أعلن محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال المغربي، عن افتتاح الورشات التكوينية لبرنامج "موزيكون"، في موقع "وليلي" الأثري، الذي كانت اليونيسكو قد سجلته سنة 1979 تراثًا عالميًا للإنسانية، بفضل ما يزخر به من آثار تاريخية، وروافد حضارية، وسط حضن الطبيعة.

إيلاف من مكناس: أوضح الأعرج، خلال لقاء له مع الصحافة، الثلاثاء، في أحد فنادق مدينة مكناس، أن برنامج "موزيكون" يهدف إلى المحافظة على التراث الوطني وتعزيز قدرات الموارد البشرية المتخصصة العاملة في مجال الترميم وصيانة وتسيير المواقع الأثرية، وذلك في إطار تعاون دولي منجز بشراكة مع معهد "جيتي" الأميركي، خدمة للمحافظة على التراث العالمي المادي والذي يُنجز لفائدة أطر مغربية وأخرى من دول صديقة عربية وأفريقية وأوروبية.

شهر التراث
ولم يفت الاعرج أن يذكر أن وزارته تحتفي حاليًا بشهر التراث، مسجلًا مجهوداتها وكل شركائها من أجل المحافظة على التراث المادي للمملكة المغربية، والذي يتضمن، على سبيل المثال لا الحصر، تعزيز برامج المحافظة على التراث الثقافي الأثري، التي انخرطت الوزارة فيها، ومن بينها برنامج "موزيكون" الذي من نتائجه، هذه الشراكة الهادفة إلى تقوية مهارات الأطر التقنية العاملة في مجال ترميم لوحات الفسيفساء النادرة التي تزخر بها المواقع الأركيولوجية الفريدة، وكذا لتطوير طرق المحافظة على المواقع الأثرية.

محمد الاعرج وزير الثقافة والاتصال خلال إعلانه في مدينة مكناس عن افتتاح الدورة التكوينية في مجال المحافظة على الآثار

وأشار الأعرج إلى أن برنامج "موزيكون" الذي سبق وأنجز دورات تكوينية ناجحة في مناطق عدة حول العالم، من أهم البرامج التي تروم الحفاظ على المواقع الأثرية التي تحتضن أرضيات فسيفسائية في جنوب وشرق حوض البحر الأبيض المتوسط. ويعود هذا النجاح بشكل خاص، حسب الوزير، إلى قيمة وجودة الجهات المنخرطة في هذا البرنامج كمعهد "جيتي" للمحافظة على التراث ومؤسسة "بول جيتي" في لوس أنجلس في الولايات المتحدة، والمركز الدولي لدراسة وصيانة وترميم الممتلكات الثقافية (إيكروم) في إيطاليا، واللجنة الدولية للمحافظة على الفسيفساء".

اختيار "وليلي"
للإطلاع على الأشغال الجارية في عين المكان، كانت وزارة الثقافة والاتصال، قد نظمت صباح الثلاثاء رحلة لوفد من المنابر الإعلامية، ضمنه "إيلاف المغرب"، إلى موقع "وليلي" الأثري، الذي يبعد عن مدينة مكناس 26 كيلومترًا، حيث يمتد تحت قدم جبل زرهون على مساحة 42 هكتارًا.

واستنادًا إلى بيان صحافي، فإن هذه الدورات التكوينية جاءت نتيجة لاتفاقية الشراكة الموقعة بين وزارة الثقافة والاتصال، ومعهد "جيتي" الأميركي للمحافظة على التراث، في إطار سياسة الوزارة في مجال تعاون مع المؤسسات المتخصصة في مجال التراث، من أجل تنظيم دورات تكوينية، وتعزيز قدرات الموارد البشرية العاملة في مجال التراث.

ووقع الاختيار على موقع وليلي الأثري، في نظر مسؤولي الوزارة، اعتبارًا لقيمته العالمية الاستثنائية كتراث للإنسانية، لاحتضان ورشات عمل هذا البرنامج، لما يحتضنه الموقع من أرضيات فسيفسائية ذات قيمة مهمة على الصعيد الوطني والدولي، وكذلك لما يتوافر عليه من بنية تحتية جيدة قابلة لاستقبال الباحثين والدراسيين والمختصين.

يستفيد من الورشة الأولى موظفون من وزارة الثقافة والاتصال، يعملون في مجال التراث، سيتمرنون تحت إشراف الخبرة الأميركيةً، على طرق ترميم وصيانة الأرضيات الفيسفسائية والزليج، بمحتوى نظري وتطبيقي.

أما الورشة الثانية فيستفيد منها مسيّرو المواقع الأثرية بالمغرب، وفي بلدان عدة أخرى، سيتم خلالها تعزيز قدرات مسيّري مواقع الآثار وتطوير كفاءاتهم.

أول مشروع من نوعه
زيارة الوفد الصحافي شملت أيضًا مركز الأبحاث الجديد الذي تم إنجازه أخيرًا للتعريف بتراث الموقع الأثري "وليلي"، وهو أول مشروع من نوعه أنشئ في موقع أثري في المغرب، ويعرض مجموعة من التحف الأثرية المكتشفة، ذات العلاقة بالأدوات المستعملة في الحياة اليومية، في الحقبة القديمة، إضافة إلى وثائق مهمةً من الأرشيف، يمكن الإطلاع عليها من خلال وسائل ديناميكية للعرض والتفسير، (مسموعة، مرئيّة، وتصويرية، ومكتوبة).

من معروضات مركز الأبحاث بالموقع الأثري وليلي

وحسب تصريح أحد المسؤولين، فإن الموقع الأثري يستقبل يوميًا حوالى 400 زائر، معظمهم من السياح، بتذكرة لا يتجاوز ثمنها 10 دراهم مغربية (دولار)، فيما ترتفع وتيرة الإقبال بشكل أكبر، من المواطنين، يوم الجمعة، علمًا أن الدخول إليه يكون بالمجان.

واستنادًا إلى مصادر تاريخية، فإن ذكر مدينة وليلي جاء في مراجع قديمة، ترجّح أن الإستيطان بها يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد. بيد أن المدينة ارتقت مدارج الرقي والتطور العمراني خلال حقبة حكم أباطرة الرومان، الذين مازالت بقايا آثارهم شاهدة عليهم، ومن بينها النقود والآواني والمنحوتات الرخامية، والمعابد، وقوس النصر، الذي ينتصب عاليًا، ومعاصر الزيتون، والحمامات، إضافة إلى البيوت التي زينت مداخلها وأرضيتها بلمسات من الفسيفساء، وهي التي يجري الانكباب حاليًا على إعادتها إلى رونقها وجاذبيتها القديمة من خلال الدورة التكوينية.