بروكسل: "نحن ضحايا مرتين،" هكذا يصف فيليب فانزتينكيست، الذي قتلت أخته في هجمات بروكسل منذ عام، المأساة المضاعفة التي يعيشها في مواجهة العراقيل أمام حصوله على دعم من السلطات البلجيكية. 

وبقيت شقيقته فابيين (51 عاما)، التي عملت كموظفة على إحدى بوابات الدخول في مطار بروكسل، بعد انتهاء دوامها لمساعدة زملائها. وماتت عندما قام انتحاريان بتفجير نفسيهما هناك في 22 مارس من العام الماضي.

وتبنى تنظيم داعش الاعتداءات على مطار زافنتم ومحطة قطارات مالبيك التي أدت إلى مقتل 32 شخصا وإصابة نحو 230 فيما دمرت حياة المئات من أحبائهم. 

وبعدما وجد نفسه ضائعا في متاهة البيروقراطية البلجيكية في مسعاه للحصول على دعم السلطات، أوجد فانزتينكيست هيئة "في-اوروبا" الهادفة لمساعدة جميع الضحايا في الحصول على الرعاية الطبية والنفسية المناسبة إضافة إلى المساعدة المالية والمعنوية من السلطات وشركات التأمين. 

وقال فانزتينكيست لوكالة فرانس برس من منزله قرب العاصمة، حيث انتقل للعيش مع عائلته ليكون أقرب من والديه المسنين بعد الحادثة، أنه شعر وكأنه "كان علينا أن نركع لنحصل على أقل مستوى ممكن من التعويض من أجل الاستمرار" في الحياة بشكل طبيعي.

وأوضح أنه وخلافا لفرنسا وبعض الدول الأخرى، لا يحصل المتضررون من الإرهاب في بلجيكا على وثيقة تعترف بهم رسميا كضحايا هجوم. وأضاف أن الحكومة الفرنسية ترتب لحصول الضحايا على الوثيقة بغضون 30 يوما وهو ما لا يحدث في بلجيكا. 

ويشير إلى أن على الدولة منح عشرات الآلاف من اليورو بشكل "عاجل جدا" ليتمكن الضحايا من دفع تكاليف العلاج الطبي والسكن.

سلوك انساني؟ 
واستذكر فانزتينكيست الصدمة التي شعر بها عندما دفعت له شركة التأمين التابعة للمطار 250 يورو (270 دولار) كتعويض على هاتف اخته الذكي ولا شيء كثمن فقدانه لها متسائلا "الى اي حد مثل هذا السلوك انساني؟".

من ناحيته، انتقد استاذ اللغة الانكليزية، الفرنسي الأميركي نيكولا دي لافاليت (56 عاما)، البيروقراطية البلجيكية في ما يتعلق بمساعدة ابنته البالغة من العمر 18 عاما على التعافي بعدما فقدت ساقيها من أسفل الركبة في الهجوم على المطار. وقال لفرانس برس "أتمنى لو كان هناك هيئة تهتم بالضحايا من الألف إلى الياء (...) لا توجد منظمة تهتم بأمور بهذا الحجم." 

وعبر الأب لثلاثة أولاد، والعضو في منظمة "في-اوروبا" عن قلقه من عدم قيام السلطات البلجيكية بمتابعة ملف ابنته بياتريس عند عودة العائلة للعيش في الولايات المتحدة. إلا أن السلطات البلجيكية التي تعرضت لانتقادات شديدة مباشرة بعد الهجمات بسبب فشلها الاستخباراتي والأمني، تصر على أنها لن تخذل الضحايا مرة ثانية. 

وأكد وزير الداخلية يان هامبون لوكالة فرانس برس "لقد أدركنا جيدا أن هناك أشياء يمكننا تحسينها" لمساعدة الضحايا وأن السلطات تقوم بكل ما هو ممكن لتصحيح الوضع. ونددت وزيرة الصحة ماغي دي بلوك اخيرا بشركات التأمين لتغطيتها نحو 15 بالمئة فقط من نسبة الخسائر المقدرة. 

ووسط سيل الانتقادات، وعدت الحكومة في فبراير بمنح ضحايا الإرهاب "وضع تضامن وطني" قانوني يكفل لهم الحصول على إعانة مالية مدى الحياة. إلا أن مشروع القانون لا يرضي مجموعات الدعم كونه لا يغطي إلا الأشخاص الذين كانوا يعيشون في بلجيكا عندما حدثت الهجمات. 

رائحة لاذعة وعتمة وهدوء
وأوجدت كريستن فيريلن التي قتل شريكها يوهان فان ستين في تفجير المترو مجموعة دعم اجتماعي تسمى "سيركلز - لدينا الخيار" والتي تضم مشتركين من دول بعيدة كالفلبين. وتهدف المجموعة إلى معالجة الأشخاص الذين يعانون من الصدمة من الإرهاب وأحداث أخرى إضافة إلى استعادة الاتصالات بينهم في ظل مجتمع متشرذم وأقل إنسانية.

وقالت فيرلين "إذا كان هدف أولئك الذين يقومون بهذه الهجمات الإرهابية المروعة هو زيادة شرذمة مجتمعنا، فإن الطريقة المثلى لتجاوز ذلك هي إعادة التواصل مع الناس."

وأوضحت لفرانس برس "اكتشفت أن الحداد هو جانب آخر للحب والحياة (...) وعندما أحاول مشاركة حزني مع الآخرين، يحدث شيء رائع وارتباط" معهم. وتخطط فيرلين لإقامة معرض لصور يوهان بمناسبة الذكرى الأولى للهجمات تقدير لشغفه بهذه الهواية. 

وكان الطبيب أوليفييه فرميلن أول من عاش الصدمة من الهجمات عند وصوله إلى محطة مترو مالبيك. وفي تذكره للمشهد ووجوه الضحايا يقول "هذه الأرواح المسكينة (...) انتقلت إلى عالم آخر".

ولا يمكنه أن ينسى رائحة المتفجرات اللاذعة ولا العتمة والهدوء المخيفين في ذاك اليوم ومشهد عربات القطار التي تفجرت أبوابها من شدة الانفجار. ويقول "ضوء ضئيل جدا وضوء أحمر يشتعل وينطفئ. ولا أصوات" في المكان.