دبي: خلال أولى الجلسات الحوارية التي عقدت ضمن أعمال "منتدى الدبلوماسية العامة والاتصال الحكومي" المقام برعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وينظمه المكتب الإعلامي لحكومة دبي، ناقش برناردينو ليون، رئيس أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، والبروفيسور هوارد كلارك، الأكاديمي المتخصص في مجال الاستراتيجيات ومواجهة التطرف، الصيغ المختلفة للاتصال الاستراتيجي وما تحمله من رسائل وآليات لمواجهة الإرهاب والفكر المتطرف.

في بداية الجلسة التي حملت عنوان "الاتصال الاستراتيجي... في مواجهة الإرهاب"، أكد برناردينو ليون أن صيغ الاتصال المعنية بمجابهة الإرهاب يجب أن يتم تطويرها من قبل الساسة والدبلوماسيين في كل دولة أو منطقة على حده وفقاً للظروف والمعطيات الداخلية والأوضاع المحيطة بما يضمن خلق بيئة قادرة على دحر الإرهاب ومجابهة الأفكار التي يبثها، مؤكداً أن الإرهاب لا يهدف في المقام الأول إلى قتل الأبرياء فقط، ولكن يسعى جاهداً إلى نشر عمليات القتل على أوسع نطاق لترويع المواطنين وبث رسائل من شأنها أن تحطم دعائم المجتمع المدني وتثبت هيمنتهم على المناطق التي يتواجدون بها لكسب الحرب النفسية.

وعرض ليون رؤيته الخاصة عن أفضل أليات مواجهة الإرهاب من خلال تناوله للاستراتيجية التي اتبعتها الحكومة الاسبانية لمواجهة منظمة "ايتا" المسلحة (أوسكادي تا أسكاتاسونا)، والتي نفذت خلال تاريخها مجموعة كبيرة من الاعتداءات الدموية هزت المجتمع الاسباني، إضافة إلى الهجوم المسلح الذي وقع في العاصمة الاسبانية مدريد في العام 2004، وتبنته فيما بعد خلية أعلنت انتمائها للقاعدة والتي ظنت الحكومة في البداية أنه من تنظيم "ايتا"، مشدداً على أن هناك عدة عناصر يجب توافرها عند تطوير آليات فعاله للوقوف في وجه الفكر الإرهابي قبل ان تقف في وجه الإرهاب نفسه.

وحدة النسيج المجتمعي
أوضح المتحدث أن اتفاق كل القوى السياسية وتبنيها للمواقف والأفكار نفسها، وتعاضد مختلف أطياف المجتمع المدني عنصران في غاية الأهمية عند مكافحة الفكر الإرهابي على مختلف المستويات لما يحققه ذلك من وحدة للنسيج المجتمعي ككل وهو ما يضفي على الحرب ضد الإرهاب صبغة وطنية وليست طائفية، مؤكداً أن الفكر الإرهابي غالبا ما يسعى للوصول إلى مآربه عبر بث النعرات الطائفية وتضخيمها، كمدخل ينفذ منه لاختراق وحدة الصف المجتمعي.

وتطرق برناردينو ليون إلى تمكن اسبانيا من الخروج من هذه الفترة الصعبة من خلال بث رسائل موحدة داخلياً وخارجياً حيث عمدت على تقديم كافة أشكال الدعم لأسر الضحايا وذويهم على الصعيد الداخلي، فيما استطاعت على الصعيد الخارجي كسب دعم المجتمع الدولي وتعاطفه، ما كان له كبير الأثر في انتصارها على الإرهاب، وتحجيم قدرات الإرهابيين على الانتشار بين شرائح المجتمع، ودحض الأفكار التي كانوا يروجونها محليا وعالمياً.

ونوه ليون بأهمية إدراك المعنيين بقيادة الحرب ضد الإرهاب ضرورة عدم التفاوض مع الإرهابيين تحت أي ظروف، موضحاً أن الحوار معهم يجب أن يندرج ضمن قواعد واضحة لوضع شروط لإنهاء الأزمة وليس التفاوض، وقال إن التفاوض من شأنه أن يضفي أبعاداً أخرى على علاقة الدولة بالأطراف الإرهابية كما أنه يقود إلى الانسياق وراء أفكار ومفاهيم غير واضحة تؤدي بدورها إلى خلق حالة من الفوضى وهو ما يسعي الإرهابيين إلى تحقيقه.

السياسة والدبلوماسية وجهان لعملة الاتصال
واعرب برناردينو ليون، صاحب الخبرة الطويلة في مجال العمل الدبلوماسي والعلاقات الدولية، عن قناعته ان القانون الدولي يمثل في جوهره مجموعة من القواعد التي تهدف في الأساس إلى تنظيم علاقات المجتمع الدولي، مشدداً على أنه ينبغي على الساسة والدبلوماسيين أن يجيدوا التحدث بلغة الاتصال بشكل فعال وبناء، ومشيراً أن هذه النوع من الاتصال قد يؤدي إلى تفادي العديد من الحروب والصراعات.

وكشف للمرة الأولى عن اتصالات أجرتها الأمم المتحدة مع الحكومة السورية قبيل احتدام النزاع في سوريا بهدف احتواء الموقف، موضحاً أن تجنب الازمة الحالية كان قريباً جداً لولا حدوث بعض التطورات والمتغيرات التي عاقت نجاح الاتصالات.

وعن استراتيجية الاتصال التي تتبعها الجماعات الإرهابية، أفاد برناردينو أن تلك تنظيمات مثل "القاعدة"، و"داعش" تتحلى بقدرة فائقة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر مواد إعلامية تحمل رسائل تمت صياغتها بعناية لتغيير المفاهيم المجتمعية والدينية وبث بذور التطرف، مشيراً أن "داعش" على سبيل المثال يقوم بنشر نحو 800 مقطع فيديو سنوياً وهو ما يعني أكثر من مقطعين يومياً.

اتصال غير فعال... فشل مؤكد
من جانبه أكد البروفيسور هاورد كلارك، الذي شغل وظائف عدة في مجال مكافحة الارهاب والتطرف والعنف، أن اخفاق استراتيجيات الاتصال التي تطورها الحكومات لمحاربة الفكر الإرهابي في تحقيق أهدافها يؤدي إلى خسارة الحرب ضد الإرهاب، مشدداً على أهمية بناء منظومة قوية للاتصال تعتمد في المقام الأول على الدبلوماسية العامة للعمل على ردع الإرهاب ومبيناً أن الأخطاء التي وقعت فيها الحكومات والجهات التي كانت في مواجهة مباشرة مع الإرهاب أسهمت في تقوية شوكة الإرهاب.

ويرى كلارك أن تعزيز المفاهيم المجتمعية بشكل سليم يُعلي من القيم الوطنية، ويمثل البداية الصحيحة لتطوير استراتيجية مواجهة الإرهاب، مؤكداً أن معظم المجموعات التي تنخرط في مكافحة الجماعات الإرهابية تتسم بفكر واضح يقوم في الأساس على رفض "الجاهلية" التي يسعى الفكر الإرهابي إلى نشرها، والسعي إلى تحقيق حياه حرة تضمن لهم ولعوائلهم عيش كريم.

وشدد كلارك على ضرورة صياغة رسائل بسيطة وواضحة وسهلة عند الإعداد للحرب على الإرهاب، مستدلاً على ذلك بأن دوافع المجموعات المقاتلة ضد التنظيمات الإرهابية، والتي سمحت له ظروف عمله بالتعرف عليها، كانت بسيطة وتنحصر إجمالاً في الرغبة العارمة للتحكم في مصائرهم، وتحرير مجتمعاتهم من براثن الفكر الإرهابي وما يحمله من قيم مريضة ومفاهيم مغرضة.

وأوضح الخبير الاستراتيجي أن المجتمع الدولي ارتكب أخطاء عدة في التعامل مع الإرهاب إذ لم يتم تطوير اجندة موحدة للمواجهة بل بدا الأمر وكأنه جهوداً منفردة غير منسقة تسعى في الغالب إلى تحقيق انتصارات غير مؤثرة يتم الترويج لها إعلامياً مع انها لم تسهم ايجاباً في الصراع، منوهاً بأن الاهتمام بالشق العسكري لم يحقق النتائج المرجوة على الرغم من تكلفته الباهظة حيث أن الهجمات التي نفذت باستخدام الطائرات بدون طيار من قبل الولايات المتحدة الاميركية ضد الإرهابيين والأوكار الإرهابية بلغت تكلفتها نحو 1.6 مليار دولار.

 وأكد كلارك أن تكلفة بناء وتطبيق استراتيجية اتصال فعالة زهيدة على الرغم من أن تأثيرها المتوقع سيكون كبيراً وسيسهم قطعاً في تحقيق انتصارات على المدى الطويل، مشدداً على ضرورة مواجهة ما اسماه بالتوغل الإعلامي للجماعات الإرهابية لاسيما باستخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي إذ ثبت أن "داعش" قام بفتح حوالي 5000 حساب على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي قبيل وقوع انفجارات "نيس" في فرنسا ليستخدمها التنظيم في بث رسائله وتجنيد المزيد من الشباب.

وفي نهاية الجلسة أشار هوارد كلارك أن تبني صيغ فعاله من الاتصال تعتمد أصول ومبادئ الدبلوماسية العامة يضمن للمجتمع الدولي تحقيق انتصارات واضحة على الفكر الإرهابي حيث أن التصدي لهذه الأفكار يجب أن يعتمد على بناء مجتمعات واعية ومدركة لخطورة الإرهاب، ولا يركن إلى الحلول العسكرية فحسب.