لم يعد التنبؤ بأن أحياء اليوم سيعيشون ألف عام مبالغة، فالعالم البريطاني أوبري دي غراي يبشِّر البشر بالتعمير ألفية من الزمن. فهل صار إرجاء الشيخوخة متاحًا؟.

إيلاف من لندن: تعتبر منطقة سيليكون فالي في ولاية كاليفورنيا مصنع الطموحات الجامحة والتفكير الحر والإيمان بقدرات التقانة غير المحدودة، وهي مصدر سيل لا ينقطع من التوقعات المستقبلية الغريبة.&

لكن التنبؤ القائل إن أشخاصًا أحياء اليوم سيعيشون ألف عام يعدّ تماديًا في المبالغة حتى بمعايير سيليكون فالي. فهو تنبؤ أقرب إلى تعريف بروفيسور مجنون منه إلى إعلان جريء من رائد كبير في مجال التكنولوجيا الحياتية. لكن هذا ما يدّعيه العالم الانكليزي أوبري دي غراي (53 عامًا) الذي يعيش على بعد أميال قليلة من جبال سانتا كروز في ولاية كاليفورنيا نفسها، حيث يوجد مركز شركات التكنولوجيا.&

عالم بريطاني يراهن على إطالة عمر الإنسان الافتراضي حتى الألف

إرجاء الشيخوخة&
تبدو ضيعة العالم البريطاني كما هو متوقع من بروفيسور مجنون. فالمبنى قديم، وفي مطبخ البيت المتداعي مقلاة تجلس على طباخ كهربائي عتيق بانتظار من ينظفها. وتتكدس أواني الطبخ في المغسلة المحاطة بقناني البيرة الفارغة. ونرى فوضى المطبخ بأشكال مختلفة في غرف البيت.&

في هذا البيت القديم، يعيش دي غراي، الذي نشر قبل 15 سنة بحثًا رياديًا في مجلة أكاديمية العلوم في نيويورك، إدّعى فيه "أن إرجاء الشيخوخة أجلًا غير مسمى يلوح في الأفق". يقول دي غراي إن موقعه بين علماء الشيخوخة وأمراضها تغيّر منذ نشر البحث، من عالم سطحي مهمّش إلى واحد من أقوى الأصوات في هذا الفرع العلمي.&

يوضح دي غراي أن غالبية المعالجات الهادفة إلى مكافحة الشيخوخة تركز على إيقاف النتائج العرضية الضارة لعملية التمثيل الغذائي، التي تسبب تلف الخلايا وترديها، ونتيجة لتراكم هذا التلف والتردي بمرور الزمن تحدث أمراض ترتبط بالشيخوخة مثل السرطان أو الخرف متسببة بوفاتنا.&

دي غراي هو أخصائي الجينات في جامعة كامبريدج البريطانية

يرى دي غراي أن هذه الاستراتيجية تحول مكافحة الشيخوخة إلى لعبة عبثية غير مجدية. وبدلًا من وقف التلف الذي يصيب الخلايا، يركز دي غراي على إصلاحه.&

وشارك في عام 2009 في تأسيس معهد بحوث غير ربحي لهذا الغرض. وتهدف هذه المقاربة "الهندسية" إلى إبقاء عملية تردي الخلايا تحت الحافة التي تحول هذا التردي إلى مرض يهدد الحياة. وقال دي غراي في مقابلة مع صحيفة فايننشيال تايمز: "إذا أمكنك تصليح التلف المجهري، فإنك تتجاوز المشكلة الأكبر المتمثلة بالوقاية".&

قبول أوسع
تلقى نظرية دي غراي الآن قبولًا أوسع، لكن تبقى أقواله في شأن قرب الخلود مرفوضة بين أقرانه من العلماء. وهو يقول إن رفضهم غير مسنود بأدلة، وينمّ عن تخلف فكري ينطوي في أساسه على تسليم عاطفي وخاطئ بحتمية الموت.&

كان القبول بحتمية الموت هو الخيار العقلاني تاريخيًا، وشرطًا لازمًا "للاستمرار وتحقيق أقصى ما يمكن من حياتنا القصيرة إلى حد التعاسة"، بحسب تعبير دي غراي.&

اليوم، بعدما تطورت التكنولوجيا ما يكفي لوضعنا "قاب قوسين أو أدنى" من المدّ في عمر الإنسان أضعاف ما يعيشه الآن، فإن هذا القبول بحتمية الموت أصبح عقبة كأداء في طريق الوصول إلى هذا الهدف. فالحاجة العاطفية التقليدية إلى قبول فنائنا وموتنا في نهاية المطاف أوجدت تسليمًا أعمى بالشيخوخة، يمنع حتى خيرة العلماء من العمل على إطالة حياة الإنسان بالمثابرة التي يقتضيها مثل هذا المشروع.&

يعمل دي غراي على إصلاح التلف الذي يؤدي إلى الشيخوخة بدلًا من إيقافه

يقول دي غراي إنه "الزعيم الروحي" لما يعتبره "أهم مهمة في العالم". ولهذا السبب اختار ضيعته القديمة وسط طبيعة خلابة في ركن معزول من ولاية كاليفورنيا. ويقول دي غراي: "إن الأجواء بوهيمية، والبوهيمية هي طرازي. وأغلى شيء كنتُ أملكه قبل ذلك هو كومبيوتر محمول. فأنا لا أحب الكثير من الحداثة والأجهزة الذكية، بل أحب أن أكون محاطًا بأشياء أليفة".
&
وفي حين أن كثيرًا من الرؤيويين توافدوا على منطقة سيليكون فالي لصنع ثروة فان دي غراي تنازل عن ثروة كاملة للمجيء إليها.&

مؤثر تكويني
في عام 2011، توفيت والدة دي غراي التي كانت "المؤثر التكويني" لحياته، كما يقول مشيرًا إلى وفاة والده قبل ميلاده. ومنها ورث ابنها الوحيد دي غراي ثروتها البالغة 10.5 ملايين جنيه إسترليني بعدما باعت عقارين في منطقة تشيلسي، يقول دي غراي إنها اشترتهما بسعر 30 ألف جنيه إسترليني في خمسينات القرن الماضي وستيناته.

هل بإمكان الموت أن يموت حقًا على يد العلم؟


&أخذ دي غراي لنفسه 2.1 مليون جنيه إسترليني أنفق غالبيتها على ضيعته في كاليفورنيا، وتبرع بالباقي لمعهد الأبحاث العلمية الذي شارك في تأسيسه. وتوفر له الضيعة دخلًا بسيطًا من تأجير خمسة أكواخ متناثرة على أرضها مقابل 1000 دولار شهريًا.&

أقنع دي غراي خطيبته الباحثة البيولوجية الهندية بالانتقال معه. وكان ذلك خطوة إلى الأمام، إذا عرفنا أن زوجته السابقة الباحثة المتخصصة في علم الوراثة أديلايد كاربنتر، التي تعرف إليها في جامعة كامبردج، أصرّت على البقاء في بريطانيا عندما أسس معهده. وحين تصل خطيبة دي غراي يأمل في أن تساعده على الابتعاد عن الأضواء وإنهاء برنامج مزدحم من الارتباطات لإلقاء محاضرات عن عمله في أنحاء العالم.&


أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "فايننشيال تايمز". الأصل منشور على الرابط الآتي:
https://www.ft.com/content/238cc916-e935-11e6-967b-c88452263daf