بدأ الأتراك الإدلاء بأصواتهم الأحد في استفتاء تاريخي حول تعديلات دستورية تهدف إلى تعزيز صلاحيات الرئيس رجب طيب إردوغان، كما ذكر صحافي من وكالة فرانس برس في مركز للاقتراع في دياربكر في جنوب شرق تركيا.

إيلاف - متابعة: يصوّت حوالى 55.3 مليون ناخب بين الساعة الرابعة والساعة 13:00 بتوقيت غرينتش في شرق تركيا، ومن الساعة 05:00 إلى الساعة 14:00 ت غ في بقية أنحاء البلاد، في مشاورة شعبية حول جعل نظام الحكم رئاسيًا لا تبدو نتائجها محسومة.

وفتحت مراكز الاقتراع ابوابها عند الرابعة بتوقيت غرينتش في دياربكر ومدن أخرى بشرق تركيا والخامسة في غرب البلاد، وخصوصًا في اسطنبول وانقرة. وصرح رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم بعدما صوت في مدينة ازمير (غرب) أن "حكم الشعب سيحترم" ايًا تكن نتيجة الاقتراع.

أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن الاستفتاء الجاري الأحد حول توسيع صلاحياته الرئاسية هو تصويت من أجل مستقبل تركيا. وقال بعدما أدلى بصوته في الشطر الآسيوي من اسطنبول: "ستتقدم أمتنا إن شاء الله هنا وفي الخارج نحو المستقبل هذا المساء بقيامها بالخيار المنتظر".

وشدد على أن الاستفتاء الذي يرجّح أن تكون نتائجه متقاربة، ليس عملية اقتراع "عادية"، بل يهدف إلى "تغيير نظام الحكم". ويشارك حوالى 55,3 مليون ناخب تركي الأحد في الاستفتاء للبت في مسألة تعديل الدستور لتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية بشكل كبير.

وقال إردوغان الأحد "إنني على قناعة بأن شعبنا سيختار فتح الطريق أمام تنمية أسرع، وقفزة حقيقية إلى الأمام". وتابع "علينا القيام بخيار غير اعتيادي لنرتقي إلى مستوى الحضارة المعاصرة، التي أرادها مصطفى كمال" أتاتورك مؤسسة الجمهورية التركية.

وقال يمرا يرلينكايا لوكالة فرانس برس في أحد مراكز التصويت في اسطنبول، "بالتأكيد سأصوّت لأدعم الرئيس. اذا كنا على ما نحن عليه اليوم فهذا بفضله". ولم يتردد هنجر سينكوم العسكري المتقاعد في توجيه الانتقادات، بعدما صوّت ضد التعديلات الدستورية في احدى مدارس انقرة.

وقال "انا ضد هذه الحكومة لانني اعرف رؤيتها للعالم. جرت اصلاحات بين 2002 و2004 وقالوا لنا إن تركيا ستنضم الى الاتحاد الاوروبي وستنهي الارهاب، لكن لم يحدث شيء من هذا".

وقال أردوغان خلال سلسلة طويلة جدًا من التجمعات الانتخابية السبت "غدًا ستتخذ تركيا واحدًا من أهم القرارات في تاريخها". وبينما حاولت مختلف الاحزاب كسب اصوات المترددين السبت في الساعات الاخيرة من الحملة، التي انتهت عند الساعة 18,00 (15,00 ت غ)، بدا اردوغان واثقًا من الفوز. وقال اردوغان السبت "ان شاء الله سيكون غدًا يوم عيد لتركيا، غداً تتخذ تركيا احد اهم القرارات في تاريخها"، داعيًا الاتراك الى التوجه بكثافة الى مراكز الاقتراع.

اضاف "النتائج تبدو جيدة لكن ذلك يجب الا يجعلنا نتكاسل. إن نعم قوية ستشكل درسًا للغرب" وذلك بعد كان انتقد بانتظام الاتحاد الاوروبي اثناء حملته.

حالة طوارئ
صرح اردوغان خصوصًا ان ترشيح تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي المجمد منذ سنوات سيطرح مجددًا بعد هذا الاستفتاء. كما اطلق الجدل مجددًا حول اعادة العمل بعقوبة الاعدام، التي تعارضها المفوضية الاوروبية.

قال زعيم اكبر احزاب المعارضة، حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديموقراطي)، كمال كيليش دار اوغلو، في تجمع قرب العاصمة السبت، "هل تريد (تركيا) الاستمرار في ديموقراطيتها البرلمانية ام الانتقال الى نظام حكم بيد رجل واحد؟". وشبه النظام الذي تريده سلطات اردوغان بـ"حافلة بدون مكابح لا تعرف وجهتها".

ونددت المعارضة في الاسابيع الاخيرة بحملة غير منصفة مع هيمنة واضحة لأنصار اردوغان في الشوارع ووسائل الاعلام. واضطر حزب الشعوب الديموقراطي خصوصًا الى القيام بحملته، فيما يقبع أحد رئيسيه ونوابه في البرلمان في السجن بتهمة صلات مع حزب العمال الكردستاني.

من جهة أخرى، تخضع تركيا لحالة الطوارئ منذ الانقلاب الفاشل. وقد اوقف بموجبها 47 الف شخص، وسرح أو كفت يد مئة الف آخرين. من جهة اخرى شهدت الحملة بعض الاضطرابات للحزب الحاكم حزب العدالة والتنمية الاسلامي المحافظ الذي يدعم مع حزب العمل القومي هذا المشروع. وهذا التحالف ضروري لكنه هشّ، اذ ان القوميين منقسمون بشأن هذا التعديل الدستوري.

واضطر الرئيس الجمعة لطمأنة حلفائه القوميين، بعدما اتهم زعيم حزب العمل القومي دولت بهجلي احد مستشاري اردوغان بأنه اعلن ان الفدرالية احتمال قائم بعد الاستفتاء. وقال الرئيس التركي: "لا يوجد شيء من هذا القبيل". ويعارض حزب العمل القومي أي شكل من اشكال الفدرالية يمنح المناطق الكردية في جنوب شرق تركيا نوعًا من الحكم الذاتي.

وأوردت وسائل الاعلام التركية أن جميع مستشاري ووزراء حزب العدالة والتنمية اضطروا لالغاء كل مشاركاتهم التلفزيونية في الساعات الاخيرة للحملة لتفادي ارتكاب أي هفوة.

تهديد ارهابي
يشغل الامن حيزًا كبيرًا في تنظيم الاستفتاء، خصوصًا بعدما دعا تنظيم داعش عبر احدى وسائل الترويج له الى تنفيذ هجمات على مكاتب الاقتراع الاحد. وبحسب وكالة دوغان للانباء الخاصة السبت، فإن 49 جهاديًا تم توقيفهم في اسطنبول هذا الاسبوع. واوقف 19 الثلاثاء في ازمير (غرب) للاشتباه في تحضيرهم لأعمال لعرقلة سير الاستفتاء.

وذكرت وكالة انباء الاناضول الحكومية أن حوالى 33 الفاً و600 شرطي سينتشرون الاحد في اسطنبول لضمان حسن سير الاقتراع.

يأتي الاقتراع في ختام حملة طويلة سادها التوتر، وشهدت خصوصًا تدهورًا في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. وتقضي التعديلات الدستورية خصوصًا بإلغاء منصب رئيس الوزراء لمصلحة رئيس يتمتع بصلاحيات واسعة جدًا.

وتؤكد الحكومة أن هذا التعديل لا بد منه لضمان استقرار البلاد ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية. لكن المعارضة ترى فيه جنوحًا إلى الاستبداد من قبل رجل تتهمه بإسكات كل صوت منتقد، خصوصًا منذ محاولة الانقلاب في 15 يوليو.

التعديلات الدستورية المطروحة
في ما يلي التعديلات الرئيسة في الاصلاح الدستوري، التي يصوّت عليها الناخبون الاتراك في استفتاء الاحد:

تعزيز صلاحيات إردوغان 
تقضي هذه التعديلات بمنح سلطات تنفيذية معززة للرئيس رجب طيب إردوغان، الذي سيتمكن من تعيين وإقالة الوزراء وكبار الموظفين الحكوميين.

كما سيلغى منصب رئيس الوزراء الذي يتولاه حاليًا بن علي يلديريم ليعيّن رئيس الدولة نائبًا أو أكثر له عوضًا منه. من جهة اخرى، ستسمح التعديلات للرئيس بالتدخل مباشرة في عمل القضاء.

سيختار الرئيس ايضًا بشكل مباشر او غير مباشر ستة اعضاء في المجلس الاعلى للقضاة والمدعين، الذي يتولى التعيينات والاقالات في السلك القضائي، فيما يعيّن البرلمان سبعة أعضاء.

كذلك ينص على إلغاء المحاكم العسكرية التي سبق ان دانت ضباطًا وحكمت على رئيس الوزراء السابق عدنان مينديريس بالاعدام إثر انقلاب 1960.

حالة الطوارئ
وفقًا للاصلاح الدستوري، تقضي التعديلات بفرض حالة الطوارئ حصرًا عند حصول "انتفاضة ضد الوطن" او "أعمال عنف تهدد (...) بانقسام الامة".

كما ان الرئيس سيكون صاحب قرار فرض حالة الطوارئ قبل عرضه على البرلمان، الذي يحق له اختصارها أو تمديدها أو رفعها عندما يرى ذلك مناسبًا.

كما يحدد المدة الأولية لحالة الطوارئ بستة أشهر، وهي تفوق المدة السارية حاليًا بـ12 أسبوعاً، ويستطيع البرلمان لاحقا تمديدها بطلب من الرئيس لأربعة أشهر كل مرة.

البرلمان 
سيرتفع عدد النواب من 550 الى 600، وسيتم خفض الحد الادنى لسنهم من 25 الى 18 سنة. كما سيتم تنظيم انتخابات تشريعية مرة كل خمس سنوات بدلاً من اربع، وبالتزامن مع الاستحقاق الرئاسي.

سيحتفظ البرلمان بسلطة اقرار وتعديل وإلغاء القوانين والتشريعات. وستكون لدى البرلمان صلاحيات الاشراف على أعمال الرئيس لكن الاخير سيحظى بسلطة اصدار المراسيم الرئاسية حول كل المسائل المتعلقة بسلطاته التنفيذية. ولا يمكن في المقابل للرئيس اصدار مراسيم في مسائل بت بها القانون.

واذا اتهم الرئيس أو حامت حوله شبهات بارتكاب جنحة، فيجوز للبرلمان أن يطلب فتح تحقيق على ان يكون ذلك بغالبية ثلاثة أخماس الاعضاء.

هل يبقى أردوغان رئيسًا حتى 2029؟
ينص مشروع الاصلاح الدستوري على تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة بشكل متزامن في الثالث من نوفمبر 2019. 
وسينتخب الرئيس لولاية من خمس سنوات يمكن تجديدها مرة واحدة. ولن يكون مرغمًا على قطع علاقاته مع حزبه.

انتخب إردوغان رئيسًا في اغسطس 2014 بعد اكثر من عقد شغل فيه منصب رئيس الوزراء. وفي حال بدأ تطبيق المادة المتعلقة بالعدد الاقصى للولايات الرئاسية اعتبارًا من 2019، فقد يبقى إردوغان في السلطة حتى العام 2029. وما زال على السلطات أن توضح هذه النقطة.