبقى عنصر مجهول في هذه المعادلة هو ساركوزي الذي ما زال صاحب نفوذ كبير في معسكره ولم يعرب حتى الان ان كان سيقف وراء هذا السيناريو الذي قد يكلل مسيرة الان جوبيه المهنية.

ولد الان جوبيه في 15 اب/اغسطس 1945 في اوساط ريفية وكان من التلاميذ البارزين في مدارس النخب الفرنسية قبل ان يمتهن العمل الرسمي الرفيع ويرصده في منتصف التسعينات جاك شيراك، رئيس الوزراء انذاك.

تمرس جوبيه في ظل راعيه شيراك الذي اعتبره "أفضلنا على الارجح"، ثم اصبح في الثمانينات عضوا في مجلس باريس فنائبا اوروبيا قبل ان يتولى النيابة وللمرة الاولى حقيبة وزارية.

بعد انتخاب شيراك رئيسا في 1995 عين جوبيه رئيسا للوزراء، ورزق بعد اشهر بطفله الثالث بعد زواجه مجددا من صحافية سابقة.

في شتاء 1995 اثارت اصلاحات جوبيه الاجتماعية مسيرات احتجاج حاشدة طوال ثلاثة اسابيع، لكنها لم تثنه عن موقفه قبل ان يخسر اليمين اكثرية الجمعية الوطنية.

في 2004 تلقى جوبيه ضربة اخرى مع صدور حكم قضائي بمنعه من تولي اي منصب لمدة عام في قضية وظائف وهمية دبرها حزبه ("التجمع من اجل الجمهورية"، لاحقا "الاتحاد من اجل حركة شعبية" ثم اخيرا "الجمهوريون") في بلدية باريس. بعدها اختار المنفى الطوعي في كندا لممارسة التدريس الجامعي.

في تلك الفترة خاله البعض منتهيا سياسيا، لكنه عاد بعد انتهاء المنع في 2005 واستعاد في 2006 رئاسة بلدية بوردو التي باتت واجهة لتحركه واستخدمها قاعدة خلفية للعودة الى السلطة.

وللمفارقة، فان فوز نيكولا ساركوزي في 2007 هو الذي اعاده الى الواجهة كوزير للبيئة ثم للدفاع والخارجية.

مذاك عاد جوبيه الى الواجهة واصبح شخصية طاغية في وسائل الاعلام التي انتابتها موجة "هوس" به في 2014، فتصدر اغلفة اهم المجلات الرائجة وبرز على ساحة الفكاهة السياسية بعبارة لم يعتبرها نفسه "فكاهية" عندما صرح "في السياسة لا يمكن للمرء ان ينتهي. خذوني مثالا!"