تواصل حدة التوتر في التصاعد بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، فادارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقول إنها مصممة على تشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة أصلا على حكومة بيونغيانغ، وانها ستفعّل نظام (ثاد) للدفاع الصاروخي الذي نصبته في كوريا الجنوبية، وذلك في محاولة لايقاف برنامج التسلح النووي الكوري الشمالي والتجارب الصاروخية التي تجريها بيونغيانغ.

من جانبها، ردت كوريا الشمالية على هذه الخطوات بالقول إنها مصممة على إجراء المزيد من التجارب الصاروخية والنووية.

مراسل بي بي سي للشؤون الدفاعية والدبلوماسية جوناثان ماركوس يجيب على بعض التساؤلات المثارة حول الموقف الراهن في شبه الجزيرة الكورية.

س: ما المؤمل تحقيقه من تشديد العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية؟

ج: العقوبات الاقتصادية المفروضة على كوريا الشمالية واسعة النطاق بالفعل، ولكن الالتزام بها ليس دقيقا. فقد توصلت دراسة اجرتها الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة الى ان شظايا قد عُثر عليها من تجربة صاروخية اجرتها كوريا الشمالية احتوت اجزاء الكترونية اما صينية الصنع او تم الحصول عليها من خلال مؤسسات صناعية صينية. لذا فإن بامكان الصين عمل المزيد للالتزام بالعقوبات الخاصة بالنشاطات الصاروخية، كما يمكنها تشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على بيونغيانغ.

لكن المشكلة بالنسبة لبكين تتلخص في انها لا تريد للنظام الكوري الشمالي ان ينهار. مع ذلك، من الممكن جدا تشديد نظام العقوبات الساري المفعول، وهناك العديد من الخطوات المالية التي يمكن اتخاذها لتضييق الخناق على كوريا الشمالية.

ولكن المشكلة تكمن في ان العقوبات المشددة تعد سلاحا غير دقيق، خصوصا في حالة بلد يعاني المجاعات مثل كوريا الشمالية، إذ من شأنها مضاعفة المعاناة التي يئن منها الكوريون الشماليون اصلا.

خارطة
BBC

س: طرحت الصين وكوريا الشمالية امكانية انهاء الاخيرة تطوير اسلحتها النووية اذا اوقفت الولايات المتحدة التداريب العسكرية التي تجريها (بالاشتراك مع كوريا الجنوبية) على حدودها الجنوبية. لماذا لا يتم الأخذ بهذا المقترح؟

ج: إن هدف السياسة الأمريكية كان منذ أمد بعيد وقف برنامج كوريا الشمالية النووي، ولكن هذا الهدف اصبح مستحيل التحقيق، ولذا أصبح التركيز على احتواء الخطر. ليس ثمة دليل على أن كوريا الشمالية لديها أي نية للتخلي عن برنامجها النووي، انما العكس هو الصحيح. فبيونغيانغ تعتقد بأن الاسلحة النووية تمثل الضمانة الوحيدة للدفاع عن سلامة البلاد وبقائها.

بالطبع، الصين حريصة على التوصل الى حل دبلوماسي للأزمة، وهناك بالفعل عدة سبل يمكن استكشافها، فعلى سبيل المثال يمكن اقناع كوريا الشمالية بالموافقة على تحديد برامجها النووية مقابل تنازلات معينة. ولكن هذا السبيل جرب في الماضي واثبت فشله، فنظام كوريا الشمالية فريد في عزلته وتخوفه وضعفه البنيوي مهما بدا قويا من الناحية العسكرية.

س: ما هي الاتفاقيات المعمول بها في شبه الجزيرة الكورية؟ وهل أي من الأطراف مجبر على الانضمام الى هذه الاتفاقيات؟

ترتبط كوريا الجنوبية بالولايات المتحدة باتفاقية يعود تاريخها الى عام 1953، تنص على ان واشنطن ستهب للدفاع عن سول في حال تعرضها لتهديد. هناك في كوريا الجنوبية نحو 28,500 عسكري امريكي، كما تزور البلاد طائرات حربية امريكية متطورة بشكل دوري.

كما ترتبط كوريا الشمالية والصين باتفاقية تعاون وصداقة يعود تاريخها الى عام 1961 تحتوي على بعض البنود الدفاعية، ولكن ليس من الواضح امكانية ان تخوض الصين حربا من اجل الدفاع عن النظام الكوري الشمالي، خصوصا اذا شن الاخير عدوانا على كوريا الجنوبية.

س: ما هي الامكانيات المتوفرة لكوريا الشمالية للدفاع عن نفسها في حال تعرضها لاعتداء من جانب الولايات المتحدة وحلفائها اذا قامت بتجربة نووية جديدة؟

ج: أؤكد بدءا اننا ما زالنا بعيدين جدا عن حرب شاملة في شبه الجزيرة الكورية. فاذا أخذنا بعين الاعتبار قدرات كوريا الشمالية العسكرية واستعدادتها القتالية، سيؤدي اندلاع أي حرب الى نتائج وخيمة جدا بالنسبة لكوريا الجنوبية خصوصا اذا علمنا ان العاصمة الجنوبية سول تقع في مدى المدفعية الكورية الشمالية المحشدة على الحدود. المعلوم ان سول لا تبعد عن الحدود مع كوريا الشمالية الا بمسافة تقل عن 60 كيلومترا.

وتبعث القوات التي نشرتها الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة في المنطقة، والتي تشمل سربا بحريا قتاليا تقوده حاملة طائرات اضافة الى غواصة مزودة بصواريخ كروز، برسالة ما، ولكن هذه القوات ليست بالقدر الذي يتيح للأمريكيين التفكير في خوض حرب.

مظاهرة
EPA
خرجت في كوريا الجنوبية مظاهرات للاحتجاج على نصب نظام (ثاد) الدفاعي الصاروخي في البلاد

من الواضح أنه بينما قد تتمتع كوريا الشمالية بتفوق عسكري في البداية، فسيعني اندلاع حرب شاملة أن بيونغيانغ ستواجه كل التقدم التكنولوجي الذي تتمتع به القوات المسلحة الأمريكية الحديثة. ومن المؤكد تقريبا ان كوريا الشمالية ستخسر في منازلة كهذه، ولكن الكوريتين ستتعرضان لدمار كبير حتى دون الاخذ بالاعتبار احتمال ان تستخدم بيونغيانغ ترسناتها النووية الصغيرة.

وهناك نقطة مهمة أخرى: اذا نجح نظام (ثاد) الدفاعي في اعتراض صاروخ نووي، ما الذي سيحصل للمواد النووية التي يحملها؟

من غير الواضح على الإطلاق امتلاك كوريا الشمالية رؤوس نووية من الصغر بحيث يمكن تركيبها على الصواريخ التي طورتها، ومن جانب آخر، صمم نظام (ثاد) لاعتراض الصواريخ المهاجمة في المراحل النهائية لانطلاقها داخل او خارج غلاف الأرض الجوي على ارتفاع يبلغ نحو 200 كيلومترا وهو ارتفاع يعتقد خبراء انه قد يخفف من تأثير أي سلاح دمار شامل قد تحمله هذه الصواريخ.

س: ما هي فعالية نظام (ثاد)؟ واذا نجح هذا النظام في تحييد الصواريخ الكورية الشمالية، فهل سيجعل ذلك حربا برية اكثر احتمالا؟

ج: نظام (ثاد) نظام يثير الاعجاب، ولكنه ليس درعا مضمونا ضد الصواريخ. وكان قرار نشره في كوريا الجنوبية يمثل رسالة دبلوماسية اضافة الى كونه اجراء احتياطيا من الناحية العملية. وبامكانه على سبيل المثال اعتراض اي صاروخ كوري شمالي يطلق بطريق الخطأ على كوريا الجنوبية.

ولكن لم يتضح بعد ما اذا كان نظام (ثاد) ومنظومة الرادار القوية الملحقة به سيدخل حيز العمل بالفعل رغم ان عملية نشره قد بدأت فعلا.

س: اذا أغرقت كوريا الشمالية سفينة حربية أمريكية وردت الولايات المتحدة عسكريا على ذلك، ما هي احتمالات تدخل الصين وهل سيعني ذلك نشوب حرب نووية كونية؟

ج: الصين على يقين بالتوترات المتصاعدة في المنطقة، ومن الواضح انها حريصة على نزع فتيل هذه التوترات.

ومن جانبها، تسعى الولايات المتحدة الى استغلال مخاوف بكين كوسيلة للضغط عليها لاقناعها باستخدام نفوذها لتغيير سلوك بيونغيانغ.

تجد الصين نفسها في موقف صعب، فهي لا تحب كثيرا نظام بيونغيانغ وتصرفاته غير المسؤولة، ولكنها لا تريد أيضا ان ترى النظام ينهار لسببين مهمين: الأول انها لا تريد ان تنشأ على حدودها كوريا موحدة موالية للامريكيين، والثاني انها لا تريد ان يتدفق الملايين من اللاجئين الكوريين الشماليين الى اراضيها.

ورغم ان الصين ساندت عسكريا كوريا الشمالية في الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي، ليس ثمة مؤشرات الى انها مستعدة للدفاع عن نظام بيونغيانغ المتهور في أي حرب قد تندلع في المستقبل.

س: اذا شنت كوريا الشمالية هجوما نوويا على كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، كيف سيؤثر ذلك على مناطق اخرى كأوروبا على سبيل المثال؟

ج: من المعتقد على نطاق واسع ان لكوريا الشمالية ترسانة صغيرة - ولكن فعالة - من الاسلحة النووية، من غير الواضح على الاطلاق ان بيونغيانغ قد اتقنت القدرة على انتاج رؤوس نووية من الصغر بحيث يمكن تثبيتها على الصواريخ التي بحوزتها.

فالجزء الأكبر من قواتها الصاروخية مزودة برؤوس تقليدية بامكانها إحداث قدر كبير من الدمار لكوريا الجنوبية وقد تصل الى قواعد أمريكية في جزيرة غوام في المحيط الهادئ، ولكن بيونغيانغ لا تمتلك بعد قدرة صاروخية عابرة للقارات تمكنها من الوصول الى الولايات المتحدة ذاتها. ولكن كوريا الشمالية تسعى جاهدة لتطوير قدرات من هذا النوع، وهو الأمر الذي سعت الادارات الامريكية المتعاقبة على منعه، دون نجاح واضح الى الآن.

من الواضح ان كوريا الشمالية تبعد بمسافة كبيرة عن أوروبا، وان الاسلحة التي تمتلكها تفتقر الى المدى الكافي للوصول الى اهداف في القارة الأوروبية. ولكن التأثيرات العامة للتفجيرات النووية - على البيئة وغيرها - يصعب التكهن بها. فذلك يعتمد على حجم تلك التفجيرات والظروف المناخية والجوية وغيرها.

ربما ستكون النتيجة الأكثر أهمية لاستخدام سلاح نووي في شبه الجزيرة الكورية تكمن في ان هذا السلاح قد استخدم اساسا من قبل دولة أخرى، بعد 70 عاما من استخدام الأمريكيين للسلاح النووي ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية. في هذه الحالة، ستكون العواقب الدبلوماسية خطيرة جدا.

س: ما الذي يعرفه المواطن الكوري الشمالي العادي عن التصعيد الأمريكي ضد بلاده؟

ج: كوريا الشمالية بلد منعزل ومغلق لا يعرف مواطنوه الا ما تقرر الحكومة إخبارهم به. يتلخص خطاب كوريا الشمالية في ان البلاد محاصرة ومحاطة من قبل اعداء مزودين باسلحة نووية، ولذا فعلى بيونغيانغ السعي للحصول على هذه الاسلحة وعلى بناء مجتمع عسكري من أجل التصدي لهذه التهديدات.

وبالرغم من ان الخطاب الكوري الشمالي قد يبدو هزليا في بعض الأحيان، لا شك في ان الكوريين الشماليين يعتبرون انفسهم مهددين، فبلادهم من أكثر بلاد العام عزلة وليس لهم الا القليل من الاصدقاء.

فالنظام الكوري الشمالي، الذي لديه القدرة على انتاج الصواريخ، لا يكاد احيانا ان يقدر على اطعام شعبه. ولذا، فإن اي حل طويل الأمد للمشكلة الكورية الشمالية يجب ان يأخذ بنظر الاعتبار الى حد ما مع رؤية ذلك البلد ويتوصل الى سبل الى طمأنة الكوريين الشماليين بأن نوايا العالم الخارجي لا تتركز فقط على اسقاط نظامهم.

العنصر الأهم في ذلك هو ان تتسم السياسة الأمريكية بالوضوح وبالرغبة في البحث عن الحوافز التي قد تؤدي الى شكل من الحوار الدبلوماسي مع بيونغيانغ - وفي نفس الوقت ايصال رسائل ردع شديدة اللهجة. فكوريا الجنوبية تتعرض لتهديد اكبر بكثير من هجوم شمالي من العكس.