باريس: بعد أن خسر موقعه الأوفر حظا بسبب فضيحة الوظائف الوهمية التي استفاد منها أفراد من عائلته، أثبت المحافظ فرنسوا فيون عن صموده وإصراره طوال الحملة الانتخابية.

يقول رئيس الوزراء السابق (2007-2012) واصفا نفسه "إنني مثل هؤلاء المقاتلين الذين يحملون ندبات (...) ولا يحنون رأسهم أمام رصاص" خصومهم"، معتبرا أن متاعبه مع القضاء هي "فضيحة ديموقراطية" تهدف إلى "مصادرة الانتخابات" و"مؤامرة" تهدف إلى الإساءة إليه.

أحدث مفاجأة كبرى في نوفمبر حين فاز في الانتخابات التمهيدية لليمين بفارق كبير عن منافسيه بفضل صورته كرجل نزيه، ووعوده الجذرية بالنهوض بالبلاد، متقدما على الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي تولى في عهده رئاسة الحكومة، ورئيس الوزراء السابق آلان جوبيه الذي كان يعتبر الأوفر حظا.

وكانت كل الحظوظ تحالف هذا الليبرالي البالغ من العمر 63 عاما الذي يطرح برنامج اقتطاعات مالية ويؤكد أنه "يفتخر بقيمه" معتنقا تاريخ فرنسا المسيحي، للفوز في الانتخابات الرئاسية التي تجري دورتها الأولى اليوم ودورتها الثانية في 7 مايو، بعد خمس سنوات من حكم اشتراكي.

وتحدثت الصحافة الفرنسية في ذلك الحين عن "انتصار السيد نكرة". وفي موسكو، أثنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على "مهني كبير"، ما اثار جدلا في فرنسا حول علاقات فيون بالكرملين.

لكن في نهاية كانون الثاني/يناير، واجه فيون المولع بسباق السيارات والذي يقول أصدقاؤه إنه "لا يحتمل أن يكون في المرتبة الثانية"، فضيحة قضت على شعبيته، مع كشف الصحافة عن قضية وظائف وهمية استفادت منها زوجته بينيلوب واثنان من أولاده الخمسة. فواجه جلسات تحقيق ومداهمات، وصولا إلى توجيه التهمة إليه رسميا بـ"اختلاس أموال عامة".

وعلى الإثر، ارتدت ضده جملة كان يقولها في حملته الانتخابية "من يمكن أن يتصور الجنرال ديغول يواجه تهمة؟"، فبات يستقبل في كل من تنقلاته بالقرع على الطناجر وصيحات "سارق!" و"أعد المال".

"تمساح"

لكن هذا الكاثوليكي المتدين الذي لا يخفي إعجابه بمارغريت ثاتشر، يرى أنه لا يزال يتمتع بنزاهة وشرعية تامتين، فواصل حملته من دون أن تضعف عزيمته، في وقت يصفه أنصاره بالمثابر وخصومه بالانتحاري.

وقال الخميس في آخر برنامج تلفزيوني جمع كل المرشحين "إنني أستمد السلطة الأخلاقية من ماضي، من 36 عاما قضيتها في الحياة العامة، أستمدها من خيار الفرنسيين".

وتصنفه استطلاعات الرأي التي جرت في الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية خلف مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن والوسطي إيمانويل ماكرون، غير أن الفارق معهما تقلص.

ويأمل فيون الذي يدافع بقوة عن النظام وهيبة السلطة والأمن والصرامة والعائلة وعظمة فرنسا، في تكذيب تكهنات الهزيمة، مراهنا على "انتفاضة" شعبية من أجله. وهو يطرح نفسه على أنه االمرشح الوحيد "الجدي" ويدعو بلا كلل إلى "تصويت بناء على العقل".

وسعيا منه لتعبئة ناخبيه، يلوح بالخطر "الشيوعي" المتمثل برأيه في الاختراق الذي حققه مؤخرا ممثل اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون.

وأعلن مؤخرا "لا أطلب منكم أن تحبونني، أطلب منكم أن تدعمونني، لأن مصلحة فرنسا على المحك".

وقال الخميس "إنني مقتنع بأنني سأفوز في هذه الانتخابات الرئاسية، لأن ترشيحي يصادف اليوم مفصلا في تاريخ بلادنا".

وفيون ابن كاتب عدل، ولد في مان في وسط غرب فرنسا في الرابع من مارس 1954. وفي 1976 خطا فيون الذي نال اجازة في الحقوق، خطواته الاولى في الحياة السياسية كمساعد نائب لبلدة سابليه-سور-سارت الصغيرة القريبة من مان.

لدى وفاة مرشده في السياسة في 1980، حل فيون مكانه ليصبح في 1981 أصغر نائب في الجمعية الوطنية.

شارك بين 1993 و2005 في جميع الحكومات اليمينية، ثم شغل مقعدا في مجلس الشيوخ من 2005 إلى 2007 قبل ان يصبح لخمس سنوات رئيسا للحكومة في عهد ساركوزي.

تختلف الآراء حول فيون ما بين "سياسي محنك" و"انتهازي"، وقال رئيس الوزراء السابق جان بيار رافاران ان هذا السياسي "يحسن ركوب أمواج الآخرين". 

وقال عنه احد الوزراء في حكومته في 2012 "انه كالتمساح، يظهر وكأنه نائم، لكنه جاهز لالتهام أي كان على الضفة".