الرباط: عشية احتفال المغرب بيوم العالمي للمرأة، نظم "لقاء الوفاء" بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل الإعلامية مليكة مالك، مساء أمس الثلاثاء، بالمكتبة الوطنية بالرباط، بحضور وجوه سياسية وإعلامية بارزة، إضافة إلى أفراد أسرتها، وفي طليعتهم ابنتها الوحيدة زينة.

كل المتدخلين من معارفها وأصدقائها أجمعوا، لدى تناولهم الكلمة، على أهمية التجربة الإعلامية والإنسانية التي خاضتها الراحلة مالك، بكثير من الكفاءة والاقتدار، من وراء ابتسامة كانت دائما تضيء ملامح وجهها.

 

 

الصف الأمامي للحضور استقطب أسماء سياسية تنتمي في غالبيتها للطيف السياسي اليساري، وخاصة من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية، والحزب الاشتراكي الموحد، مثل عبد الواحد الراضي، ومحمد اليازغي، وفتح الله ولعلو، وخالد الناصري، ونبيلة منيب، وقد حرصوا كلهم على متابعة الحفل حتى النهاية، إلى جانب مصطفى الخلفي، وزير الاتصال، الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة، والصديق معنينو، الوكيل الأسبق لوزارة الاتصال، وعبد الله البقالي، نقيب الصحافيين المغاربة.

الصرامة المهنية

في بداية الحفل، الذي تولى تقديم فقراته عتيق بنشيكر، أحد العاملين في القناة الثانية، التي كانت تشتغل فيها، مليكة مالك، كمنتجة للبرامج الحوارية السياسية، تتبع الحاضرون برنامجا خاصا عن مسارها المهني، يؤرخ لمحطات من عطائها، أنجزه المخرج مصطفى مضمون، الذي اعتاد العمل إلى جانبها، خلال إنجازها لبرنامجي "وجه وحدث" و"في الواجهة".

 

 

أول المتدخلين، كان هو صلاح الوديع، رئيس حركة "ضمير"، الذي قال عن الراحلة مالك إنها كانت تنتسب إلى ابتسامتها، قبل كل شيء، مشيرا إلى أنها، باحترافيتها، تجعل المشاهد في قلب كل السياقات، منوها بما أسمها"الصرامة المهنية التي كانت لديها كعنصر إقناع بنبل الرسالة الإعلامية".

وذكر الوديع أن جيلا بكامله تعلم في مدرستها فن الحوار، قائلا إنها جالست أصحاب القرار، وأصحاب الفكر، فكانت لهم ندا، بعد أن اجتمع في شخصها، ما لا يجتمع في غيرها.

وبنبرة لايخلو من مناجاة، خاطب الوديع الراحلة، التي وصفها بأنها كانت مناضلة حرة، دخلت القلوب بجدارة: "كم نحن في حاجة إلى إطلالتك، وإلى طلعتك، وإلى بهائك".

نافذة مشرقة

وبدورها، استفاضت رحمة بورقية، مديرة الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، في استعراض مناقب الراحلة، انطلاقا من علاقتها الشخصية بها.

 

 

وبأسلوب مشوب بالحسرة، عبرت بورقية عن مشاعرها:"مليكة كانت بينا، ورحلت عنا، وهل رحلت حقا؟مرت سنة على رحيلها وأنا لا أصدق غيابها، لأنها أحبت الحياة، وعاشتها بنهم".

وتأسفت بورقية لكون الراحلة مالك، غادرت الدنيا، وهي في أوج شبابها وجمالها ونضجها، مخلفة وراءها ذكرى ابتسامتها، بعد أن نحتت مكانتها في القلوب، ولمعت كإعلامية متميزة فتحت نافذة مشرقة في مجال الإعلام، عبر تكريس دوره في إذكاء النقاش العمومي، ونشر الوعي في المجتمع.

التحول الديمقراطي

نعيم كمال، الوجه الإعلامي، الذي طالما حل ببرامجها كصحافي، يحاور إلى جانبها، ضيوفها السياسيين، بعث بكلمة مسجلة بالصورة والصوت، بعد أن استحال عليه الحضور.

وكغيره من المتدخلين، أشاد كمال بما راكمته مالك من تجربة في إعداد وتقديم البرامج التلفزيونية، في مرحلة حاسمة من تاريخ المغرب السياسي المعاصر، على طريق التحول الديمقراطي.

جرح الرحيل

ناجية مالك، وهي أخت الراحلة، ونقابية وأستاذة، استعادت، وهي تغالب التأثر، ذكريات الأمس القريب، حين فارقتها مليكة إلى الأبد :"صعب هو رحيلك، مازلنا غير قادرين على استيعاب كل ماحدث.ابنتك زينة مازالت غير قادرة على تصديق رحيلك، حفيدك شادي، مازال يبحث عنك".

وأضافت ناجية، كأنها تناجي مليكة:"أنا متعبة، يأكلني الحنين إلى بسمتك، أنا من كنت خائفة عليها مما أصابها من مرض، ما كنت أتوقع أبدا أن ترحلي قبلي، ويا ليتك ما رحلت قبلي، جرحك أدمى قلبي".

وبعد أن استعرضت ناجية التجربة الإعلامية لمليكة، التي تعد مفخرة للبلد، وما حققته من إنجاز في المشهد المسموع والمرئي، بفضل "حملها لمشعل أضاء الإعلام لفترة، وياليته لم ينطفئ "، على حد تعبيرها، دعتها إلى النوم في اطمئنان في قلب ابنتها، وحفيدها، وقلوب كل محبيها، متعهدة باسم العائلة، بالعمل على صيانة تراثها.

وعد تحقق

منى المساري، ابنة الراحل محمد العربي المساري، وزير الاتصال سابقا، تحدثت بتفصيل عن الصداقة التي كانت تجمع الراحلة بالعائلة، وهي علاقة مبنية على المهنية والاحترام المتبادل.

ومن بين ما استحضرته منى المساري، أن برنامج مليكة مالك السياسي، على القناة الثانية، كان قد تعرض للتوقيف، فعزم والدها على بذل كل ما في وسعه من اجل إعادته إلى الجمهور، وقد أوفى بوعده وتمكن من تحقيق رجوعها إلى الشاشة الصغيرة، إيمانا منه بأن ما تقدمه يخدم مرحلة الانتقال الديمقراطي من خلال الوجوه السياسية التي كانت تستضيفها بشكل مباشر.

الحس السياسي

في نفس المنحى، الذي يروم التنويه بالعطاء الإعلامي والرصيد الإنساني، الذي كانت تتميز به مليكة مالك صبت بقية التدخلات لمصطفى ملوك، مدير البرامج سابقا في القناة الثانية، والإعلامي مصطفى البوعزاوي، ونور الدين الصايل، مدير القناة الثانية سابقا، الذي بعث بكلمة ألقيت عنه بالنيابة من طرف عمر سليم، الوجه الإعلامي المعروف، في نفس القناة، ذات زمن مضى.

عبد القادر الرتناني، الذي تولى نشر كتابها عن "الحوارات السياسية"، نوه بمهنيتها، وبما كانت تتوفر عليه من حس سياسي، ورغبة في إغناء النقاش العمومي حول مختلف القضايا السياسية.

تخللت الأمسية فقرة موسيقية، أنشدت فيها مريم حريري، ابنة أخت مليكة مالك، أغنية مغموسة في الشجن والحنين، جعلت الأكف ترتفع بالتصفيق لها، إعجابا بصوتها.

وبخطى مترددة، تقدمت زينة الأشقر، ابنة الراحلة مليكة مالك، في ختام الحفل لتشكر الحاضرين، فلم تسعفها العبارة، وعزت ذلك إلى أنه ليس من عادتها حمل الميكروفون، وإلى خجلها الشديد، قبل أن يهرع ابنها الصغير شادي لمعانقتها، في لحظة مفعمة بالحنان. 

يشار إلى أن الراحلة ملاك كانت قد أسلمت الروح إلى خالقها، في السنة الماضية بعد رحلة ومعاناة مع المرض أقعدها الفراش، ولم ينفع معه علاج، وقد خلف رحيلها حزنا بليغا في نفوس كل الذين عرفوها، نظرا لتواضعها الإنساني واحترافيتها العالية.