إيلاف من عمّان: ناقش لقاء منتدى الفكر العربي ومقره العاصمة الأردنية عمّان، مساء الثلاثاء، كتاب "تاريخ الاتصال والإعلام عند العرب 150 ق.م – الحاضر الرقمي" الصادر حديثاً من تأليف أستاذ الاتصال الجماهيري والمحاضر غير المتفرغ في الجامعة الأردنية الدكتور عصام سليمان الموسى.&

وأدار اللقاء وشارك فيه الأمين العام للمنتدى الدكتور محمد أبوحمور، كما ناقش الكتاب أستاذ التاريخ ومدير المكتبة في جامعة العلوم الإسلامية العالمية الدكتور محمد الأرناؤوط، ومدير معهد الإعلام الأردني الدكتور باسم الطويسي.

ويتضمن الكتاب &13 فصلاً رؤية علمية جديدة لتاريخ الأمّة العربية منذ البدء قائمة على منظور الاتصال والإعلام والمعلوماتية، مؤكداً الدور الفاعل للعرب في تطوير وسائل الاتصال عبر التاريخ منذ عهد الأنباط الذين أرسوا حروف الأبجدية، مروراً بتطوير العباسيين لصناعة الورق الذي يعتبره المؤلف معادلاً للحاسوب في زمننا الحالي، ووصولاً إلى العصر الحديث واستخدام المطبعة.

كلمة أبوحمور

وأكد الأمين العام للمنتدى الدكتور أبوحمور أن المشهد الإعلامي في المنطقة أصبح صورة من صور حالات الصراع بين قوى وتيارات داخلية وإقليمية ودولية، مما يترك آثاراً بحاجة إلى التيقظ لها؛ سواء على الخطاب الفكري العربي نفسه، أو على الإنسان والمواطن العربي من حيث إعادة تشكيل الذهنية العامة في التعامل مع الأحداث، ومسألة الانتماء والشعور بالهُوية، وعلاقة الإنسان بمجتمعه، وما يتعلق بقبول الآخر، والحوار وحرية التعبير وضوابطها، والانفتاح على الآخر والعالم، والاستفادة المُثلى من التقدم العالمي في التكنولوجيا، والأفكار التي نحتاج في تجاوز الأزمات على الصعد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.

استراتيجيات&

ودعا د. أبوحمور في هذا المجال، النخب الثقافية والفكرية والإعلامية إلى صياغة استراتيجيات قادرة على التعامل مع تحديات التدفق الإعلامي والمعلوماتي وتكنولوجيات الاتصال الحديثة وتطوراتها المتسارعة، مشيراً إلى ما شهده الواقع العربي خلال السنوات الماضية من استخدام واسع لوسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية للتعبئة والتحشيد وإطلاق شرارة ما سمّي "الربيع العربي" حيناً، وقيام جماعات التطرف والإرهاب بالاستفادة أيضاً من تكنولوجيات الاتصال في عمليات الدعاية والتجنيد والاستقطاب، واستغلال جماعات سياسية وذات أجندات خاصة هذه التكنولوجيات في نشر خطابها الموجّه في خدمة مصالحها الطائفية أو العرقية أو المذهبية، مما أوجد ظواهر غير مسبوقة في التقسيمات الاجتماعية، وأشاع خطابات كراهية وتجزئة وتفتيت؛ أصبح لها تأثير خطير وملموس في مجتمعاتنا.

خلل&

كما أشار د. أبوحمور إلى أن هذه الظواهر تدلّ على خلل في الحالة الثقافية العربية العامة، مما يحتاج إلى إعادة نظر بشكل علمي وموضوعي، ومراجعة شاملة لمكامن القوة في ثقافتنا وتاريخنا ووسائلنا، من أجل استنباط الأساليب المجدية من تجربتنا الحضارية، وتوظيفها في الحفاظ على كيان الأمّة وهويتها، وإعادة الانسجام بين مختلف مكوناتها الثقافية، ثم توظيف التكنولوجيا الإعلامية والاتصالية الحديثة في إيجاد حالة من الحوار الهادف البنّاء، لا التباعد والتفرقة والتشرذم. فالعقل العربي قادر على أن يتجاوز هذا المشهد الضبابي والمساهمة بفاعلية في الحضارة الإنسانية كما تبيّن تجربتنا على مرّ العصور؛ مستشهداً بما قاله سمو الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي، من أن سرد التاريخ بحد ذاته ليس مفيداً ما لم يكن محفزاً للخيال والعمل في الحاضر ومن أجل المستقبل.

منهج تاريخي&

المفكرون والأكاديميون المشاركون في المداخلات&

ووصف د. أبوحمور كتاب د. عصام الموسى "تاريخ الاتصال والإعلام عند العرب بأنه يتسم بمنهج تاريخي نقدي، وبأسبقية في تناول التاريخ الحضاري العربي من زاوية الاتصال والإعلام والمعرفة، ويعد إضافة مهمة في مجال الدراسات التاريخية، لأنه يعيد للثقافة العربية ألقها، ويعبر عن غنى التنوع الثقافي في هذه المنطقة، وقدرة شعوبها على النهوض والتطور معرفياً وإنسانياً.

كلمة عصام الموسى

من جهته، أوضح د. عصام الموسى أن فكرة كتابه تقوم على أن نظام الاتصال في أي كيان هو بمثابة عصب الحياة، بمعنى أن نظام الاتصال السائد في أي كيان سياسي أو اجتماعي إنما هو نظام الإدارة الذي يشغل ذلك الكيان ويديره ويوجه خطاه ويصقل شخصية ناسه.
وأضاف أن كتابه الجديد هذا الذي عمل على وضعه خلال ما يقارب العقدين، يعالج سيرورة النظام الاتصالي الذي ساد في المنطقة العربية منذ 8000 ق.م. وحتى زمننا الرقمي الراهن، راصداً امتزاج العرب بشعوب أخرى سيطرت على المنطقة بأسماء مختلفة، برز من بينها – مثلاً - السومريون والأكاديون والآشوريون واليونان والبيزنطيون، وآخرهم العثمانيون من غير القومية العربية وصولاً إلى الزمن العربي الراهن. وقال: إن نظام الاتصال الذي ساد هذه المنطقة منذ عشرة آلاف عام ترك أثره على الانسان العربي قديمه وحديثه.

دور الأنباط

وأشار د. الموسى إلى دور الأنباط الذين أعطونا الحرف العربي في ثورة الاتصال الأولى، ودور العباسيين الذين أعطونا الورق فأوصلنا ذلك الى عصر الكتابة والوراقة الذهبي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي. وقال: إن الإسهام الرئيس لكتابه يتجلى بالإضافة إلى إبراز دور الأنباط في إبراز دور أبي جعفر المنصور واستخدام الورق في الإدارة في العصر العباسي، واستخدام المطبعة عند المسيحيين العرب في القرن التاسع عشر للحفاظ على جذوة التراث العربي وقّادة، وهي التي قادت إلى النهضة العربية الحديثة وقيام الثورة العربية الكبرى.

وأوضح أن الثقافة الشفاهية ارتبطت بنشوء نظم سلطوية سادت المنطقة منذ عشرة الاف عام فأسهمت في إيجاد شخصية مسطحة مستسلمة في المجمل وسلبية لا تشارك غيرها، وفي العصر الحديث عزز دخول أجهزة اتصال جماهيرية من الشفاهية - كالتلفاز والراديو- التي ساندها انتشار الأمية على نطاق واسع في البلدان العربية- فتواصلت الشفاهية في ظل أنظمة سلطوية كرست التلفاز وقاعدة جماهيره الواسعة للترفيه بالدرجة الأولى، والطروحات الدينية، فعم التخدير العقلي والشفاهية الهروبية الاستسلامية، حتى هبة نيسان في الأردن عام 1989 التي دقت ناقوس الربيع العربي، فبدأت تهب على المنطقة رياح الثورة الاتصالية الرقمية. ومع قدوم الإنترنت انتصر الاتصال على النظم العربية، فاضطرت لإدخال اصلاحات ديمقراطية في مجال حرية التعبير، وقاد انتشار الأجهزة الرقمية الى بدء تخلي الانسان العربي عن شفاهيته؛ إذ شعر
بكيانه المستقل وقوته لأول مرة، وبدأت تظهر ملامح شخصية جديدة ناقدة، فصار مرسلاً لا مستقبلاً فقط، وصار إنساناً مشاركاً لا سلبياً وفاعلاً بالأحداث لا يقف منها موقف المتفرج المراقب.

كلمة محمد الأرناؤوط

وفي كلمته قال د. محمد الأرناؤوط إنه بعد أربعين سنة من تدريس مادة "الاتصال" بأقسام الصحافة والإعلام في جامعات أردنية وعربية وأجنبية ومؤلفات مرجعية تُدرّس في الجامعات ، مثل "المدخل إلى الاتصال الجماهيري"، أراد د. عصام الموسى أن يتوّج عمله في البحث والتأليف في هذا الكتاب "تاريخ الاتصال والإعلام العربي : 150 ق.م – الحاضر الرقمي" الذي صدر مؤخرا في عمّان.

وأضاف أن د. الموسى دَرَسَ في الولايات المتحدة ، حيث تحوّل "الاتصال" Communication إلى مادة في كليات الصحافة بالجامعات منذ قرن، وأصبحت هناك نظريات حوله ترتبط بأسماء معروفة مثل هارولد انيس H.Innis ومارشال ماكلوهان M.McLuhan وانتوني سميث A.Smith وغيرهم. وقد أراد أن يقدّم جديداً بالاستناد إلى نظرية الاتصال التاريخية التي تعتبر تطوير وسائل الاتصال الفاعلة بمثابة المفاصل التاريخية في نهضة الشعوب. ومن هنا فقد سعى د. الموسى في كتابه هذا الحاشد بالمعلومات والنظريات والتحليلات أن يعاين الثورات الأربع الكبرى في تاريخ الاتصال خلال الـ 1500 سنة الأخيرة، وأن يبيّن دور العرب فيها أو انعكاسها على العرب.

كلمة باسم الطويسي

وقال د. باسم الطويسي في تعقيبه : إن د. الموسى يقدم قراءة جديدة لتفسير التاريخ العربي من منظور الاتصال بالاتكاء على تراث وأدبيات مدرسة تاريخ الاتصال النقدية ، وبذلك يكون د. الموسى مبتكراً في استخدام منظور الاتصال في فهم الظواهر التاريخية التي شهدها هذا الجزء من العالم على مدى ثلاثة الآف عام وأكثر.

وأضاف أن الكتاب استند إلى منهجية علمية مركبة تاريخية – تحليلية ما يدل على سعة اطلاع الباحث على حقول علمية متعددة في التاريخ وتاريخ الاتصال واللغة والنقوش والآثار. وأن أهم ما في الكتاب من إضافات، يتمثل في فكرتين مركزيتين: الأولى دور العرب الأنباط في تطوير الخط والكتابة العربية، بعد أن بقيت قصة أصل الخط والكتابة العربية في كتابات المؤرخين العرب ملفوفة بالخيال التاريخي والقصص الأسطورية، وذهبت الكتابات التاريخية الحديثة والمعاصرة إلى ما ذهب إليه السلف، ولم يمارس المؤرخون العرب الجدد النقد التاريخي وطرح الأسئلة، وإزاحة الغشاوة عن العيون. في حين يعيد د. الموسى بالأدلة العلمية التاريخية الفضل لأهله في أهم إنجاز في تاريخ الثقافة العربية المتمثل في تحويل اللغة العربية من لغة شفوية الى لغة مكتوبة.

أما الفكرة المركزية الثانية فتتمثل في دور العرب في العصر العباسي (الخليفة أبو جعفر المنصور) في صناعة الورق، فالورق وسيلة اتصال حاسمة في التاريخ البشري لا تقل أهمية عن مطبعة جوتنبرغ ولا عن الحاسوب المعاصر، وأن قيمة الورق العربي هائلة، فمن خلاله انتشر الكتاب والمعرفة، وازدادت قدرة المجتمعات على تجزئة القوة والحد من احتكار الحقيقة، ما شكل المقدمة الموضوعية للعصور التالية التي شكلت المعرفة فيها مركز الحضارة الإنسانية.