خاص إيلاف من جنيف: في قرارات متوازية بشأن مراجعة عمليات الأمم المتحدة لبناء السلام صدرت في أبريل 2016 &(القرار رقم 2282 والقرار رقم 70/262)، أكد مجلس الأمن والجمعية العامة التزامهما بناء السلام بوصفه عملية سياسية هدفها منع حدوث نزاع أو تصاعده أو تكراره أو استمراره.&

بناء سلام مستدام

عملًا بالمقاربة ثلاثية الأركان التي أكدها القراران مجددًا، وبناء على المبادئ الأساسية التي يتضمنها الميثاق والإعلان العالمي لحقوق الانسان، فإن المعايير الدولية لحقوق الانسان توفر إطارًا قياسيًا عالميًا عابرًا للحدود، ضروريًا لمنع النزاعات ومعالجتها، مع الاعتراف بأن تطبيق حقوق الانسان بصورة محدَّدة قد يتفاوت حسب سياقاته.&

أدركت هذه القرارات الارتباط الأساسي بين السلام والتنمية المستدامة وحقوق الانسان، وأهمية منع النزاعات لجهود بناء السلام، والحاجة إلى إصلاح تنظيمي لمنظومة الأمم المتحدة من أجل ضمان قدرتنا على اعتماد مقاربة شاملة ومتكاملة لإدامة السلام.&

في هذا السياق، دعا رئيس الجمعية العامة إلى حوار رفيع المستوى بعنوان "بناء السلام المستدام للجميع: أوجه التآزر بين خطة التنمية المستدامة 2030 وإدامة السلام"، أُجري في 24 يناير 2017 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، بمشاركة رئيس مجلس الأمن ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي ورئيس لجنة بناء السلام.&

&

لقراءة النص باللغة الانكليزية:

&

التنمية غاية بذاتها

كان الهدف الرئيسي لفاعلية نيويورك مناقشة العلاقات التي تعزز بعضها البعض بين إدامة السلام وخطة 2030 على مستوى البلدان وسبل توظيفها الأمثل في اطار متكامل يمكن أن يساعد الدول الأعضاء وهيئات الأمم المتحدة وكياناتها، والمجتمع المدني والجهات الأخرى ذات المصلحة، لتنسيق جهودها وتعزيزها في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة وتحقيق السلام المستدام.&

نُظمت في اطار الفاعلية ثلاث ورشات عمل متخصصة تناولت العلاقة بين السلام المستدام والتنمية المستدامة وتمكين المرأة والشباب، وادارة الموارد الطبيعية، وتعزيز المؤسسات الشفافة الجامعة والخاضعة للمحاسبة.&

وقال الأمين العام للأمم المتحدة انتونيو غوتيريش في كلمته الافتتاحية، إن من المهم أن ندرك أن العلاقات بين خطة التنمية المستدامة 2030 وإدامة السلام لا توجد في الهدف 16 الخاص ببناء مؤسسات قوية ومجتمعات جامعة فحسب، بل في الأهداف السبعة عشر كلها، وإن التنمية غاية بحد ذاتها وجزء مركزي من عمل الأمم المتحدة. كما شدد غوتيريش على تحديين كبيرين هما التعليم بوصفه من مستلزمات السلام والتنمية الاقتصادية، والبطالة بين الشباب التي تحرم ملايين الشباب من فرصة تحرير طاقاتهم الكامنة، وتقوم بدور في النزاعات العنيفة وصعود الارهاب الدولي.&

إدراك القواسم المشتركة

بعد حوار نيويورك، قرر مجلس حقوق الانسان عقد ندوة في 27 فبراير الماضي حول "مساهمة حقوق الانسان في بناء السلام من خلال تعزيز الحوار والتعاون الدولي من اجل تدعيم حقوق الانسان".&

كان هدف الفاعلية التي أُقيمت في جنيف تسليط الضوء على أهمية التعاطي مع قضايا حقوق الانسان، وتطبيق إطار لحقوق الانسان على أي مبادرة لبناء السلام كعنصر أساسي من عناصر فاعليتها واستدامتها على المدى البعيد. ساعدت مناقشات الندوة الحوارية في طرح افكار وتوصيات عملية حول افضل السبل لربط حقوق الانسان بعمل الأمم المتحدة من اجل بناء السلام، بما في ذلك إدراك القواسم المشتركة بين حقوق الانسان وبناء السلام والتنمية المستدامة. كما اتاحت الفعالية فرصة لمناقشة دور مجلس حقوق الانسان وغيره من آليات حقوق الانسان في ضوء الاطار الجديد لبناء السلام.&

تعزيز المسؤولية الوطنية

قال المفوض السامي لحقوق الانسان زيد رعد الحسين في الجلسة الافتتاحية إن تعزيز التعاون بين المجلس ولجنة بناء السلام ومجلس الأمن ضروري لبناء السلام ومنع النزاعات. واعرب عن تطلعه إلى تقديم تقارير أكثر انتظامًا وشمولًا عن حقوق الانسان إلى مجلس الأمن في السنوات المقبلة. واشار إلى امكانية أن يقر مجلس الأمن خطة دائمة للردود الممكنة على نواقيس الانذار المبكر مثل ارسال بعثات سريعة مرنة وذات كفاءة عالية في استخدام الموارد لمراقبة حقوق الانسان، خلال فترة زمنية محددة وفي نطاق محدد.

كما يبدو من الواضح أن مجلس حقوق الانسان ولجنة بناء السلام ينتفعان بصورة واسعة من فهم عمل كل منهما فهمًا أعمق، قد يشمل ايجازات يقدمها رئيس كل من الهيئتين.

وأضاف الحسين أن هناك عمومًا حاجة إلى قدر أكبر من التنفيذ العملي لتوصيات هيئات حقوق الانسان وتقاريرها، بما في ذلك تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ولجان التحقق وبعثات تقصي الحقائق والاجراءات الخاصة. كما يمكن لمراجعة الهيئات التعاهدية أن توفر فرصة دمج عملها بعمل كيانات الأمم المتحدة بصورة أفضل، وتعزيز المسؤولية الوطنية عنه وطابعه الشامل.&

حماية حقوق الانسان

أكد رئيس الجمعية الوطنية بيتر تومسون بدوره أن من الواضح في إطار الجهود على صعيد منظومة الأمم المتحدة لتعزيز نهوضها ببناء السلام ومنع النزاعات والعمل من اجل السلام المستدام، أن تقوم آليات الأمم المتحدة لحقوق الانسان، بما في ذلك التابعة لمجلس حقوق الانسان، بدور بالغ الأهمية. يشمل هذا الآتي، بحسب رئيس الجمعية العامة: لفت الانتباه إلى التهديدات الداهمة بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الانسان كمؤشر مبكر إلى امكانية اندلاع نزاع، والمساعدة على تعزيز حماية حقوق الانسان في الداخل من خلال بناء القدرات وتبادل المعارفة، وضمان محاسبة اي انتهاكات لحقوق الانسان، بوصفها مسألة تتعلق باحقاق العدل وكرادع للمنتهكين المحتملين، واستخدام آليات مثل المراجعة الدورية العامة لمراقبة تنفيذ التوصيات الخاصة بحقوق الانسان التي يمكن أن تساعد في ادامة السلام، وضمان أن تكون خبرة مجلس حقوق الانسان رافدًا رئيسيًا في عموم منظومة الأمم المتحدة، يحطم "الصوامع" داخل منظومة الأمم المتحدة ويعالج أي تشظٍ في المقاربة عبر الأركان الثلاثة أو حتى بين جنيف ونيويورك.&

اقرت جميع الدول الأعضاء والمنظمات غير الدولية بأن ميثاق الأمم المتحدة أرسى قبل سبعين عامًا الأركان الأساسية الثلاثة للأمم المتحدة:السلام والأمن، وحقوق الانسان، والتنمية. &ومنذ عام 1945، وفرت هذه الأركان اطار الأمم المتحدة لمواجهة تحديات كبيرة. ولا يمكن أن ننتقي الركن الذي يجب أن تدعمه الأمم المتحدة، ولا يمكننا أن نركز على ركن على حساب الركنين الآخرين. فذلك يعني تجاهل دروس السنوات السبعين الماضية، وفتح الباب لنزاعات لاحقة.

سيادة وعدم تدخل&

كما أكدت الدول الأعضاء أن تنفيذ القرار 60/251 حول مجلس حقوق الانسان الذي اصدرته الجمعية العامة في 15 مارس 2006 يقوم بدور مهم في مجال منع النزاعات، آخذة في الاعتبار أن التنمية والسلام والأمن وحقوق الانسان مترابطة في ما بينها ويعزز بعضها البعض.&

لكن المقاربات المختلفة إزاء بناء السلام ما زالت مستمرة بين الدول والمجموعات الاقليمية، الأمر الذي من الواضح انه يعرقل التوصل إلى اتفاقية عالمية على أشد السبل فاعلية لتعزيز الترابط بين اركان الأمم المتحدة الثلاثة.&

من منظور جنيف، بعض القضايا التي حددها ممثلو الأمم المتحدة والحكومات والمنظمات غير الحكومية في هذه النقاشات ما زالت قيد البحث، وبالتالي فإنها تخلق بعض التحديات الصعبة مثل: دور مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية وعلاقتها بمجلس حقوق الانسان في مجال بناء السلام ومنع النزاعات، واستجلاء مفاهيم المسؤولية لحماية السلام والحق في السلام في عمل مجلس حقوق الانسان، والنقاش الدائر حول الأسباب الأساسية للنزاع - الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و/أو الحقوق المدنية والسياسية - وأخيرًا الجدال المستمر بين حماية مبادئ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتعزيز حقوق الانسان وحمايتها بلا تقييد. &

سلام وتنمية وحقوق الإنسان

مؤكد أن حوار نيويورك وندوة جنيف الحوارية ستساعدان على التحضير للاجتماع رفيع المستوى حول "بناء السلام وادامة السلام" الذي سيُعقد خلال الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة في 2017.

واعترفت قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن حول عمليات الأمم المتحدة لبناء السلام بالعلاقة الأساسية بين السلام والتنمية المستدامة وحقوق الانسان، وضرورة الاصلاح التنظيمي داخل منظومة الأمم المتحدة.&

وعلى الرغم من الانقسامات الحالية في شأن الإجراءات والطرائق المختلفة لتعزيز دور الأمم المتحدة في مجال منع النزاعات وبناء السلام، نستطيع أن نؤكد أن هناك اليوم اتفاقًا واضحًا داخل مجلس حقوق الانسان على الاعتراف الكامل بالسلام وحقوق الانسان والتنمية بوصفها الأركان الرئيسية لمنظومة الأمم المتحدة.&

عمل النقاش الدائر حول أهمية منع النزاعات لجهود بناء السلام على تحطيم "الصوامع" الموجودة داخل منظومة الأمم المتحدة، وإنهاء أي تشظٍ في المقاربة عبر الأركان الثلاثة، بل بين جنيف ونيويورك. &&

&

&