بروكسل: يجسد البولندي دونالد توسك الذي يمكن ان ينتخب لولاية جديدة على رأس المجلس الاوروبي رغم اعتراض بلده الشديد، عودة الدول التي كانت تحت حكم الشيوعية الى الاسرة الاوروبية.

يشغل توسك (59 عاما) المولود في دانسك مدينة احواض بناء السفن معقل نقابة "تضامن"، هذا المنصب الاساسي في المؤسسات الاوروبية منذ كانون الاول/ديسمبر 2014.

وقبل ان يقبل بهذا المنصب الذي يقضي خصوصا بتنسيق اجتماعات القمة لرؤساء الدول والحكومات، التي تحدد الاولويات السياسية للاتحاد الاوروبي، كان توسك لسبع سنوات رئيسا لحكومة يمين الوسط البولندية.

وقد اضطر لتعلم الانكليزية اللغة الاساسية في مؤسسات الاتحاد التي كان بالكاد يعرفها. في المقابل يملك توسك معرفة واسعة باللغة الروسية وكذلك بالالمانية التي تعلمها من جدته التي تنتمي الى الاقلية السلافية في منطقة دانسك، الارض التي كانت في الماضي المانية.

ومنذ بدأ العمل في بروكسل، واجه توسك ازمات كبرى: اولا في اليونان التي تعني من مديونية هائلة وكادت تخرج من منطقة اليورو في تموز/يوليو 2015، ثم ازمة المهاجرين واخيرا قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي في الاستفتاء الذي جرى في 23 حزيران/يونيو الماضي ووافق فيه 52 بالمئة من الناخبين على ذلك.

لكن لم تحل اي من هذه الازمات فعليا وهذا الامر قد يكون مفيدا للبولندي. فاغلبية الدول ال 28 الاعضاء تدعمه وهي على قناعة بان الاتحاد لا يتحمل انقسامات جديدة وخصوصا بشأن احد ارفع قادته.

ويصر الاتحاد على هذا الموقف مع ان حزب القانون والعدالة المحافظ الحكام في وارسو يتهم توسك "بالوقوف ضد حكومة بلده" في بروكسل وقدم مرشحا بديلا هو النائب الاوروبي ياتسيك ساريوش-فولسكي.

واكد رئيس المجلس الاوروبي الذي يلقى تأييد القادة الاوروبيين مدافعا عن نفسه الاربعاء انه "عمل جاهدا خلال ولايته على البقاء حياديا وغير منحاز". واضاف "اعتقد انني نجحت في ذلك".

وتابع رئيس الوزراء الاسبق "في الوقت نفسه، انا مسؤول عن حماية القيم الاوروبية والمبادئ. هذا دوري وهذه قناعتي العميقة".

 ولاية شهدت اعتراضات 

لم تمر ولاية الرجل الهاوي لكرة القدم، بدون اعتراضات.

ويقول يانيس ايمانويليدس المحلل في المجموعة الفكرية مركز السياسة الاوروبية في بروكسل "في البداية كان لدينا انطباع فعلا بان الامر سيكون صعبا عليه. لم يرغب في الواقع في التورط في الازمة اليونانية".

ويضيف "بدأ يسيطر على الامور اعتبارا من تموز/يوليو 2015 ودفع كل القادة الى إيجاد تسوية".

وعندما بلغ تدفق المهاجرين اوجه في 2015، نأى توسك بنفسه عن سياسة الاستقبال السخية التي دعت اليها المستشارة الالمانية انغيلا ميركل وركز على ضرورة حماية الحدود الخارجية للاتحاد الاوروبي.

ويذكر ايمانويليدس بان "ابتعاده علنا عن ميركل الى هذا الحد لم يعجبها". واضاف "لكن في نهاية المطاف نجح في رهانه واضطرت ميركل لاعادة تصويب سياستها".

وبعد الاستفتاء حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي، اطلق توسك تحذيرات مضاعفة بنبرة قاسية احيانا من هذه الخطوة. وقال "لن يبقى اي خبز على الطاولة، بل خل وملح فقط".

وفي مواجهة لندن رفض انفصالا "حسب الطلب" وحدد بسرعة الخطوط الحمر لمنع الاتحاد الاوروبي من الانقسام بشأن مفاوضات الخروج الصعبة المقبلة.

مؤرخ قادم من نقابة "تضامن" 

وفي بولندا، رسم هذا المؤرخ الآتي من صفوف حركة تضامن التي اسقطت النظام الشيوعي في 1989، لنفسه صورة رجل فعال جدا في اللعبة السياسية، وقادر على ان يحول لمصلحته الاوضاع الدقيقة. 

وقد خطف السلطة في 2007 من الشقيقين التوأمين المحافظين كاتشينسكي وأصبح رئيسا للوزراء بعد انتخابات تشريعية مبكرة. وكان اول رئيس حكومة منذ سقوط الشيوعية في 1989 يمدد له في منصبه لولاية ثانية قبل ثلاث سنوات.

منذ شبابه، عرف بليبراليته الراسخة، وايمانه بأن بولندا تحتاج الى الحد من تدخل الدولة والى مزيد من المتعهدين. لكنه عدل بعضا من وجهات نظره خلال الازمة واقر بأن الوضع يرغم الدولة على التدخل احيانا.

وقد عارض توسك النظام عندما كانت بولندا لا تزال شيوعية، واسس شركة للتصوير. كانت تلك الخطوة نادرة وفريدة من نوعها في اقتصاد مؤمم.

ومنذ سقوط النظام الشيوعي، اسس توسك مع اصدقاء من دانسك اول حركة ليبرالية في بولندا. وفي 2001، كان واحدا من ابرز مؤسسي حزب المنصة المدنية الذي كان يرأسه.

ويؤكد انه يكن اعجابا بالرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر. وفي بولندا، كان من انصار ليش فاليسا، رمز التصدي للشيوعية، الذي يدعمه الان. ونجل فاليسا، ياروسلاف فاليسا، نائب في حزب المنصة المدنية.

وتوسك متزوج من مؤرخة واب لابنة تعنى بموقع حول الازياء وابن متخصص في العلاقات العامة.